إهداء
من الركن الجنوبي الغربي من فلسطين، المسمى قطاع غزة، الذي حولته الصهيونية إلى أكبر سجن في الهواء الطلق،
لذكرى كل من قضى/ت من اليهود وغير اليهود خلال المحرقة، ولكل من عانى/ت من الإضطهاد النازي،
لذكرى كل الفلسطينيين والفلسطينيات اللذين قضوا/قضين ولايزالوا/يزلن يقضون/ين نحبهم/ن على يد الصهيونية، وألذين لا يزالوا/تزلن يعانون/ين من مختلف أشكال التمييز منذ النكبة،
لمستقبل بلا عنصرية أو ظلم، خال من الجرائم المقنعة،
لسلام عادل بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط في فلسطين جديدة يعيش فيها كل من ي/تتكلم العربية والعبرية على قدم المساواة.
النازية والصهيونية، اختلاف في الدرجة أم اختلاف في الجوهر؟
تعليمات تعطي الجنود الضوء الأخضر لإطلاق النار على الفلسطينيين/ات لمجرد الشبهة – أو فعليا قتل من ليس/ت يهوديا/ة (1) (2)، تمكين المستوطنين/ات من الحصول على السلاح واستخدامه ضد الفلسطينيين/ات (3) (4)، فصل عنصري على الطرق وفي الأماكن العامة (5) (6)، قوانين تشرع وتمأسس العنصرية والتمييز والفصل العنصري واستخدام العنف ضد سكان فلسطين الأصليين، مجازر في حق السكان المدنيين، إجبار السكان المدنيين على ترك بيوتهم وأراضيهم تحت إطلاق النار، إستخدام المدنيين والأطفال كدروع بشرية (7) (8)، عسكرة مناحي الحياة، إستخدام ممنهج للتعذيب في حق السجناء/ات واستخدامهم/ن للتجارب الطبية (9) (10)، معاملة جزء مهم من السكان الأصليين كفئران تجارب...إلخ.
قائمة طويلة من الممارسات اللاإنسانية التي تميز آليات العمل المتبعة من قبل نظام إسرائيل الصهيوني حيال شعب آخر ضمن نطاق سيطرة ذلك النظام. في هذه الدراسة المقارنة يسعى الكاتب لإثبات أن تلك الممارسات الفظيعة لم تحدث ولا تحدث كنتيجة لمسلكية عملياتية وقائية منحرفة، بل كنتيجة لأسس فكرية، أسس فكرية صهيونية. لقد خضع/ت اليهود/يات لممارسات مشابهة ذات حجم أكبر، ممارسات حدثت كنتيجة لأسس فكرية، أسس فكرية نازية، ومن المفارقة أن الشعب الفلسطيني يتعرض للنوع عينه من الممارسات على يد نظام إسرائيل الصهيوني، ذلك النظام الذي يدعي زورا أنه وريث معاناة اليهود عبر التاريخ.
علاوة على ذلك، يسعى الكاتب إلى إبراز أوجه الشبه بين النسقين الفكريين وإلى الإثبات المشفوع بالوقائع بأن ما حدث في ألمانيا وبقية الأراضي التي احتلها النظام النازي من 1933 إلى 1945، وما حدث ويحدث في فلسطين منذ أوائل القرن العشرين حتى الآن، عبارة عن نتائج لنسقين فكريين متماثلان جوهريا ومعاديان للإنسانية ألا وهما: النازية والصهيونية، وذلك على أيدي نظامين عنصريين يتصرفان بنفس الأسلوب ولكن بوتيرتين مختلفتين ألا وهما: النظام النازي ونظام إسرائيل الصهيوني.
الجذور المشتركة بين النازية والصهيونية
إتسمت فترة الانتقال المضطربة التي عاشتها أوروبا منذ الثورة الفرنسية في 1789 حتى نهاية الحرب العالمية الثانية في 1945، بين تفكك التشكيلة الإجتماعية-الإقتصادية الإقطاعية وتبلور التشكيلة الإجتماعية-الإقتصادية الرأسمالية، ببروزالمسائل القومية والدول القومية والأحزاب العمالية، وقد شهدت هذه الفترة كذلك ميلاد العديد من الحركات الرجعية الشوفينية القومية المتشددة. ليست النازية والصهيونية مجرد حركتين من تلك الحركات وحسب، بل إنهما تجتمعان ب "صلات مثيرة للإهتمام".
ولدت الحركة النازية، وهي حركة عنصرية عنيفة قومية رجعية تعمتد دعاية شعبوية، عشية الحرب العالمية الأولى في ألمانيا، في بلد مهزوم ومدمر اقتصاديا. لقد نبتت بذور العنصرية المنظمة في حضن "جمهورية فايمار" (11) على شكل النازية، مستفيدة من الإصلاحات الديمقراطية الواسعة والحاجة الشعبية لتحسين سريع للأوضاع الإقتصادية ومن الضغط الذي مارسته الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية على الإقتصاد والسيادة الألمانية، من جملة عوامل أخرى.
في المعنى الأوسع للفصل العنصريّ
14-09-2017
أما المنجمعات اليهودية في شرق أوروبا ووسطها فشهدت بروز الصهيونية داخل تيار "الهاسكالاه". (تعني كلمة هاسكالاه השכלה في اللغة العبرية: ثقافة، تعليم، بلوغ الذكاء أو إستخدام العقل). لقد تمثلت مشاركة اليهود/يات في تيار التنوير الذي ساد أوروبا بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر في تيار الهاسكالاه، حيث أخذ/ت الكثير من اليهود/يات يفكرو/ن خارج جدران الغيتو الذي بات يشكل جزءا من المنظومة الإجتماعية-الإقتصادية التي عفا عليها الزمن. أدت "الهاسكلاه" إلى انفتاح الغيتو الهش على محيطه وبالتالي إلى اندماج اليهود/يات في الوسط المحيط وأيضا إلى ميلاد الصهيونية؛ وهي عبارة عن موقف رجعي لم تتبنه سوى أقلية داخل المنجمعات اليهودية، موقف استغل عنصرية المجتمعات الأوروبية وفي كثير من الأحيان تعاظم بسببها، وبسبب فقر أغلب اليهود، وبسبب مصالح الأنظمة الرأسمالية حديثة التشكل التي كانت تتأهب للإنقضاض على الشرق الغني الضعيف. يذكر ياكوف رابكن بأن الصهيونية سارت على خطى التيارات القومية الأوروبية:
"...تقتدي الصهيونية بالتيارات القومية العضوية في وسط أوروبا وشرقها حيث سعى القوميون إلى إنشاء دول، وأرسوا الأسس القانونية والسياسية لدول باتت موجودة، فصار للإرتباط بالخصائص الإقصائية للتيارات القومية الألمانية أو البولندية أو الأوكرانية أثر بعيد المدى على الحركة الصهيونية والمجتمع الإسرائيلي" (12).
