عصير اللوز هو مَرامهم

جزء من تأريخ لمدينة القدس عبر قصص يتذكرها أهلها، تروي كل حجر وكل زقاق، وتروي أساليب السلب والاستيلاء الممارسة من قبل اسرائيل.
2018-06-26

امتياز دياب

كاتبة من فلسطين


شارك
كمال بلاطة - فلسطين

"ما من أحد جاء الى القدس إلا وفي نيته ان يأخذ منها، لكن يبدو أن في نية آخر الزائرين أخذها تماماً، ليس أخذها.. وإنما تحويلها الى شيء آخر، شكرا لله الذي أخذ نظري وعماني منذ عامين، كي لا أرى أكثر مما رأيت".

هكذا بدأ عبد الله توفيق البديري حديثه معي وهكذا أنهاه. التقيت عبد الله البديري في بيته المحاذي تماماً للأقصى، والمشرف كلياً على الصخرة، بحيث يمكن للمرء ان يتمشى على سطح مكتبة البديري، فيخيل اليه بأنه يحتضن الصخرة، وبامكان المرء أيضاً ان يتخيل بانه يضع خده على القبة ويريح رأسه عليها.

التقيتُ البديري في أواسط شهر رمضان. كانت الحرارة لا تطاق، ويقال بانه لم يسبق لها ان وصلت الى هذه الدرجة المرتفعة في القدس طوال تاريخها.

ما ان أخرجت قدماي من الباص المجهز بالتكييف وشعرت بأن ناراً قد اوقدت فيهما، حتى عدت بكتفي نحو الداخل، لكن سائر الركاب دفعوا بي خارجاً بالقوة وسط لهيب محمل بالغبار والضجيج. لم يكن هناك الشيء الذي يسمى فراغاً لكي أضع قدماي اللتان انتعلتا صندلاً من صناعة الخليل.

لم يقل لي ابو جودت بأن صنادل الخليل لن تحميني من الاصابات، بل ركز على انها صنعت من الجلد الأصلي. ولكي يثبت لي ذلك، أشعل "بابور" البريموس (الموقد الذي يستخدم الكاز) ووضع الصندل عليه. وفعلاً لم يحترق. نظر إلي أبو جودت مستمتعاً بدهشتي، وأضاف "هذا الصندل أبداً لن يحترق، وأبداً لن يبلى"، وعندما لفه بجريدة القدس القديمة، قال: "القدس راح تبلى قبل منه، لكن ما تخافيش ما دام أهل الخليل موجودين هون عمرها ما بتروح القدس".

كان عليّ أن استعمل خبرة لم اكتسبها بعد للمرور في أروقة صنعتها الباصات المتراصة والهادرة بانتظار ركاب جدد للعودة بهم الى قراهم المجاورة للقدس. تحالف زعيق دوي زمامير الباصات مع صراخ الباعة الذين نشروا بضاعتهم على طريق نابلس الموصل الى باب العامود، ومع دقات قلبي التي تسارعت، فتشكلت أداة لا مثيل لها لتحويل الإنسان الى أصم.

ساعة وينطلق آذان الظهر. السير لعشر دقائق هي المدة الطبيعية للوصول الى الحرم الشريف قبل الصلاة، لكن على المصلي اليوم أن يتخبط في أمواج البشر لمدة ساعة (في أحسن الأحوال) قبل ان يصل الى بيت الله، أما الخبراء في البلد منهم، فقد وصلوا تحسباً قبل ساعتين.

مررت كالراقصة فوق بسطات الكتب والأواني المطبخية الملونة، ومررت بين بسطات الكعك المسمسم، وأخرى للهواتف المحمولة وآلاف.. آلاف الأصناف من الطعام والفواكه والصحف...

عند الوصول الى شارع الزاهرة الذي يتوجب الانتظار لقطعه عرضاً ثم النزول على درجات للولوج من قنطرة باب العامود الى البلد القديمة.. هنا بالذات كان عليّ الانتظار لمدة ربع ساعة لكي أجد مكاناً لي في فتحة بين حاجزين من الحديد يفصلان الرصيف عن الشارع. فشلت في المرة الأولى ثم الثانية، وفي الثالثة وجدت أنه من الأسلم الاحتماء بظهر رجل عريض وضخم لكي أتلافى دوس الأقدام على قدماي شبه العاريتين الا من كف جلدي كلما حفّ بالأرض أثار غبارا أسودا بلون الدخان المنبعث من السيارات المنتظرة لسيل بشري لن يتوقف عن التدفق.

