استقبل أهل النظام العربي إعلان العدو الاسرائيلي "دولته" كدولة اليهود في العالم أجمع بالصمت، ولعلهم أداروا وجوههم إلى الجهة الاخرى، متجاهلين هذا التطور الخطير في الصراع مع العدو الذي كان قد تلقى قبل وقت قليل دعماً مفتوحاً وعلنياً بقرار الرئيس الاميركي ــ الاعجوبة دونالد ترامب، نقل سفارته من تل ابيب إلى القدس التي ستكون "العاصمة الابدية" لدولة اسرائيل..
والحقيقة أن أهل النظام العربي هؤلاء، مشغولون بما هو أهم وأخطر: فالمملكة المذهبة ومعها دولة الامارات التي من عقيق، غارقتان حتى الاذنين في حربهما غير المبررة ــ بل المخزية ــ على بلاد الحضارة العربية الأولى، اليمن.. وآخر إنجازاتهما هناك المذبحة الفظيعة التي أودت بحياة اكثر من خمسين طفلاً، توكيداً لدقة الطيارين المرتزقة العاملين في خدمة هاتين الدولتين اللتين تشاركان في تدمير بلاد الحضارة العربية الأولى.
الطريف أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، المتواطئ مع المعتدين، قد وجد فائضاً في وقته لاستقبال الرئيس الشريد اللاجئ إلى السعودية عبد ربه منصور هادي، و إجراء "مباحثات من طبيعة استراتيجية شاملة".
وبغض النظر عن أن هذا اللقاء المدفوع ثمنه سلفاً كان يستهدف إعادة التذكير بهذا الرئيس الذي يخدم العدوان بصوره، وهو يجتمع إلى بعض وزرائه جالساً فوق مقعد عال ليلائم وضعه الصحي والتشوه النافر في جسده.. فمن غير المجدي اقناع أي عاقل في العالم بان هذا "الرئيس المخلوع" يحكم فعلاً ويتحكم بتصرفاته. وبينما تتزايد قيمة فاتورة الغاز الذي تشتريه مصر من العدو الاسرائيلي، فان إعلامها يستمر في الترويج لأعظم الاكتشافات في مجال النفط والغاز في بعض انحائها، قرب شاطئ المتوسط، غير بعيد عن قناة السويس..
اما تونس التي لم تنجح انتفاضتها المباركة في انجاز التغيير في اتجاه اقتحام المستقبل، فقد عادت إلى ماضيها البورقيبي على قاعدة انه الخيار الاقل سوءا. أما الجزائر فتنتظر، عبثاً، موت رئيسها المشلول عبد العزيز بوتفليقة، الذي لا يغادر موقعه ويصر على البقاء ليحكم بلاد ثورة المليون شهيد من فوق كرسي متحرك.
وفي حين يغرق العراق في فوضى سياسية تنذر باحتمالات مفجعة قد تتسبب في مزيد من التصدع في بنيان دولته التي قزّمها الطغيان ثم دمرها الاحتلال، وجاءت حروب "داعش" فأكملت تمزيق ارض الرافدين.. في حين عجزت الطبقة السياسية الوافدة عن ادارة البلاد واعادة توحيدها، فعلياً، والافادة من ثروتها الطبيعية لإعادة بناء العراق دولة قائدة بقوة شعبها وقسوة القهر الذي عاناه في العقدين الاخيرين.
ومع أن سوريا توشك على تحقيق النصر في الحرب فيها وعليها، فان اعادة بنائها وتمكينها من العودة إلى دورها القيادي في المنطقة يحتاج إلى زمن طويل.. خصوصاً وان أكثر من ثلث شعبها يعاني، في الخارج، ازمة النزوح منها. ومع أن اكثرية النازحين تبدي استعدادها للعودة إلى ديارها، ولو اضطرت إلى السكن في خيام في انتظار اعادة اعمار ما تهدم فيها، فان "الدول" تحاول عرقلة هذه العودة منعاً لاستعادة سوريا عافيتها ودورها الذي لا بد منه في أي مستقبل عربي.
بالمقابل، فإن لبنان الذي كان مصيف العرب ومقصدهم في اجازاتهم كما في استثماراتهم يعاني اليوم من قطيعة فعلية، ولو غير ملعنة، تمارسها ضده دول النفط والغاز، بذرائع شتى، أبرزها انه قد اصر على استعادة رئيس حكومته، سعد الحريري، الذي كان ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان قد اتخذه (واسرته) رهينة.. ولم يفرج عنه الا بوساطة حاسمة ممن لا يرد له طلب، الرئيس الفرنسي معززاً بالدعم الاميركي.
وها هو لبنان بحكم المشلول: لا الرئيس المكلف سعد الحريري يستطيع تشكيل حكومة جديدة، ولا المجلس النيابي الجديد، الذي انتخب وفق قانون نسبية شوهاء، يستطيع التصرف أو مجرد الانعقاد، مداراة لغضب مملكة السيف والذهب ومن معها من أهل النفط والغاز، ولا رئيس الجمهورية يستطيع تخطي العقبات والموانع التي تتداخل فيها الضغوط السياسية مع الحساسيات الطائفية.. فيسود الجمود.
عن العروبة في عصر الملَكيات المذهبة!
11-07-2018
من يفكر بعد بفلسطين ومستقبلها في ظل خطط التهويد المعلنة والتي بدأت تتجسد على الارض مع الاعلان عن "الدولة القومية ليهود العالم" فوق الارض المقدسة، من دون أن تلقي أي رد فعل عربي رسمي، أو حتى شعبي (مع الاسف الشديد)، لا داخل الارض المحتلة ولا خارجها (اللهم الا بعض التظاهرات المحدودة والتي يسهل تفريقها بلا عناء..) برغم أن التجربة المميزة لعهد التميمي تعطي الحركة الشعبية نموذجاً فذاً للصمود.
لقد خسر العرب بعض أرضهم والحق في مستقبل أفضل، لانشغال انظمتهم بتقديم التنازلات والمزيد من التنازلات، حفظاً لمواقع أهل السلطة التي تتزاحم على ابواب البيت الابيض، موجهة رسائل التطمين لإسرائيل مرحبة بمشروعها التوسعي الخطير..
وعهد التميمي كما مئات المناضلين والمناضلات الذين يتصدون يومياً لجيش الاحتلال، تستطيع كسر التوازن المهين القائم حالياً بين اسرائيل الدولة القومية والعرب الذين تفرقوا حتى تعذر جمعهم خلف أي شعار وأي هدف نضالي كان يحرك جموعهم في الماضي غير البعيد، على امتداد المساحة بين "الخليج الثائر والمحيط الهادر"..
لكن التاريخ ليس يوماً واحداً،
لذلك، لن نفقد الامل في غدٍ أفضل..