فلسطين تستعصي على اغتيالها

مطالبة شعب فلسطين، المحتلة أرضه، الممزّقة وحدته، المشرد في أربع رياح الارض أن يتولى بنفسه تحرير الامة جميعاً بعنوان فلسطين، مخادَعة للنفس، أن لم نقل إن مثل هذا المنطق يبرئ اسرائيل من اجرامها والنظام العربي من تواطئه.
2018-08-08

شارك

نجحت جهود العدو الاسرائيلي، معززة بالتواطؤ الدولي، بالعنوان الأميركي ومعه "النسيان" العربي لجوهر القضية الفلسطينية، في تفتيت هذه القضية المقدسة إلى مجموعة تفاصيل تذهب بمضمونها، أي بحقوق الشعب الفلسطيني في أرضه، أو بعضها وهذا أضعف الايمان.

وكان للانقسام الفلسطيني - الفلسطيني الذي تجاوز الحدود فصار انفصالاً، دوره في تظهير فلسطين وكأنها اربعة اجزاء لا جامع بينها.. غير الاحتلال: الضفة الغربية، حيث مركز السلطة التي لا سلطة لها بعاصمتها رام الله، وقطاع غزة حيث السلطة ل"حماس" التي طردت سلطة محمود عباس، ثم الأرض الفلسطينية التي احتلها العدو الاسرائيلي واعتبرها بعض "دولته"، وأخيراً الأرض التي أقام عليها العدو دولته التي لا يفتأ يمدد حدودها بالتواطؤ مع الادارة الاميركية. آخر مثال على هذا التمدد إقدام الولايات المتحدة الاميركية على اتخاذ فندق في القدس المحتلة مركزاً لسفارتها، بعد نقلها من تل ابيب تمهيداً للاعتراف بالقدس عاصمة ابدية لإسرائيل في عاصمتها "اورشليم".

لم يكن الرد الفلسطيني في المستوى المطلوب. أما القيادات العربية فقد اكتفى بعضها بالتأتأة التي لا تعني الرفض وان كانت تريد الحفاظ على "الامر الواقع" التي تم تغييره بالقرار الاسرائيلي المعزز بالدعم الاميركي المفتوح، والذي بين تجلياته قرار الرئيس الاميركي - البدعة دونالد ترامب باعتماد القدس "عاصمة للشعب اليهودي ودولته اسرائيل".

ولأن "السلطة الفلسطينية" التي لا سلطة لها منقسمة على ذاتها، ولا قدرة لها على مواجهة مثل هذا القرار الاميركي بالعنوان الاسرائيلي، فقد صمتت في رام الله ممتنعة عن اعلان رفض لا تملك امكانات تجسيده على الارض، بينما استمرت قيادة حماس في تصرفها "المستقل"، مميزة نفسها عن "السلطة" في رام الله، لاجئة إلى القاهرة. هكذا وجدت ادارة السيسي الفرصة متاحة لتوريط حماس في مفاوضات مباشرة مع العدو الاسرائيلي، بمعزل عن رام الله، بذريعة ضرورة وقف القتال المنهك في غزة التي تعاني من نقص فادح في توفير ضرورات الحياة، من كهرباء ومياه وصادرات لا تصل إذا ما اقفل العدو المعابر.

لكأنما هناك قضيتان فلسطينيتان: واحدة تحمل عنوان سلطة رام الله، والثانية سلطة غزة. وفي مركزي القرار بؤس سياسي وازمة اقتصادية وتخلٍ عربي، وبالتالي دولي، عن جوهر الصراع..

في هذه الاثناء كان العدو الاسرائيلي يواصل حفر الانفاق في التخاذل العربي، مستخدماً تصعيد لغة العداء لإيرا، كمدخل للتحالف مع عرب السعودية والخليج، وتوسيع اختراقه تلك المنطقة لتشمل مع قطر (التي كانت السباقة إلى الاعتراف بكيان العدو وإقامة علاقات دبلوماسية معه) مشيخة دبي كواجهة لدولة الامارات العربية المتحدة.

ثم أن العدو الاسرائيلي توسل خط الطيران مع الهند لفتح "حوار جوي" مع السعودية التي سمحت لطائرات العال باجتياز الفضاء السعودي في رحلاتها المتبادلة مع الهند.