بادرتْ شيماء القول إن هذه المدينة ستتحول الى حطام خلال عقد إذا لم يجدوا حلولاً سريعة لهذه الأزمة. تصوّري كم قرن عاشت هذه المدينة، وأمام كم غزو صمدت؟ وقارنيها بعدد السنوات تحت الاحتلال الاسرائيلي، ستجدين الخراب الذي أصابها وأصاب معمارها وآثارها في هذه الفترة القصيرة أكثر عشرات المرات مما أصابها على مر العصور!

لم ينتهِ الجهاد بعد، بل بدأ عند وصولي قنطرة باب العامود التي التحمت تحتها أكتاف آلاف البشر، وحشرت كتفي بينها، ثم ركبتها كما يُركب الموج، ولكن ما ان غاب كتفي عن نظري حتى لفظني الموج بين بسطتي كعك وألعاب أطفال، غرق صاحبيهما في الضحك للمشهد. عاودت الكرة حانقة من ضحكهما، فدفعت بنفسي نحو الموج بقوة هذه المرة، لكنه قذفني فوجدت نفسي اتراجع مع بعض الأجساد ثلاثة أمتار نحو الدرجات، فما كان لي الا ان أجلس على احداها لالتقط انفاسي، ولاضع خطة للنفاذ الى البلد القديمة.

كانت خطتي في منتهى الاستسلام، وهي ان انتظر الى ما بعد الصلاة. فجلست استمع الى جوقة زعيق الباصات وأصحاب الباصات، وأنا اتمنى الصمم.

قرعت جرس باب البديري وأنا لا أدري كيف سأفسر لشيماء، ابنته، سبب تأخري، وهي التي أكدت لي ان ربع ساعة تأخير عن موعد والدها يعني الغاء الموعد نهائيا.

بادرت شيماء القول بأن هذه المدينة ستتحول الى حطام خلال عقد من الزمان إذا لم يجدوا حلولا وسريعة لهذه الأزمة. تصوري كم قرن من الزمان عاشت هذه المدينة، وأمام كم غزو صمدت؟ وقارنيها بعدد السنوات تحت الاحتلال الاسرائيلي، ستجدين الخراب الذي أصابها وأصاب معمارها وآثارها في هذه الفترة القصيرة، أكثر عشرات المرات مما أصابها على مر العصور! ماذا يقول لك ذلك؟

عندما صافحت عبد الله البديري ولاحظت بأنه لا يراني، ولاحظ هو ارتباكي، ولا أدري كيف، قال:"ريحني العمى من رؤية عراضات الزعماء على التلفزيون، مسكين التلفزيون كان يضل مبلول من بصقي عليه، ارتاح مني".

"حمام العين هو عيَنة يا بنتي من القدس، هو رمز الاستيطان والانهيار والاهمال، انا بالنسبة لي حمام العين رمز لانه اثناء حرب 1948 استعملت مصاطب الحمام مكاناً للقيادة، تشكلت لجنة القدس، ومن هناك كانت تطلع المناشير".

سألني عبد الله "لماذا لا توثق القدس كلها، لماذا لا تُحكى قصص كل زاوية في القدس؟ بما انه وفي جميع الأحوال البلد رايحة، على الأقل تترك هذه الذاكرة الحية للأجيال القادمة؟". ثم أرخى بقايا اهداب وهمس" قال الله لا يفلح الخائن حين أتى"، ثم فتح عيناه وكأنه يراني فذعرت، وقال"العرب اصحاب حق لكنهم خانوا حقهم، اليهود أصحاب باطل، لكنهم أخلصوا لباطلهم، الانسان لما يخون حقه فهو بالتالي يخون وجوده".

"سقطت القدس في ثلاثة أيام، وسقط كل شيء فيها بيد اليهود، حمام العين سقط معها، حمام العين كان برلمان لحل المشاكل، لعقد الصلح بين الناس بعد صلاة الجمعة، كان حمام العين مخزن للأسلحة، كان مكان للقاء الوجهاء في اللحظات الحرجة، وحمام في الأيام العادية.

كنت مع حازم محمود عزيز الخالدي في دورة عسكرية، وكان عبد الله التل من الأردن. وكان في دورة لليهود، لاحظنا مستوى التدريب للعرب ومستوى التدريب لليهود، نحن العرب كان تدريبنا على الركض، تدريب اليهود على استعمال الأسلحة القتالية".

