الخبر صحيح، لم يكن تلفيقًا ولا تشهيراً بداعية إسلامي يبثّ مواعظه الجليلة على شاشاتنا ويحثنا على تطبيق الشريعة. لمى، ابنة الخمس سنوات، راحت ضحية تعذيب متكرر من والدها فيحان الغامدي بحجّة أنه يشك بسلوكها. ابنة الخمس سنين التي لا تعرف غير ألعابها، خضعت جثتها لفحص عذرية، وتفهّمت هيئة حقوق الإنسان السعودي مخاوف الذكر الحاكم، ففحصوها ووجدوا أنّ الفتاة التي لم تبلغ بعد سن الدخول الى المدرسة ما تزال عذراء. كأنهم كانوا يتوقعون شيئًا آخر.
لم تكن المرة الأولى التي تتعرض فيها الفتاة للتعنيف من قبل والدها، لكنها كانت المرة الأخيرة. ارتاح الأب إذن. لن يقلق بعد الآن من تصرفاتٍ يراها «مريبة». هو يعرف أنّ حسابه لن يكون عسيرا. فمن حقه أن يشك ويظن ويتهم ويحاسب. فإن أصاب فلـه أجـران وإن أخطأ فأجر واحدٌ يكفيه.
وهكذا كان. لم يستغرق الأمر كثيرا من الوقت ليخرج الداعية من سجنه حرّا. قليلٌ من المال (دفعه لنفسه على شكل دية!) مقابل جثة فتاة أودعها القبر. ولم يكن متخلفاً عقليا ولا مجنونًا كما جرت محاولات للإيحاء في بادئ الأمر.
تصرف القضاء السعودي كما العادة. هيمنة ولي الأمر مطلقة. اكتفى بعقوبةٍ بسيطة تسمح للتعنيف أن يبقى أمرا مقبولا ومبررا. يهشّم أحدهم زوجته، يضرب آخر أولاده بطريقة شرسة، يعذبهم كما في حالة لمى. ولي الأمر في السعودية هو الحاكم، من الواجب إطاعته ولو على ظلم، قد يكون أبا أو زوجا أو أخا أو حتى ابناً. الصفة المشتركة بينهم هي الذكورة. من حقه منح الإذن بالسفر أو الخروج، ووحده هو من تقبله الدوائر الحكومية كممثل شرعي عن الأنثى وما تحت جناحيه من أبناء. ومنذ فترة قريبة حدث استثناء عن ذلك، إذ أصدرت الحكومة تشريعا بعدم إلزامية موافقة ولي الأمر كشرط لحصول المرأة على وظيفة في الأسواق التجارية.
اعتمد القاضي في حكمه على والد لمى على حديث نبويٍ وحيد: « أنت ومالك لأبيك»، ومن خلاله تسقط كلّ التهم والشبهات عن ولي الأمر المسؤول حتى عن الروح. يقتل رجلٌ ابنه ببضع رصاصات، يدفع ديته ويخرج. يضرب أحدهم زوجته ضربا مبرحا تدخل على أثره المشفى لأسبوع، وجلّ ما يناله من عقاب الزامه بحفظٌ أحاديث وآياتٍ من القرآن. لا قانون عقوباتٍ واضحاً في المملكة، والحكم يعتمد على اجتهادات القضاة. أحكامٌ قد تستند في كثيرٍ من الأحيان على أحاديث نبويةٍ ضعيفة المصدر، بالأخص إن كان المجرم ولي أمر والضحية ليس سوى أحد أتباعه.
لماذا يفوز الرجل دوما في هذه البلاد؟ مهما فعل. لا يُعتبر إيذاء أولي الأرحام جريمة لا تغتفر، يغدون أشبه بمتاعه الشخصي، حرٌّ أن يفعل بهم ما يشاء. حرٌّ أن يطلّق زوجته ويرميها من دون مال وعليها تقع مسؤولية إعالة الأطفال، يضربها، يهينها، يمارس عليها إرهابه، لكنّ أحدا لن يقف في وجهه. وإذا ما تجرأت أنثى على أذية الذكر أُنزلت بحقها أعتى العقوبات.
الحكم الذي ناله الرجل يعلن عنوان المرحلة: الوأد، لكن ليس بطريقةٍ جاهلية. لم ينزل في الرجل حكم الإعدام بحدّ السيف كما يُفعل عادةً إذا ما قتلت خادمة أندونسية أو سريلانكية مخلوقًا صغيرا. هو حر قبل وبعد وخلال ارتكابه جريمته. هو رجل البيت، هو ربّ البيت، هو الربّ حقًا، بيده أرواح الساكنين في المنزل.
مواضيع
السعودية: لماذا يفوز الرجل دوماً؟
مقالات من السعودية
مساحات النساء في الأماكن المقدّسة الإسلامية – تجربة معْتمِرة
صفوف الصلاة حول الكعبة محصورة بالرجال، بينما تصلي النساء في صفوف أبعد إلى الوراء. تفاجأت بأحد أفراد الأمن خلفي ينقر بأصابعه أعلى ذراعي بشكل مؤلم. كانت تلك طريقته في جعلي...
نيوم: حلمُ الأمير.. كابوسُ الرعية
على الرغم من تدهور الوضع المالي للسعودية، فلن يستطيع محمد بن سلمان التخلي عن تنفيذ مشروع "نيوم". فهذا خرج من يده، وأصبح بعد إعلان الرئيس الأمريكي عن "صفقة القرن" من...
خيبة م ب س الاقتصادية
كان النزاع المدمر على سوق النفط، ودور السعودية - وبخاصة محمد بن سلمان- في تأجيجه، مقامرة وحماقة في آن. فإن كانت السعودية تخسر 12 مليون دولار يومياً مقابل كل دولار...
للكاتب نفسه
السعودية تقاتل البعبع
حفرت الدالوة اسمها عميقا في الذاكرة السعودية. انتبهت المملكة فجأة الى أنّها ليست بعيدة عن خط النار، وأنّ زمام الأمور على أراضيها قد يسلّم نفسه للشيطان ليعيث في أمنها المضبوط...
المبتعثون السعوديون: أسئلة تثيرها حوادث
غالباً ما يبدأ الأمر بالاختفاء. اختفاء في الأثر، ومراجعةٌ سريعة لآخر ما كُتب أو نشر على مواقع التواصل الاجتماعي من تويتر وفايسبوك وغيرها، وتحليل نفسي يقطع في فرضية أن يكون...
... فلنمُت إذاً
أوردت صحيفة سعودية خبراً عن توقيف امرأة تقود سيارة في منطقة صفوى في القطيف متوجهة فيها إلى المشفى إثر تعرضها لأزمة بسبب مرض مزمن. سمحت الشرطة للمرأة بتلقي العلاج، ومن...