لم تكن النازية التيار الرئيسي في المجتمع الألماني، وحتى عندما وصل الحزب النازي إلى السلطة كان لزاما عليه تشكيل تحالف برلماني لضمان أغلبية بسيطة إلى أن جاء إنقلاب هتلر في عام 1933. الصهيونية أيضا لم تكن التيار الرئيسي في المنجمعات اليهودية، فلم تكن سوى أقلية منبوذه من قبل التيارات اليهودية العلمانية والدينية على حد سواء، وهو ما يؤكده روبرت روكواي على موقع المنظمة الصهيونية العالمية: "كانت الصهيونية وجهة نظر الأقلية من الشعب اليهودي. كانت تلهب الشباب، وفي نفس الوقت تقوض سلطة الآباء الذين كانوا يحاولون البقاء. كانت الصهيونية مُنتقَدة من قبل القادة كما كانت تشكل تحديا للقيادة التقليدية في منجمعات الشتات" (13).
رغم عدم تمتعها بأي ولاية قانونية أو دعم شعبي لكي تمثل يهود/يات العالم، مضت الصهيونية قدما في تطوير مخططاتها وعقد مؤتمراتها ونقل اليهود/يات المضطهدين/ات إلى فلسطين. يصف المفكر الصهيوني الليبرالي زئيف شتيرنل الذهنية الصهيونية كما يلي: "لم يكن يعني تماهي أقلية من الشعب اليهودي مع الصهيونية خضوع الحركة الصهيونية للأغلبية، بل وجوب أن تقود الأقلية التيار في الإتجاه الصحيح" (14).
تلخص الدلالات الضمنية لمقولة ثيودور هيرتسل الشهيرة الحازمة الحالة الصهيونية: "ليس الأمر أسطورة ما دامت لديكم الإرادة!" (15).
الصهيونية والنازية: الأولى مموهة والثانية ليست كذلك
من المستحيل الحديث عن الصهيونية دون الحديث عن إسرائيل، وذلك لأن إسرائيل كدولة تعد نتيجة جهد الحركة الصهيونية. إن تاريخ وحاضر ومستقبل إسرائيل هو عين تاريخ وحاضر ومستقبل الصهيونية، وللوصول إلى تلك النتيجة والإبقاء على المشروع الصهيوني عمدت الحركة الصهيونية مرارا وتكرارا إلى تطوير منهجية متسترة ذات نتائج قصوى. يصف إيلان بابيه عملية التطهير العرقي الكبرى التي ارتكبتها الحركة الصهيونية، عملية الطرد القسري لأكثر من 750.000 فلسطيني وفلسطينية المعروفة بالنكبة كما يلي:
"عندما أنشأت الحركة الصهيونية دولتها القومية لم تخض حربا نجم عنها ‘بصورة مأساوية، لكن لم يكن هناك مفر من ذلك’، طرد "أجزاء" من السكان الفلسطينيين، بل العكس: كان الهدف الرئيسي للحركة تطهير فلسطين بأسرها تطهيرا عرقيا شاملا، باعتبارها البلد الذي أرادت أن تقيم دولتها فيه" (16).
في 15 مايو/أيار 1948 أعلن رئيس المنظمة الصهيونية العالمية دافيد بن غوريون قيام دولة يهودية تدعى إسرائيل، واعتمدت إسرائيل في نفس العام علم ونشيد المنظمة الصهيونية العالمية أمام "مجلس الشعب اليهودي" وهو الهيئة الرئيسية للمهاجرين/ات اليهود/ات في فلسطين، التي كانت تعمل تحت سقف الحركة الصهيونية، وأمام ممثلي الحركة الصهيونية نفسها دشن بن غوريون مرحلة جديدة من المشروع الصهيوني؛ مرحلة الدولة التي تنفذ تطهيرا عرقيا ممنهجا وبطيء الخطى لكنها تُضَمن مفردات الديمقراطية والمساواة والحقوق في خطابها الفكري/الأيديولوجي المتناقض. يقول إيلان بابيه:
"إن هذه الأيديولوجيا لا تزال قوية اليوم، والسبب في ذلك لا يرجع إلى كون المراحل السابقة للتطهير العرقي في فلسطين مرت من دون أن تُلحظ فحسب، بل أيضا وأساسا لأن تمويه الكلمات الذي قامت به الصهيونية كان ناجحا إلى حد ابتكار لغة جديدة غطت على النتائج المدمرة لممارساتها" (17).
تتسم البلاغيات الصهيونية بالتمويه إلى حد بعيد على عكس البلاغيات النازية، وبالإمكان المحاججة بأن النظام النازي كان من القوة بمكان يجعله غير عابيء بأي رد فعل إزاء ما يقوم به، بينما كان النظام الصهيوني ولايزال بحاجة إلى الدعم الدولي. لكن وتيرة الفظاغات التي ترتكبها آلة الحرب الإسرائيلية والمغالاة القومية المستشرية في إسرائيل التي يقع ضحيتها السكان الفلسطينيون الأصليون، بالإضافة إلى الخطاب اللامبالي المشبع بالعنصرية (18) من قبل الجيل الحالي من القادة الصهاينة المولودين في إسرائيل (19) (20)، باتت تزيل التمويه عن الجوهر الصهيوني أكثر فأكثر.
إن أعمال العنف التي يرتكبها نظام إسرائيل الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني على درجة من الهمجية جعلت البروفيسور الإسرائيلي يشعياهو ليبوفيتش يخلص إلى أن حضور العقلية النازية في إسرائيل حقيقة يستحيل تجاهلها، وأن ثمة وجود لمن أسماهم ب"اليهود النازيين" (21). لو قيض لليبوفيتش أن يعيش ليرى استفحال المستوطنات وعنف المستوطنين/ات والجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية والمجازر الإسرائيلية المرتكبة في قطاع غزة والترحيل "الترانسفير" البطيء للفلسطينيين/ات من الأراضي المحتلة عام 1948، لربما كان ليقول إن اليهودية-النازية إحدى سمات نظام إسرائيل الصهيوني.
المنطلقات النازية والصهيونية
في مسعى لتسليط الضوء على المنظور الذي يرى من خلاله كلا النظامين نفسيهما و"الآخر"، يستعرض الكاتب هنا ميثاق الحزب النازي أو ما يعرف ببرنامج النقاط ال25 للحزب النازي، ومن ثم سيستعرض دستور المنظمة الصهيونية العالمية وبعض أهم القوانين والممارسات الإسرائيلية بشكل مقارن لإبراز التماثلات الجوهرية بين النازية والصهيونية.