سكت عبد الله، فجأه شد انتباهي الصمت الذي خيم في غرفة سمك جدرانها يزيد على المتر، نظرت الى السقف الذي أخذ شكل الأقواس التي يرتكز عليها، ولما لاحظ بأنني لن أوجه إليه سؤالا قال كالحالم:
"دار نسيبة أصلهم من الأنصار، والرسول يقول الناس أمناء على انسابهم. دار نسيبة معهم مفاتيح القيامة وأنجبوا رجال، دار الخالدي معروفين، الحسيني، النشاشيبية، والشهابي، هذا الحمام مقر القيادة وقت الضيق، لماذا لا تُحكى القصة بكاملها؟".

سألته لماذا لم يذكر البديري؟

أجاب وهو يبحث عن شيء يمسكه بيده "نحن أتينا من مراكش في المغرب لمحاربة نابليون، جدي كان كان مع جماعة الجزار، جدي من المجموعة التي طهرت مصر من الفرنسيين، اسمه الشيخ محمد بدير الشهير، كافأه السلطان محمود على عمله في الجيش ومنحه قرية قزازة، ليس بعيداً عن مدينة الرملة في عام 1839".

التفت عبد الله نحوي وقال لي باللغة الانجليزية you are a green horn (أي أنت قرن أخضر، اشارة منه الى جهلي بتاريخ عائلات القدس). ثم تابع: "لما تمرد محمد علي باشا وبعث ابنه ابراهيم يحارب السلطان، جدي كان يحارب ابراهيم، وأخذوه أسيراً، لكن جاءه العفو وزوجه محمد علي الى فتاة مصرية من عائلة ضيف، وعاد بها الى اسطنبول، وعندها اهداه السلطان قرية قزازة وأنا رأيت الفرمان، الفرمان كان موجود بحوزة خليل البديري".

سكت عبد الله البديري وكأنه نسي انني موجودة، وجاء صوت آذان العصر من جهة الحرم، جاء متسرباً من النافذة، غرق عبد الله البديري في صمته، ومال باذنه نحو النافذة، تمتم بالشكر على نعمته. جلس في داخلي شيء من الخشية، وحرصت بأن لا تزعجه أنفاسي.

ثم دون مقدمات. قال:" قال الرسول لمعاذ ابن جبل، ليفتحن عليكم الشام من العريش الى الفرات، فمن سكن في ساحل من سواحل أو في بيت المقدس فهو في جهادٍ الى يوم القيامة".

وقف جنود عند البوابة، وعندما سألته لماذا الجنود؟ قال "عشان هون باب الكوتيل يعني حائط المبكى، بعدما تعبري من البوابة توجد ساحة المبكى. هيّ ما كانت ساحة، هذه كانت معمّرة بالبيوت، كلها تهدمت عشان يعملوا الساحة، من هون ممنوع يعبروا العرب، بس أجانب ويهود، العرب عملوا لهم طريق التفافية كلها درج وسلالم، روحك بتطلع لتخلصي اللفة".

قلتُ لعبد الله البديري بأن هناك ما يشبه اللجنة الأهلية للدفاع عن مقبرة ماميلا، وهذه بداية للدفاع عن مواقع ولمّ الناس حول هذه المواقع، واضفت بعد تردد "وربما كتاب حمام العين هو باكورة توثيق قصص البلدة القديمة في القدس"، وهناك بالفعل اهتمام من عائلة الخوري وعائلة الخطيب لتوثيق تاريخ القدس. ومنهم من تحدث معي بالفعل.

لم يهتم عبد الله بما قلت، لكنه رفع اصبعه محذراً:
"ها يا بنتي، راح الوطن، قعدوا الصليبيين ثمانين عام، وحملوا القتلى على مقبرة ماميلا، والذين حملوا القتلى قُتلوا هناك في المقبرة، وقتلوا كل من دب على الأرض، ولن يخرج اليهود منها الا عندما يتحول بيت المقدس الى خراب، ومن لا يعتقد ذلك فهو خائن".

سكت عبد الله البديري واعتقدتُ بأن هذا الصمت هو بمثابة اعلان لانتهاء الزيارة، لكنه قال بصوت مرهق ومنخفض كالأنين: "صلاح الدين استرجع القدس، لكن اخوه باعها للامبراطور الألماني فريديريك، وبعث للبابا رسالة قال له فيها "لقد حررتُ لك إياها". أخو صلاح الدين كان في باله يتجوز اخت قلب الأسد، عشان يوحد المملكه، قالت له بتتحول لديني؟ صلاح الدين ما قصر، لكن اخوه الكامل لأ، هلأ بيروحوا يسألوا أين انت يا صلاح الدين؟ صلاح الدين مات. قال الرسول ان كنت سائل اسأل الله وان كنت مستعينا استعن بالله".

