بسبب سنوات طويلة من الحروب الخارجية والداخلية وعدم الاستقرار، وتراجع أسعار النفط، مع استشراء الفساد والمحسوبية والزبائنية وغياب الكفاءة، فان الازمة الاجتماعية-الاقتصادية في العراق تزداد عمقاً وستنعكس على الاستقرار السياسي وعلى علاقة الدولة بالمجتمع مالم تجر اصلاحات بنيوية رئيسية.
تتمثل إحدى الإشكاليات في أن الدولة في العراق غادرت دورها السابق كمؤسسة مسؤولة عن تنمية وتحديث المجتمع (وهي الأيديولوجيا التي هيمنت على فهم دور الدولة على الأقل منذ منتصف القرن العشرين)، وأصبحت، تحديداً بعد عام ٢٠٠٣ ، مرتعاً لسياسات الهوية وتمثيل الاثنيات والطوائف، لم تعد الدولة مكلفة بمسؤولية رعاية تقدم المجتمع، لأنه لم يعد هنالك معنى للتقدم أصلاً (او ان الفهم الاستهلاكوي للتقدم هو الذي صار سائداً)، بل صارت فضاءاً تتمثل فيه هويات وصراعات الاثنيات والطوائف. أحد نتائج ذلك، هو بناء قطاع عام متضخم لا حاجة حقيقية له سوى توفير فرص زبائنية للقوى الحزبية المتنفذة في كل جماعة أثنية وطائفية، وصار التعيين مكافأة على الولاء او لتوسيع شبكات المحسوبية لتلك الأطراف بدلاً من أن يستند على الكفاءة الفعلية والإمكانيات والحاجة الحقيقية للوظيفة. عمّق ذلك من فشل الدولة وقدرتها على إدارة الحاجات الاجتماعية. وامام ضعف القطاع الخاص وهيمنة الاقتصاد غير الرسمي، صارت الوظيفة الحكومية هي الضمان الوحيد الذي يتطلع له المواطنون-وتحديداً الشباب- خصوصاً انها تأتي غالباً غير مقرونة بواجبات ومسؤوليات كبيرة وتقدم تقاعداً مريحاً نسبياً. وهذا الاقبال على الوظيفة الحكومية تنامى مع التآكل التدريجي للزراعة بسبب شحة المياه والإهمال وهيمنة الريع النفطي، وغياب الصناعة بسبب غياب الكفاءة والبنية التحتية اللازمة لها، وصارت وظيفة الدولة (اللا وظيفة) هي الملجأ الأساسي.
النص الكامل على موقع "العالم الجديد"