تنص النقطة الأولى في برنامج النقاط الـ25 للحزب النازي على ما يلي:
"ندعو لوحدة جميع الألمان ضمن ألمانيا واحدة كبرى على أساس حق الشعوب في تقرير المصير" (22).
يماثل ذلك، البند الأول من المادة الثانية من الفصل الأول من دستور المنظمة الصهيونية العالمية الذي ينص على ما يلي:
"تم تحديد البرنامج الصهيوني في المؤتمر الصهيوني الأول في بازل كما يلي: ‘تهدف الصهيونية إلى إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في أرض إسرائيل بما يضمنه القانون العام’" (23).
وينص البند الثاني من نفس المادة على:
"ينص برنامج القدس، كما حدده المجلس الصهيوني العام عام 2004، على أن: ‘الصهيونية هي حركة التحرر الوطني للشعب اليهودي المؤسسة لدولة إسرائيل، وهي ترى أن دولة إسرائيل اليهودية الصهيونية الديمقراطية الآمنة تعبير عن مسؤولية الشعب اليهودي المشتركة حيال استمراريته ومستقبله’" (24).
يشير البند الثاني إلى الأسس الستة للصهيونية، الأساسان الأولان هما:
"وحدة الشعب اليهودي وارتباطه بأرض إسرائيل وطنه التاريخي ومركزية دولة إسرائيل والقدس عاصمتها في حياة الأمة..." (25).
"الهجرة من كل البلادان والدمج الفعال لكل المهاجرين في المجتمع الإسرائيلي" (26).
بناء على ما تقدم يمكن استنتاج الآتي:
• تسعى كل من النازية والصهيونية إلى إقامة كيان، "وحدة جميع الألمان" أو إتحاد في الحالة النازية، و "وحدة الشعب اليهودي" و"هجرة اليهود" في الحالة الصهيونية.
• يلي ذلك مباشرة الحصول على نوع من أنواع الغطاء القانوني. إستخدمت النازية مصطلح "تقرير المصير"، بينما استخدمت الصهيونية مصطلح "القانون العام" في إشارة منها إلى القانون الدولي.
• لم تُحَدَّد حدود الكيانين، فالنازية ترمي إلى "ألمانيا كبرى"، والصهيونية إلى "وطن قومي" غامض في "أرض إسرائيل" المثيرة للجدل، ويعني ذلك أن لدى كل منهما أطماع توسعية.
تفيد النقطة الرابعة من برنامج الحزب النازي بأن:
"أبناء الوطن فقط هم من يمكنهم أن يكونوا مواطنين في الدولة. أبناء الوطن هم فقط أصحاب الدم الجرماني بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية، وبالتالي لا يمكن لأي يهودي أن يكون من أبناء الوطن" (27).
تتسم الصهيونية هنا بالتمويه، لكن نظرة إلى القوانين الإسرائيلية تبين أنها ليست مختلفة في واقع الأمر، فبموجب قانون المواطنة الإسرائيلي لعام 1952 يتم الحصول على الجنسية الإسرائيلية فقط من خلال: العودة والإقامة في إسرائيل وبالميلاد و بالتجنيس. في هذا السياق، تعد العودة والإقامة في إسرائيل جديرتان بالتحليل.
• العودة
في البند الثاني من هذا القانون يتم تفسير "العودة" بما يتفق مع أحكام "قانون العودة". بموجب البند الأول من "قانون العودة":
"يحق لكل يهودي القدوم إلى إسرائيل كمهاجر" (28).
في 1970 تم تعديل القانون بإضافة مادة تعرف كلمة "يهودي" كالتالي:
البند 4-ب: "لغايات هذا القانون يقصد ب "اليهودي" كل من ولد لأم يهودية أو من إعتنق اليهودية ولم ينتم لدين آخر" (29).
البند 4-أ (أ) "تمنح حقوق اليهودي بموجب أحكام هذا القانون، وحقوق المهاجر بموجب أحكام قانون الجنسية 5712-1952 (2) وكذلك حقوق المهاجر بموجب أي تشريع إلى أبناء وأحفاد اليهودي وإلى أزواج أو وزوجات أبناء اليهودي وزوجات أو أزواج أحفاده، باستثناء اليهودي الذي بدل دينه طواعية" (30).
• الإقامة في إسرائيل
تصبح مسألة الإقامة في إسرائيل أوضح عند التمعن في القانونين التاليين؛ قانون الدخول إلى إسرائيل (1950) وقانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل (الأمر المؤقت 2003). بموجب قانون الدخول إلى إسرائيل يمكن دخول إسرائيل فقط بتأشيرة دخول (31). لكن قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل (الأمر المؤقت) ينص على:
"خلال فترة سريان هذا القانون، وبصرف النظر عن أحكام أي قانون بما في ذلك المادة 7 من قانون المواطنة، لا يمنح وزير الداخلية المواطنة لأي مقيم في المناطق وفقا لقانون الدخول إلى إسرائيل، كما لا يمنح قادة المناطق سكان المناطق تصاريح إقامة في إسرائيل عملا بتشريعات شؤون الدفاع في المناطق" (32).
تعرف المادة الأولى من قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل (الأمر المؤقت) "المناطق" على أنها:
"كل من يهودا والسامرة وقطاع غزة" (33).
وتعني "يهودا والسامرة" في المصطلحات الإسرائيلية التوراتية: الضفة الغربية. أما "سكان المناطق" فهم بموجب نفس القانون:
"من يعيشون في المناطق ولكنهم غير مسجلون في ‘سجل سكان المناطق’ ويستثنى من ذلك سكان التجمعات الإسرائيلية في المناطق" (34).
وأصبح تعريف "سكان المناطق" بموجب تعديل عام 2005:
"المسجلون في سجل سكان المناطق ومن يعيشون في المناطق حتى بدون أن يكونوا مسجلين في سجل سكان المناطق، ويستثنى من ذلك سكان المستوطنات الإسرائيلية في المناطق" (35).
ثمة بالإضافة إلى ما تقدم، تعديل مهم لقانون سجل سكان المناطق لعام 1965 متعلق بهذه القضية وينص على أن:
"أ-3
أ- لن يتم تسجيل أي شخص كيهودي من حيث الإنتماء الإثني أو الديني في حال ورود ما يشير أن ذلك الشخص ليس يهوديا وفقا لهذا القانون أو لبيانات السجل أو لوثيقة رسمية، إلا إذا وردت بيانات أو وثائق رسمية تنفي أن الشخص ليس يهوديا، بما يرضي مسؤول السجل، أو إذا ورد حكم تفسيري من محكمة مختصة يفيد بعكس ذلك.