وقفتُ لأودع عبد الله البديري الذي احتفظ بيدي وهو يقول "أذكر براني الفول لما كانوا يجيبوها ويبيتوها على نار الحمام. تطبخ على حم النار، وثاني يوم ياخدوها على المطاعم، بتعرفي البرناي؟".

كان رباح أبو ميزر في انتظاري بجانب باب أميم حمام العين. نظر الى ساعته وقال" ليش تأخرتي؟ يلا في بعد وقت للإفطار، ثم همّ رباح بخطواته القصيرة قائلا "في شي حابب انو تشوفيه، وأكيد ما حدا حكالك عنو". وقف رباح أمام سوق القطانين وأدار وجهه نحو باب المغاربة حيث تقع حارة شرف وهي اليوم تسمى بحارة اليهود.

"شايفة هذه القنطرة، هذه ما كانت قنطرة، هذه هون كان في غرفة مكان القنطرة، وعند باب الغرفة هذه بتنتهي طريق الواد. فتحوها اليهود ووصّلوا باب المغاربة في طريق الواد، كانت هذه الغرفة مخزن يحطوا فيه الخشب والكراتين، وأي اشي عشان النار لتسخين الأميم، وكان ابوعبدو ينام فيها، أبو عبدو هو المسؤول عن لمّ أي مادة للحرق عشان الحمام".

وقف جنود عند البوابة التي اشار لها رباح، وعندما سألته لماذا الجنود؟ قال "عشان هون باب الكوتيل يعني حائط المبكى، بعد ما تعبري من البوابة توجد ساحة المبكى، هي ما كانت ساحة، هذه كانت معمرة بالبيوت، كلها تهدمت عشان يعملوا الساحة، من هون ممنوع يعبروا العرب، بس أجانب ويهود، العرب عملوا لهم طريق التفافية كلها درج وسلالم، روحك بتطلع لتخلصي اللفة".

سكت رباح ليلتقط انفاسه، ثم نظر الى ساعته، ثم نظر الى السماء باحثا عن الشمس، ليطمئن إلى موعد الافطار، ثم أشار لي بالعودة الى الناحية المعاكسة لباب حارة اليهود، وقال "فش عندهم رحمة، آثار مش آثار، أي منفذ بقدروا يحطوا أيدهم عليه بوخذوه، بمشو تحت الأرض، بطلعوا علينا من تحت من فوق".

نظر رباح في عيني وتابع: "سميرة نور الدين عندهم مخزن تحت الدار ومعها مفتاحه، يوم سمعتْ صياح من وراء باب المخزن، حاولت تفتح ما كانش يفتح، دفشت واللا يهود ساكنين في المخزن، نافدين عليه من بيت ثاني".

سألت رباح، طيب وبعدين؟

أجاب:" ولا قبلين، راح المخزن، هذه بنتي عهود كانت قاعدة في المطبخ، واللا اليهود نازلين على السطح وحاملين شباك حديد قديم، وزوجتي بتنادي وبتقول في ضو طالع من الحيط، رحت أشوف واللا هم ثلاثة نازلين على السطوح، قمت انا حطيت برميل الغاز وقلت لهم اللي بقرب بولع البرميل، قال جايبين شباك قديم عشان يقولوا في المحاكم انو هذا الشباك قديم وموجود من زمان".

وصلنا السلم الموصل الى سطح الحمام. صعدت مع رباح عند قباب الحمام، التي لم يتبقى من اسطواناتها الزجاجية الملونة الا بقايا لا تشي بالماضي القريب.

نبهني رباح الى نافذتين مع شبك من حديد على يمين الحمام. قال "هذا كنيس إلهم، اليوم فتحوا الشبابيك، بكرة رايحين يبنوا غرفة، وهيك شوي شوي بحتلوا الحمام، وهيك احتلوا القدس".

هبطنا من على سطح الحمام، سرنا في طريق الواد بضعة أمتار، ثم شدني رباح نحو طريق على اليمين.

مد يده مشيراً الى أحد البيوت، أمامه حديقة بانت أشجارها المهملة، وجدارها الآيل للسقوط: "هذه دار أبو ميالي، اليهود جابوا ابن أبو ميالي مكلبش. هناك تحت التوتة كان الزلمة مخبي سلاح، هذا الحكي في 1969، هذاك البيت اللي جنبه دار الترهي شمعولهم الدار ومنعوهم يفوتوا عليه، بتلاقي دار الترهي ساكنين قلنديا وإلا بيت حنينا، مع انو بيوتهم هون".