المهم، أن القاهرة قد سلمت بوجود "سلطتين" فلسطينيتين: واحدة في رام الله، والثانية في غزة، وأنها تسعى للتوصل إلى اتفاق ثنائي بين حماس في غزة واسرائيل، باستقلال عن الاتفاقات المنسية بين العدو الاسرائيلي وسلطة رام الله. ومفهوم أن هذا التقسيم يعني مزيداً من الإضعاف لقضية فلسطين برمتها، ويشكل تزكية للعدو الاسرائيلي، تساعده وهو يطرح "دولته" على العالم باعتبارها دولة يهود الكون، حيثما وجدوا..

المعادلة واضحة: فلسطين التي خسرت وحدة شعبها، ملتحقة بقافلة الانقسامات العربية، في حين يؤكد العدو الاسرائيلي، على اختلاف العناصر في تركيبته البشرية الآتية من أربع رياح الدنيا، وحدته "كشعب" في "دولته القومية".

وبالتأكيد فإن مسؤولية جسيمة تقع على العرب، كل العرب، دولاً وجامعة دول عربية ماتت منذ زمن طويل ولا تجد من يجرؤ على احيائها، لان الاوضاع الراهنة تجاوزت قدراتها، وهي معنوية اصلاً.. ثم أن الوطن العربي قد انقسم إلى دول الاشقاء الاغنياء الذين لا يعترفون بإخوتهم الفقراء في دولهم المتهالكة.. بل هم يلتحقون بالأقوى، والاقوى حتى إشعار آخر يتمثل في الولايات المتحدة الاميركية، واسرائيل معها وضمنها وخلفها وامامها..

في ظل اجواء كهذه لا تعود مجدية بطولة فتية غزة في مواجهة قوات الاحتلال الاسرائيلي عبر السور المكهرب الذي يفصل القطاع عن ارضه الوطنية فلسطين.

كذلك لا تعود بطولة فتيات الضفة الغربية وفتيتها بعنوان عهد التميمي قادرة على إحداث التغيير، وان هي قدمت النموذج المشرق لجيل فلسطيني جديد، متخفف من اثقال الهزيمة وقادر على أن يلمح فجر اليوم التالي..

لكن المؤامرة الخطيرة على القضية المقدسة تجاوزت اسرائيل ومعها حليفها الاقوى والاغنى في العالم: الولايات المتحدة الاميركية، إلى المحيط العربي الذي كف عن أن يكون حاضنة للنضال الوطني في فلسطين وتحول إلى قوة ضغط على شعب فلسطين لكي يهدأ.. حتى الموت، تحت الاحتلال!

وبالتأكيد فان مطالبة شعب فلسطين، المحتلة ارضه، الممزقة وحدته، المشرد في اربع رياح الارض أن يتولى بنفسه تحرير الامة جميعاً بعنوان فلسطين، مخادعة للنفس، أن لم نقل أن مثل هذا المنطق يبرئ اسرائيل من اجرامها والنظام العربي من تواطئه ليدين شعب بالتخلي عن ارضه ومقدسات الامة فيها، والقعود عن التحرير، كأنما هذا الواقع الذي يعيشه ليس نتيجة التقاعس العربي عن نصرته.. فضلاً عن خروج العرب، بالتتابع، من ميادين الكفاح من اجل فلسطين، بعضهم بالخيانة، وبعضهم الآخر بالعجز، وبعض ثالث بحماية نظامه المذهّب والاسرة الحاكمة ولو على حساب الامة، بل التاريخ والجغرافيا والهوية الوطنية والقومية معاً.

وعلى الرغم من ذلك، فلن "تذوب" فلسطين، ولن يتمكن احد من اغتيال القضية المقدسة التي تتجاوز حدود فلسطين لترسم معالم الغد العربي الافضل..

والكفاح دوار..

مقالات من العالم العربي

للكاتب نفسه

دول آبار النفط والغاز تتهاوى

طلال سلمان 2020-11-18

اليوم، بتنا نفهم حرص المستعمر- بريطانيا بالأساس - على إقامة دول تتضمن رمالها أو سواحلها احتمالات بوجود النفط والغاز. فاذا ما ظهر هذا او ذاك من أسباب الثروة كانت لغير...