ب- لغايات هذا القانون والتسجيلات والتوثيقات، يقصد ب‘اليهودي’ ما ورد في المادة 4-ب من قانون العودة 5710-1950" (36).
وعليه:
• وضحت النازية بفظاعة أن ذوي الدم الجرماني وحدهم من يحق لهم يكونوا مواطنين، وذكرت بفجاجة أن اليهود (من بين غيرهم من ضحاياها) غير مرغوب فيهم.
• تقول الصهيونية بشكل ضبابي أن اليهود وحدهم من يحق لهم حمل جنسية دولتها (إسرائيل)، وتعتبر فلسطينيين/ات الضفة الغربية وقطاع غزة –الذين/اللواتي طرد أغلبهم/ن تحت إطلاق النار من الأراضي التي احتلها النظام الصهيوني أيضا غير مرغوب فيهم/ن.
• عرفت النازية الألماني بصاحب الدم الجرماني، بينما عرفت الصهيونية اليهودي بأنه المنحدر من أصل يهودي، مع العلم أن اليهود ليسوا شعبا بل منجمعات دينية-ثقافية. وبالتالي تثبت الصهيونية أنها على نفس القدر من التمييز العنصري كالنازية.
• حتى في داخل إسرائيل، ليس الشخص نفسه من ي/تقرر أنه/ا يهودي/ة، إنه النظام من يقرر ذلك. والأمر صحيح مع النظام النازي. تتعمد الصهيونية مع سبق الإصرار والترصد الإمعان في العنصرية من خلال التعديلات المتتالية لقوانينها.
• تكمن الصهيونية في نقل اليهود إلى فلسطين وإقامة دولة يهودية تدعى إسرائيل، وإسرائيل ما فتأت تثبت أنها تتصرف على أساس فكري صهيوني.
خلافا للنازية، تخفي الصهيونية عنصريتها القانونية
تتسم البرامج والتشريعات الصهيونية بالتمويه، فهي تستخدم البراق من المفاهيم الإنسانية كمفردات لها، ومرد ذلك يعود إلى أن الحركة الصهيونية خلال القسم الأكبر من مسيرتها لم تكن بالقوة المادية التي تمتعت بها النازية كما أنها لم تكن راسخة على قطعة من الأرض كحال هذه الأخيرة. وعلى الرغم من إحكام الصهيونية المتجسدة في إسرائيل قبضتها على فلسطين، يلاحظ أنها لا تميل للتعبير عن ذلك صراحة - على الأقل قبل الحكومتين الأخيرتين. إن القومية الإقصائية والعنصرية وكره الإنسان واضحة في الممارسة الصهيونية، لكن نادرا ما يعبر عنها نظرا لحاجة الصهيونية إلى دعم القوى الغربية العظمى. تتمثل إحدى الصفات الأساسية لهذا التمويه في تمثيل دور الضحية وهو ما يعد مركزيا في السردية الصهيونية، علاوة على التضليل وحرف إصابع الإتهام نحو الفلسطينيين/ات. يضاف إلى ذلك المساعي الخبيثة للإستحواذ على مأساة المحرقة، رغم أن العديد من الناجيات/ين من المحرقة ممن يعشن/ون في إسرائيل (37)، يعانين/ون من العوز والتهميش (38).
من الأهمية بمكان تسليط الضوء على حقيقة أن لقوانين دولة إسرائيل اليد العليا على دستور المنظمة الصهيونية العالمية وذلك منذ إعلان قيام دولة إسرائيل في 1948، وذلك أمر طبيعي إذ أن الهدف الرئيسي للمنظمة الصهيونية العالمية بإنشاء دولة إسرائيل قد تحقق، وبالتالي أصبحت إسرائيل منذ 1948 المرجعية الصهيونية بحكم القانون. توضح المواد 1 و2 و4 و6 من قانون "مكانة المنظمة الصهيونية العالمية-الوكالة اليهودية" لعام 1952 هذه المسألة:
المادة 1
"تعتبر دولة إسرائيل نفسها ممثلا للشعب اليهودي بأسره، وأبوابها مفتوحة، بما يتفق مع قوانينها، لكل يهودي يرغب في الهجرة إليها"(39).
المادة 2
"قادت المنظمة الصهيونية العالمية منذ تأسيسها قبل خمسة عقود، حركة الشعب اليهودي وجهوده لتحقيق رؤية الأجيال بالعودة إلى وطنها، واضطلعت بعون من الدوائر والهيئات اليهودية بالدور المركزي في تأسيس دولة إسرائيل"(40).
المادة 4
"تعترف دولة إسرائيل بالمنظمة الصهيونية العالمية كونها الهيئة المخولة بالإستمرار في العمل في دولة اسرائيل على تطوير البلاد واستيطانها واستيعاب الهجرة من الشتات وتنسيق نشاطات المؤسسات والمنظمات اليهودية التي تعمل في هذه المجالات في اسرائيل" (41).
المادة 6
"تعرب دولة إسرائيل عن أملها في أن تبذل المنظمة الصهيونية العالمية جهدا في تحقيق الوحدة بين كل الأطراف اليهودية في العالم، وسيتم منح الهيئة الجامعة الموسعة نفس المكانة التي منحت للمنظمة الصهيونية العالمية بموافقة من الحكومة والكنيست" (42).
إن استخدام المصطلحات الليبرالية والديمقراطية وحقوق الإنسان في كل من دستور المنظمة الصهيونية العالمية والقوانين الإسرائيلية الحالية إما محصور باليهود فقط بموجب قوانين خاصة، أو ملغى لغير اليهود بموجب أحكام أو مواد في نفس القوانين أو بموجب قوانين أخرى. في واقع الأمر ليس كل اليهود/يات على قدم المساواة داخل إسرائيل كما ذكر آنفا.
من المستحيل فصل الأفعال الهمجية الإسرائيلية المرتكبة في حق الشعب الأصلي الفلسطيني عن البنية القانونية الإسرائيلية، فبإلقاء نظرة موضوعية على البنية التشريعية الإسرائيلية يمكن القول إن الفظاعات المرتكبة من قبل إسرائيل تحدث ضمن إطار تشريعي، وإن ذلك الإطار التشريعي ناتج عن المكرسات الفكرية الصهيونية. يضاف إلى ذلك إن الصهيونية منتج يهودي أوروبي، فمراكز النفوذ في إسرائيل (43) تكاد تكون أشكنازية صرفة، لذا فإن عبارة "نظام إسرائيل الصهيوني" خير تعريف ينطبق على دولة إسرائيل كما يرى الكاتب. بعبارة أخرى: كل الفظاعات التي ترتكبها إسرائيل ناتجة عن النسق الفكري الصهيوني، ولتحقيق تطلعات ذلك النسق الفكري لابد من قوة عسكرية.