تقدم رباح قليلاً ثم ضرب على صدره بغضب وقال" هاي دار الياسين، ابنهم انحبس قدامي. قبل 25 سنة جابوا المستوطنين جرافة، وبعدين سكروا الحيط عليها، وكتبوا اسم اليهودي اللي انقتل تحت القنطرة اللي بتنفذ على الكوتيل (حائط المبكى)".

عدنا أدراجنا نحو طريق الواد، رباح بدأ يهمس لي وهو يشير الى شخصين أحدهم ارتدى ملابس المتدينين اليهود، والثاني اكتفى بالقبعة الصغيرة على رأسه، أثناهما كانا ملتحيان، ولكن أحدهم بلحية سوداء كثيفة، والثاني بلحية شقراء، قصير القامة نحيل الجسد:" هذول من الثابتين في البلد، هذاك الأشقر بيكون أخو كاهانا، ساكن في البيت الفوقاني، هذا مثل المي وين بلاقي شرخ بفوت فيه، بيعرض مصاري على سكان البلد القديمة عشان يشتري، أي واحد بعرف عنه انو جوعان ما عندوش مصدر مالي، بروح بيطمعوا وبحاول يشتري بيته، ونجح كثير، وفي ناس باعوا".

ودّعتُ رباح وتمنيت له إفطارا مباركاً، وصعدتُ متوجهة نحو باب العامود. قطعت الطريق واتجهت نحو شارع صلاح الدين. كانت الشمس قد اختفت تماما، ولم يبقَ في الطريق سوى أفراد هنا وهناك، يحملون صحون الحمص والفلافل الطازج، الطبقان اللذان لا يغيبان ابدا عن مائدة افطار العائلة المقدسية. كنتُ قد سألت عن السبب، لكن أحداً لم يعرف الجواب. مررت ببائع عصير اللوز، كان قد بدأ يشرب عصير التمر مع صوت الله أكبر، توقف عندما رآني أضع يدي على زجاجة عصير اللوز، أشار لي بيده مهقاً بأن اليوم عليه، شكرته وفتحتها، وشربت حتى نصفها.

كان البائع يراقبني مبتسماً، ثم قال "سعادة ها؟ لما تشربي عصير اللوز، وخاصة اذا نقع فيه الزبيب في شوارع القدس، يعني انتي اتعمدتي بمحبة القدس، مبروك عليكِ"، ثم أشار بأصبعه الى خارج الدكان وقال ضاحكا:" عصير اللوز هو مرامهم ربما.. من يدري"؟

مقالات من فلسطين

"آرت زون فلسطين" واستعادة الفنّ من الإبادة

2024-12-05

يدخل هذا الجهد في باب مقاومة محو الأثر الفلسطيني، ومنه الأثر الفنّي والثقافي، الغني والغزير والمتجدد. ومهما بلغت نسبة ما ضاع من هذه الأعمال، فما بقي، ومَنْ بقي، يقول "نحن...

رحلة البحث عن رغيف

كُل صباح في الأيام الماضية، حينما أجوب الشوارع، لا أجدني سوى باحث عن الخُبز، وأنا حقيقةً لا أستوعب إلى الآن أن الحال وصلت بي - كما وصلت بكُل الناس- إلى...

خالدة جرار مسجونة في قبر!

2024-11-21

"أنا أموت كل يوم، الزنزانة أشبه بصندوق صغير محكم الإغلاق، لا يدخله الهواء. لا يوجد في الزنزانة إلا دورة مياه ونافذة صغيرة فوقه أغلقوها بعد يوم من نقلي إلى هنا...

للكاتب نفسه

روح الأرض

"يسيل الماء إلى أعلى، بل يقفز من الوديان إلى رؤوس الجبال، ليحرم كلّ من سكن السهول من الماء.. يا رجل". هكذا تحدث الشيخ زوبعة لأحد خبراء الاقتصاد الذي رأى لأول...

الأميرة الهاربة من الشرق وإليه

..تصف حياتها في الغرب، والعقلية الغربية والعادات. تتحدث عن صعوبة العيش مع الآخر الذي كوّن فكرة راسخة عن المجتمعات الشرقية، تعبر عن دهشتها لاستغلال عمال المناجم وفقرهم في اوروبا، وبالمقابل...

هل تعرفون سلافة الحجاوي؟

إمرأة في الثالثة والثمانين، ولدت في نابلس ورحلت الى بغداد في النكبة وتعيش اليوم في رام الله. كانت  أول من ترجم أشعار "كفافيس" لقراء اللغة العربية، وترجمتْ "لوركا" كما "ت....