أوّلاً، ورفعاً لأيّ التباس، يحملُ شخصان اسم الـ”راف كوك” Rav Kook: الأب وابنه، ويمثّلان معاً استمراراً للمشروع الدينيّ-الصهيونيّ ذاته. الراف كوك الأب (1865-1935) وضعَ الأُسسَ الفكريّة، وكان ذا مكانة دينيّة رفيعة، فيما بلور الإبن (1891-1982) الأيديولوجيا وبنى حركة “غوش إيمونيم” Gush Emunim الاستيطانيّة.
سيرةُ الرجلين قد تكون مهمّة أكثر، في حال كان هدف هذه المادّة فهم الجذور الفكريّة والتنظيميّة للأحزاب الاستيطانيّة التي تهيّمن اليوم، عملياً، على السياسة الإسرائيليّة. غير أنّ هذه المادّة -لقصرها- ستركّز بشكل أساسيّ على فكرة “الخلاص” في اليهوديّة، التي يُعتبر التحوّل الذي أحدثه فيها الراف كوك الأبّ، حجرَ أساسٍ للتيّار الصهيونيّ الدينيّ ومشروعه.
فكرةُ “الخلاص” ركنٌ أساسيّ من أركان العقيدة اليهوديّة ومن الفرائض القلبيّة (مثل الصلاة)، وهي مرتبطة، أساساً، بانتظار مجيء المسيح، والإيمان بهذا المجيء، وهذا مُبيّن في “التلمود” وفي كتابَي “هزوهر” و”عتس هحاييم”1. ففكرة الخلاص، مثلاً، هي الركن رقم 12، ضمن الأركان التي وضعها الراف موسى بن ميمون (رامبام): “مجيء المسيح: الإيمان بمجيء المسيح ابن داوود وهو أكبر الملوك”.
ارتبطت فكرة “الخلاص” بالشتات، الذي فُهم على أنّه عقابٌ على الخطايا، وأنّ الله سيخلّص اليهود من الشتات في المستقبل المجهول، وعليهم أنّ يتوبوا عن الخطايا، وأن يقوموا بكلّ الفرائض الدينيّة كي يجيء المسيح ويخلّصهم من الشتات ومن العذاب. هذا يعني أنّ الشتات لا ينتهي قبل مجيء المسيح، وهذا كان، وما زال، سبب لا-صهيونيّة التيارات الدينيّة، خصوصاً مجموعات الـ”حريديم”، التي عارضت تأسيس دولة يهوديّة لجمع الشتات اليهوديّ قبل مجيء المسيح.
النص الكامل على موقع متراس