الجوهر العسكرتاري للنازية والصهيونية
قام الحزب النازي الذي أسس عام 1920 ليخلف حزب العمال الألماني (الذي أسس عام 1918) بتأسيس فصيل إرهابي حمل اسم (فرقة الهجوم Sturmabteilung) قبل أن يتم استيعاب ذلك الفصيل في صفوف "الأس أس" (Schutzstaffel: وحدة الحماية) السيئة الذكر عام 1929. لا مراء في أن العنف والإرهاب متخللان جذريان في ممارسات النازية، سواء كانت ضد الخصوم الداخليين أو الخارجيين كما تبين ذلك الوقائع التاريخية وتوثقه.
في الحالة الصهيونية، تم تشكيل أول مجموعة إرهابية مسلحة في عام 1907 أي بعد مرور عشر سنوات على تأسيس الحركة الصهيونية، وسميت "بار جيئورا" نسبة إلى سيمون بار جيئورا، قائد ما يسمى بـ"ثورة اليهود ضد الرومان". بعد ذلك بعامين تم استيعاب "بار جيئورا" في صفوف منظمة "هاشومير" الإرهابية (هاشومير השומר: الحارس). كان شعار منظمة هاشومير يحمل العبارة التالية: "בדם ואש יהודה נפלה, בדם ואש יהודה תקום: بالدم والنار سقطت يهودا وبالدم والنار ستنهض". حلت بعد ذلك منظمة "الهاجاناه" (هاجاناه: הגנה الدفاع) محل منظمة هاشومير لتصبح أكبر منظمة إرهابية في فلسطين منذ 1920 (44) ولاحقا المكون الرئيسي لجيش الدولة الصهيونية. إرتكبت الهاجاناه ومنظمات إرهابية صهيونية أخرى (إيتسل وليحي) قائمة طويلة من المجازر في حق الشعب الفلسطيني، كما وهجرت 750.000 فلسطيني وفلسطينية تحت إطلاق النار. يصف آلن كونينجهام المفوض البريطاني السامي في فلسطين إحتفالات أعضاء المنظمات الصهيونية الإرهابية ب"انتصاراتهم" على المدنيين/ات الفلسطينيين/ات العزل، بأنها تشبه احتفالات النازيين (45).
لا تجد الوكالة اليهودية لإسرائيل غضاضة في أن تعلن على الملأ عبر موقعها الإلكتروني أن الجيش هو المكان الذي تصنع فيه الشخصية الإسرائيلية: "ينظر إلى الجيش الإسرائيلي بشكل عام على أنه ‘بَنَّاء الأمة’ أي مدرسة الوحدة والهوية القومية" (46).
بدوره استمر الجيش الإسرائيلي في القيام بهام المنظمات الصهيونية الإرهابية التي سلفته بل وعمل على توسيعها، يورد جوناثان كابلان لواء "ناحال" كنموذج: "بواسطة ‘ناحال’ (وهي اختصار بالعبرية ل: الشبيبة الطليعية المقاتلة)، قام الجيش في المناطق النائية والحدودية بإنشاء مستوطنات عسكرية جمعت بين الزارعة والدفاع المحلي، وعادة ما كانت تُنشئ تلك المستوطنات وتُشرف عليها مجموعات شبابية صهيونية تكون قد أمضت وقتا في كيبوتس أقدم عهدا، قبل أن تمضي إلى بؤر جديدة. وبعد مضي فترة تمهيدية يتم تسليم تلك البؤر إلى مجموعات مدنية فتصبح غالبا كيبوتسات أو موشافات (47). لقد قام ناحال بإنشاء العديد من المستوطنات الإسرائيلية في وادي الأردن ووادي عربة...وقد قام جيش الدفاع بدور نشط في تعليم المهاجرين الجدد، لاسيما في تعليم اللغة العبرية، إذ يتم إرسال معلمين من الجيش إلى مراكز استيعاب المهاجرين والمدارس الميدانية والمؤسسات التعليمية الأخرى. ويجمع برنامج الجيش الخاص بالمراهقين من أوساط محرومة بين الحصص التعليمية والعمل في أي قاعدة عسكرية. وينبغي التشديد على أن هذه البرامج ليست معدة للجنود، بل للقطاعات المهمشة في المجتمع الإسرائيلي" (48).
كما هو حال النازية، ليست العسكرية مجرد أداة لإخضاع "الآخر" ولخلق صورة للذات المتفوقة، بل هي مكون جوهري للكيان والهوية.
الجسور الرابطة بين "الإخوة"
أقام النظام النازي صلات وثيقة مع نظام موسوليني الفاشي في إيطاليا ونظام فرانكو الفاشي في إسبانيا، إذ أسهم التقارب الفكري في تسهيل التعاون والقبول المتبادل بين تلك الأنظمة، علاوة على وجود مصالح مشتركة بينها. ينطبق الأمر كذلك على وضع نظام إسرائيل الصهيوني الذي حافظ على علاقات متينة مع نظام الفصل العنصري البائد (الأبارتهايد) في جنوب أفريقيا حتى آخر يوم في عمر هذا الأخير، وينطبق الأمر كذلك على الصفقة الآثمة التي أبرمها الصهاينة مع النازيين لإعطاء دفعة قوية لإقتصاديهما.
جمعت بين النازية والصهيونية مصلحة مشتركة دفعتهما في عام 1933 إلى توقيع "إتفاق النقل" أو (الهاعفاراه: העברה: النقل). سعى النظام النازي حينها إلى كسر طوق المقاطعة اليهودية للمنتجات الألمانية في بريطانيا والولايات المتحدة حيث هاجرت غالبية اليهود الأغنياء، وإلى طرد اليهود الألمان واستجلاب منفعة اقتصادية، بينما سعت الصهيونية إلى جلب أكبر عدد ممكن من اليهود إلى فلسطين وإلى تعزيز قاعدتها المادية والإقتصادية.
