مع الذكرى السبعين للنكبة الفلسطينية واقامة الكيان الإسرائيلي بالقوة والخيانة فوق أرض فلسطين، تبدّى هذا الشعب العظيم في صموده ومقاومته وكأنه لا يُكسر، على الرغم من تخلي الاخوة عنه وعن قضيته المقدسة في مواجهة عدوه المسلح حتى أسنانه، والذي لا يتورع عن قتل الاطفال والنساء والرجال..
لقد نزلت جماهير الشعب الفلسطيني في غزة، أساساً، إلى أبعد نقطة تستطيع الوصول اليها، عند حافة السور الذي أقامه الكيان الاسرائيلي، والذي من خلفه كان الجنود المدججون بالأسلحة تساندهم الدبابات والمدفعية "يتصيدون" من شاءوا من هؤلاء الفتية المجاهدين..
كانت الحصيلة ثقيلة: فقد ذهب ضحية المجزرة اكثر من ستين شهيداً وحوالي 2500 جريح..
وعلى الرغم من ذلك أجرت اسرائيل إحتفالها بنقل السفارة الاميركية من تل ابيب إلى تلة تشرف على مجمل القدس المحتلة.. ووجه الرئيس الاميركي رسالة تهنئة خاصة إلى المحتفلين "بهذا اليوم التاريخي"!
ويبدو أن السفيرين العربيين لدى دولة العدو (المصري والقطري) قد خجلا أو اصابهما الرعب من احتمال المشاركة في هذه المجللة بالعار، فامتنعا عن الذهاب اليها.
ومع أن حكومة السلطة التي لا سلطة لها في رام الله لم تشارك في الاحتفال الاسرائيلي، الا أن المشاركة في يوم الغضب كانت معدومة في اليوم الاول. لكن الجماهير نزلت إلى الشوارع في الخليل وفي رام الله ذاتها وفي بعض القصبات داخل الضفة، وكذلك في بعض انحاء "أرض 1948" التي تفرض عليهم اسرائيل أن يكونوا من "رعاياها"!
تبدو فلسطين، بشعبها الموزع في الداخل بين سلطتين لا تعترف أيهما بالأخرى، والمشرد بين دول الشتات، عربية واجنبية، وكأنها متروكة لمصيرها، تكتب التاريخ بدماء شهدائها، رجالاً وفتية واطفالاً، كما حدث في آخر المواجهات، يوم الثلاثاء الماضي..
بالمقابل، تتبدى دولة العدو الاسرائيلي وكأنها قد نجحت في كسر أسوار الحصار، العربي اساساً، ومن "الدول الصديقة" في العالم، فصار بإمكانها أن تتخطى هذه الأسوار، وأن تجاهر بعلاقات "حميمة" مع دول عربية تتجرأ فتدعو بعض وزرائها (كما حال دبي التي دعت رسمياً وزير الاتصالات الاسرائيلية، أيوب القرا، لزيارة دولة الامارات).
أما اللقاءات غير الرسمية فأكثر من أن تحصى، وآخرها "المصادفة" التي جمعت بين سفير الامارات والبحرين في واشنطن ورئيس حكومة العدو نتنياهو في مطعم واحد.. وقد تقدم السفيران، مدفوعين بكرم الضيافة، لدعوة نتنياهو إلى مائدتهما، فقبل الدعوة شاكراً.
وفي تصريحات لم تنشر في حينها واذاعتها مؤخراً بعض شبكات التلفزة الاميركية، أن ولي عهد السعودية الامير محمد بن سلمان، أعلن خلال زيارته الاخيرة للولايات المتحدة الاميركية، انه ربما كان فتح خط الطيران المباشر بين تل ابيب ونيودلهي، عبوراً في اجواء المملكة المذهبة، يؤكد توجهه الجديد الذي باشر عهده باعتقال اعمامه وابناء اعمامه، ولم يفرج عنهم الا بعدما دفعوا بعض ثروتهم لسجانهم!
ولقد اوفد الرئيس الاميركي ترامب صهره جاويد كوشنير وابنته ايفانكا ترامب، التي القت خطاباً وهي تبتسم ملء فمها "أن في اسرائيل قادة يسعون لتحديث بلادهم".. وكان الوفد الاميركي يتألف من 250 شخصاً.. وقد أكد ترامب ــ في برقية مذاعة ــ الشراكة الاميركية مع اسرائيل، التي لها كامل الحق في الدفاع عن نفسها.. في حين قال نتنياهو: أن هذا يوم عظيم لإسرائيل!
260 شهيداً فلسطينياً، واجهوا جنود الاحتلال بصدورهم العارية، وبعض الحجارة التي كانت تسقط بعيداً عن سور عسكر الاحتلال! وكالعادة، تبرعت الكويت بأخذ العرب إلى مجلس الامن ليتقدموا بشكوى جديدة سرعان ما عطل مناقشتها "الفيتو" الاميركي.
أما الجامعة العربية فقد انتظرت إلى ما بعد تشييع جثامين الشهداء لتعقد جلسة من الثرثرة الفارغة تحت اشراف أحد اوائل المطبعين، وأحد زوار الكيان الاسرائيلي في مناسبات "رسمية" عديدة، كوزير لخارجية حسني مبارك.. احمد ابو الغيط. وفي حين اعتصم الملوك والرؤساء والامراء العرب بالصمت، فقد نطق العديد من قادة الغرب (فرنسا وبريطانيا وحتى المانيا) مستنكرين "المذبحة".
***
لا مجال للاعتذار من الجرح الفلسطيني، فكيف بمئات الشهداء والجرحى الذين سقطوا خارج السور، وهم عزل الا من ارادتهم والا من بعض الحجارة التي نادراً ما تصل إلى هدفها.
مرة أخرى، فلسطين لوحدها في المواجهة.
مرة أخرى، يفتدي الفتية الفلسطينيون اشقاءهم العرب المشغولين عنهم بما هو أهم وأجدى من النضال والجهاد والفداء.. إلى آخر المعزوفة.
مرة أخرى، لا نملك الا أن نقول: يا فلسطين ليس لك إلا دمك!