يشرح إدوين بلاك في مقابلة أجريت معه بمناسبة مرور 25 عاما على نشر كتابه: ( The Transfer Agreement: The Dramatic Story of the Pact Between the Third Reich and Jewish Palestine ) "إتفاق النقل: القصة الدرامية للإتفاق المبرم بين الرايخ الثالث وفلسطين اليهودية"، إتفاق النقل كما يلي: "نسج الألمان والصهاينة الفكرة على النحو الآتي؛ تُباع البضائع الألمانية، وعند بيعها يتم الحصول على المال. ضمن تلك الترتيبات المعقدة يقوم اليهودي الموجود في ألمانيا بإيداع ما لديه من أصول وممتلكات منزلية في مصرف خاص أطلق عليه اسم "بالترو" (PALTREU)، مقابل هذا المصرف تم إنشاء مصرف آخر في فلسطين أطلق عليه اسم "المصرف الأنجلو-فلسطيني" (Anglo-Palestine). ما إن يتم إيداع الأموال في المصرف الألماني، تحصل المنظمة الصهيونية على بضائع ألمانية وتقوم ببيعها في الشرق الأوسط خاصة في فلسطين. بعد بيع تلك البضائع يتم إيداع عوائدها النقدية في المصرف الأنجلو-فلسطيني الذي يقوم بدوره بتقديم الأموال لليهود من أجل الإلتفاف على القيود المالية التي وضعها البريطانيون على قدوم اليهود إلى فلسطين. تمكن النازيون من خلال هذه العملية من إعادة بناء اقتصادهم وكسر طوق المقاطعة المفروض على منتجاتهم، إذ إنه من المستحيل نقل اليهود إلى فلسطين بالتزامن مع بيع منتجات ألمانية ومقاطعة تلك المنتجات في نفس الوقت. بموازاة ذلك تم إنشاء البنى التحتية لفلسطين اليهودية؛ فكانت الأنابيب الناقلة ومصانع الجعة والبيوت والسيارات والحافلات جميعها ألمانية الصنع، وقد أثار استغرابي وجود الكثير من منتجات مرسيدس-بنز عند زيارتي لإسرائيل أول مرة" (49).
وهكذا استفادت النازية من طرد اليهود، بينما استفادت الصهيونية من ذلك بالإستثمار في "شعب" دولتها المستقبلية وفي بناها التحتية. أسدت هذه العملية التي أنتجت أموالا ومهاجرين/ات يهود/يات خدمة للصهيونية، بخلقها واقعا جديدا في فلسطين من خلال فرض المزيد من الهجرة اليهودية وتحويل اقتصاد فلسطين الزراعي إلى اقتصاد صناعي يسيطر عليه الصهاينة:
يصف غسان كنفاني عملية التحول هذه على النحو الآتي: "...إن الهجرة كانت، في الوقت الذي تحرص فيه على تأمين تمركز رأسمالي يهودي في فلسطين يهيمن على عملية تحول الإقتصاد ‘الفلسطيني’ من اقتصاد زراعي إلى اقتصاد صناعي، فإنها كانت تحرص أيضا على تزويد هذا التحول ببروليتاريا يهودية، وكان لهذا السلوك، الذي أعطى نفسه شعار’اليد العاملة اليهودية فقط’ نتائج خطيرة، إذ أنه ساق بسرعة لا مثيل لها نحو بروز الفاشية في مجتمع المستوطنين اليهود" (50).
تجدر الإشارة إلى أن البروليتاريا التي ذكرها كنفاني لم تكن بشكل عام مكونة من المهاجرين/ات اليهود/يات الألمان/يات، بل من مهاجرين/ات من الإمبراطورية الروسية السابقة.
قليلون هم اليهود الذين كان لديهم ما يكفي من الأصول لتغطية مبلغ الألف جنيه المطلوب من قبل السلطات الإنتدابية البريطانية، للسماح لهم بالقدوم إلى فلسطين ك "مهاجرين رأسماليين" (51). في الواقع لم تكن السلطات البريطانية راغبة في منع تدفق الهجرة اليهودية إلى فلسطين، بل كانت ترغب بالأحرى في تنظيمها وحسب.
كانت الحركة الصهيونية في تلك الفترة بحاجة ماسة إلى موارد مالية وإلى قاعدة مادية من أجل إستمرارية مشروعها في فلسطين، وجاء إتفاق "الهاعفاراه" مفيدا لتحقيق تلك الغاية، لذا وضعت القيادة الصهيونية نفسها بكل تعاملية براغماتية تحت إمرة القتلة النازيين من أجل جلب بعض اليهود إلى فلسطين، دون إلقاء بال إلى الفقراء من اليهود الذين لا يمتلكون الحد الأدنى من المال المطلوب من قبل السلطات الإنتدابية البريطانية في فلسطين.
لم يكن لدى الصهيونية أي مشكلة في عقد الأواصر مع النظام النازي طالما كان ذلك يعني أن بقية اليهود الألمان – أو جزء كبير منهم - ستصبح يد عاملة ماهرة تستطيع دفع تكاليف الرحلة نحو بلد قيد الإستعمار والتطهير العرقي. إن ذلك الخيار غير أخلاقي البتة حتى لو كان رأي السيد بلاك مغايرا كما صرح في المقابلة التي أجريت معه بمناسبة مرور 25 عاما على كتابه الآنف الذكر: "إنها صفقة مع الشيطان، لا مع الملائكة، إنها صفقة مع من يريدون قتلك. لذا فإنهم ]الصهاينة[ عندما ينقذون يهوديا، يكونون بذلك مساهمين في دفع عجلة الإقتصاد النازي، ليس ذلك فحسب؛ فثمة اتجاهات أخرى لم أكتب عنها قط. غير أن اليهود كانوا مرغمين على إنقاذ اليهود بهذه الطريقة. لقد كان خيارا فظيعا ألقي على كاهل الصهاينة، لكنك لا تلوم الرهينة عندما يكون المسدس مصوبا نحو رأسها" (52).
لعل إحدى الإتجاهات التي لم يكتب عنها السيد بلاك، تتلخص في قول دافيد بن غورين: "لو علمت أنه من الممكن إنقاذ كل الأطفال اليهود في ألمانيا من خلال نقلهم إلى إنجلترا، وأنه يمكن إنقاذ نصفهم فقط من خلال نقلهم إلى أرض إسرائيل، لكنت اخترت الأمر الثاني، إذ أنه لا تمثل أمامنا فقط مسألة عدد أولئك الأطفال، بل مسألة الإعتراف التاريخي بشعب إسرائيل" (53).
الصهيونية والتشريعات الدولية
بفضل منجزات حركات التحرر في جميع أنحاء العالم بعد الحرب العالمية الثانية، وبفضل توازن القوى بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي السابق، كانت الظروف الدولية أكثر مواءمة لوضع الصهيونية بكل رسمي في الخانة الملائمة لها. في قرارها رقم 3379 "القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري" إعتبرت الجمعية العامة للأمم المتحدة الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية والتمييز العنصري (54).
إستند القرار الذي تم اعتماده عام 1975 على سلسلة من إعلانات وقرارات الأمم المتحدة نفسها وعلى حقائق تاريخية أيضا. يشير قرار 3379 إلى الإعلان رقم 1904 "القضاء على كافة أشكال التمييز العنصري" الذي ينص على أن "مظاهر التمييز العنصري لا تزال ملحوظة في بعض مناطق العالم، وبعضها مفروض من بعض الحكومات بواسطة تدابير تشريعية وإدارية أو غيرها" (55). وهو ما ينطبق على إسرائيل كما تم شرحه سابقا.
يشير نفس القرار "القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري" إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3151 G (XXVIII) المؤرخ في 14 ديسمبر/كانون أول 1973 الذي فيه "تدين الجمعية العامة، من بين حملة من الأمور، التحالف الآثم بين العنصرية في أفريقيا الجنوبية والصهيونية" (56). تستند هذه الفقرة إلى حقيقة تاريخية.
أما إعلان مكسيكو بشأن مساواة المرأة ومساهمتها في الإنماء والسلم 1975، الذي اعتمده المؤتمر العالمي للسنة الدولية للمرأة، فنجده حاضرا في هذا القرار، وينص المبدأ ال 24 للإعلان على:
"إن التعاون والسلام الدوليين يتطلبان تحقيق التحرر والاستقلال الوطنيين، وإزالة الاستعمار والاستعمار الجديد والاحتلال الأجنبي والصهيونية والفصل العنصري والتمييز العنصري بأشكالها كافة، بالإضافة إلى الاعتراف بكرامة الشعوب وحقها في تقرير مصيرها" (57).
يستند 3379 قرار "القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري" أيضا إلى إعلانات وقرارات أممية، وعلى الرغم من أن ذلك لم يفض إلى تدابير ملموسة تعاقب دولة إسرائيل الصهيونية العنصرية، إلا أن مجرد وجود تلك القرارات والإعلانات إنجاز على الصعيد المعنوي على أقل تقدير.
في عام 1991 تم إلغاء حكم القرار 3379 المتعلق بالصهيونية، عندما أمسى الإتحاد السوفياتي خاويا على عروشه، قبل 9 أيام على إختفائه من على الخريطة. أدى انهيار الإتحاد السوفياتي والتفكير العقيم للقيادة اللسطينية وخيانتها لنضال شعبها إلى خلق مناخ موات لمناورة صهيونية ذكية، إذ اشترطت إسرائيل إلغاء القرار رقم 3379 مقابل مشاركتها في مؤتمر مدريد للسلام.
في 16 ديسمبر/كانون أول 1991 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 86/46 بنص لا يتجاوز السطر الواحد وبدون أي مبررات قانونية، على الرغم من أن الأساس القانوني للحكم الملغى لا يزال نافذا ومقرا به من قبل الأمم المتحدة نفسها: "إن الجمعية العامة تقرر إلغاء الحكم الوارد في قرارها 3379(د-30) المؤرخ في 10 تشرين الثاني/نوفمير 1975" (58).
خاتمة
نشأت النازية والصهيونية من نفس الحاضنة، وبرهنت الأفعال المرتبطة بكلا النسقين الفكريين المؤمنين بتفوق مجموعة من البشر على غيرها، عن عنف وعنصرية. يعلم الناس أن "النازية" ليست مرادفة لـ"الألمانية"، لكن الدعاية الصهيونية تضلل الناس بربطها بين "الصهيونية" و "اليهودية". لقد ساعدت، حقيقة كون اليهود ضحايا –من بين غيرهم من الناس- للهمجية والإضطهاد النازيين، الصهاينة على النجاح في نشر مغالطاتهم، وخلق هالة تحريمية حول التساؤل بشأن الصهيونية ومحاكمتها منطقيا.
تتشابه النازية والصهيونية موضوعيا من حيث القمع والإحتلال وازدراء الحياة البشرية. إن ما تقوم به الصهيونية ليس مجرد حالة من "التماهي مع المعتدي"، بل بالأحرى عنصرية عدوانية متأصلة من نفس نوع ما كانت النازية عليه، ولكن بدرجة أقل وفي فضاء محدود. ليس فقط من أجل الإنعتاق الحقيقي للفلسطينيين ولليهود أنفسهم، بل من أجل الحقيقة والسلام العادل والعيش المشترك على هذه الأرض لابد من إدانة الصهيونية والقضاء عليها، بأمل ألا يكلف ذلك البشرية ما كلفها للقضاء على الوحش النازي.
المراجع
1- Itamar Eichner and Eli Senyor. “Cabinet approves tougher punishments for throwing stones, firebombs” Ynetnews, September 24, 2015. Accessed July 30, 2016.
2- “Security Cabinet Statement” Prime Minister’s Office, accessed July 30, 2016.
3- Chaim Levinson, “IDF Training Israeli Settlers Ahead of 'Mass Disorder' Expected in September” Haaretz, August 30, 2011. Accessed July 30, 2016.
4- Nigle Wilson, “Israel's gun policy: A licence to kill Palestinians” Aljazeera, November 19, 2015. Accessed July 30, 2016.
5- “APARTHEID ROADS” (Ramallah: 2008), accessed July 30, 2016.
6- “TYPOLOGIES OF SEGREGATION”. Visualizing Palestine. March 2012, accessed July 30, 2016.
7- “HUMAN SHIELDS” Breaking the Silence, accessed July 30, 2016,.
8- “PALESTINIAN CHILDREN BEING USED AS HUMAN SHIELDS” Defence for Children International Palestine, accessed July 30, 2016,
9- “TORTURE OF PALESTINIAN POLITICAL PRISONERS IN ISRAELI PRISONS” (October 2003), accessed July 30, 2016. 68.
10- “SOLITARY CONFINEMENT OF PRISONERS AND DETAINEES IN ISRAELI PRISONS” (March 2016), accessed August 03, 2016. 27.
11- يقصد بها الجمهورية التي حلت محل الإمبراطورية الألمانية المهزومة في الحرب العالمية الثانية، وقد أعلنت الجمهورية عام 1919 في مدينة فايمار واستمرت حتى عام 1933. الكاتب.
12- Yakov Rabkin, A Threat from Within: A Century of Jewish Opposition to Zionism (London and New York: Zed Books, 2006), 28. إقتباس ترجمه الكاتب.
13- “ZIONISM differs from other national Liberation movements: Zionism: The National Liberation Movement of The Jewish People” World Zionist Organization, accessed July 30, 2016. إقتباس ترجمه الكاتب.
14- Zeev Sternell,The Founding Myths of Israel: Nationalism, Socialism, and the Making of the Jewish State, trans. David Maisel (Princton: Princton University Press, 2009), 1 إقتباس ترجمه الكاتب.
15- شعار على غلاف رواية الأرض الجديدة القديمة، ثيودور هرتسل (لايبزيغ: سيمان ناخفولجر، 1902) الغلاف.
16- إيلان بابيه، التطهير العرقي في فلسطين (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، الطبعة الأولى، 2007، ترجمة: أحمد خليفة) ص6، .7
17- المرجع نفسه، ص 289.
18- Elisha Ben Kimon, Telem Yahav, and Kobi Nachshoni. “IDF's chief rabbi-to-be permits raping women in wartime” Ynetnews, July 12, 2016. Accessed July 30, 2016.
19- قناة Times of Israel على اليوتيوب. “PM: Swedish FM’s remarks on response to Palestinian attackers are outrageous”. نشر في ياناير/كانون ثاني 2016،رابط المقطع المصور، الدقيقة 00:48.
20- Barak Ravid and Gili Cohen, “Israeli Defense Ministry Slams Obama: Iran Deal as Harmful as Munich Agreement With Hitler” Haaretz, Aug 05, 2016. Accessed Aug 16, 2016.
21- قناة boycott apartheid على اليوتيوب،“Prof. Leibowitz: There are Judeo-Nazis. Israel Represents the Darkness of a State Body”.، نشر في ياناير/كانون ثاني 2014. رابط المقطع المصور، الدقيقة 04:06.
22- “Platform of the National-Socialist German Workers’ Party 1933” Jewish Virtual Library, accessed July 30, 2016. إقتباس ترجمه الكاتب.
23- "دستور المنظمة الصهيونية العالمية والأنظمة الخاصة بتنفيذه" (القدس 2015). إقتباس ترجمه الكاتب.
24- المرجع نفسه.
25- المرجع نفسه.
26- المرجع نفسه.
27- “Platform of the National-Socialist German Workers’ Party 1933” Jewish Virtual Library, accessed July 30, 2016. إقتباس ترجمه الكاتب.
28- “LAW OF RETURN (AMENDMENT NO. 2) LAW, 5730—1970” Israel Law Resource Center, accessed July 30, 2016. إقتباس ترجمه الكاتب.
29- “ENTRY INTO ISRAEL LAW 5712-1952”Israel Law Resource Center, accessed July 30, 2016 . إقتباس ترجمه الكاتب.
30- “NATIONALITY AND ENTRY INTO ISRAEL (TEMPORARY ORDER) LAW, 5763-2003” Israel Law Resource Center, accessed July 30, 2016 . إقتباس ترجمه الكاتب.
31- المرجع نفسه.
32- المرجع نفسه.
33- “NOTES (FROM ADALAH) ON THE AMENDMENT (27.7.2005) OF THE NATIONALITY AND ENTRY INTO ISRAEL LAW, 5763—2003” Israel Law Resource Center, accessed July 30, 2016, إقتباس ترجمه الكاتب.
34- “LAW OF RETURN (AMENDMENT NO. 2) LAW, 5730—1970” Israel Law Resource Center, accessed July 30, 2016, . إقتباس ترجمه الكاتب.
35- “NATIONALITY LAW, 5712-1952” Israel Law Resource Center, accessed July 30, 2016. إقتباس ترجمه الكاتب.
36- “LAW OF RETURN (AMENDMENT NO. 2) LAW, 5730—1970” Israel Law Resource Center, accessed July 30, 2016, . إقتباس ترجمه الكاتب.
37- Ynet reporters, “Over 45,000 Holocaust survivors living in poverty in Israel” Ynetnews, April 14, 2015. Accessed July 30, 2016. . إقتباس ترجمه الكاتب.
38- Raf Sanchez, “Tens of thousands of Israeli Holocaust survivors are living in abject poverty” The Telegraph, January 27, 2016. Accessed July 30, 2016.
39- “WORLD ZIONIST ORGANISATION - JEWISH AGENCY (STATUS) LAW, 5713-1952” Israel Law Resource Center, accessed July 30, 2016, . . إقتباس ترجمه الكاتب.
40- المرجع نفسه.
41- المرجع نفسه.
42- المرجع نفسه.
43- Haviv Rettig Gur, “Study finds huge wage gap between Ashkenazim, Mizrahim” Times of Israel, January 29, 2014. Accessed July 30, 2016.
44- Uri Ben-Eliezer, The Making of Israeli Militarism (Bloomington : Indiana University Press, 1998), 178
45- “Newly-released UK documents speak of Zionist Nazis, terrorists and savages”. Redress Information & Analysis, April 27, 2013, accessed July 30, 2016.
46- Jonathan Kaplan, “The role of the Military in Israel” The Jewish Agency for Israel, last modified April 27, 2015, accessed July 30, 2016, . إقتباس ترجمه الكاتب.
47- تعني "كيبوتس: קיבוץ " بالعبرية مزرعة تعاونية وهي مستوطنة طابع الملكية فيها عام إذ يملك جميع سكان الكيبوتس الأرض ويتقاسمون الدخل، أما "الموشاف מוֹשָׁב" فتعني مستعمرة عمالية، وهي مستوطنة تتم إدارتها بشكل جماعي لكن الملكية فيها خاصة تختلف من شخص لآخر كما ونوعا. (الكاتب).
48- المرجع نفسه.
49- قناة The Auto Channel على اليوتيوب، Edwin Black: 25th Anniversary of Transfer Agreement Pt.1، نشر في فبراير/شباط 2010. رابط المقطع المصور، الدقيقة 10:46. المقطع ترجمه الكاتب.
50- غسان كنفاني، ثورة 1936-1939 في فلسطين (غزة: منشورات مركز الدراسات الفلسطينية، الطبعة الثانية، 2004) ص 8.
51- Ludwig Pinner “Haavara”. Jewish Virtual Library, 2008, accessed July 30, 2016.
52- قناة The Auto Channel على اليوتيوب، Edwin Black: 25th Anniversary of Transfer Agreement Pt.1، نشر في فبراير/شباط 2010. رابط المقطع المصور، الدقيقة 06:36. المقطع ترجمه الكاتب.
53- Shabtai Teveth, Ben-Gurion: The burning ground, 1886-1948 (Boston: Houghton Mifflin, 1987), 171-2.. إقتباس ترجمه الكاتب.
54- قرار الجمعية العامة 3379 (XXX)، القضاء على كافة أشكال التمييز العنصري، A/RES/3379 (XXX) (10 نوفمبر/تشرين ثاني 1975).
55- المرجع نفسه.
56- المرجع نفسه.
57- "تقرير المؤتمر العالمي للسنة الدولية للمرأة مكسيكو 1975". إقتباس ترجمه الكاتب.
58- قرار الجمعية العامة 86/46، القضاء على العنصرية والتمييز العنصري، A/RES/46/86 16 ديسمبر/كانون أول 1991.