جنّة الأرض وجنّة السماء

السبّاح التونسي الذي فاز بميدالية ذهبية في الأولمبياد الأخيرة في لندن، وأهداها لفلسطين وكلّ العرب، اتّهم بالزندقة والكفر. نشرت جماعةٌ دينيةٌ صورًا له وهو يشرب بعد انتهائه من مباراته. يشرب في شهر الصوم، يجاهر بالإفطار على مرأى العالم الإسلامي المتورع عن محارم الله. الفتاة التّي رأت في مكّة مكانًا فقد الكثير من روحانيته، فأطلقت تغريدةً على التويتر من تأليف شاعرٍ إسلامي كبير «أبحث عن الله في
2012-11-07

مريم ترحيني

كاتبة لبنانية مقيمة في السعودية


شارك
لوحة للفنان الإماراتي نصير نصرالله http://www.nasir.ae/en/index.shtml

السبّاح التونسي الذي فاز بميدالية ذهبية في الأولمبياد الأخيرة في لندن، وأهداها لفلسطين وكلّ العرب، اتّهم بالزندقة والكفر. نشرت جماعةٌ دينيةٌ صورًا له وهو يشرب بعد انتهائه من مباراته. يشرب في شهر الصوم، يجاهر بالإفطار على مرأى العالم الإسلامي المتورع عن محارم الله. الفتاة التّي رأت في مكّة مكانًا فقد الكثير من روحانيته، فأطلقت تغريدةً على التويتر من تأليف شاعرٍ إسلامي كبير «أبحث عن الله في مكّة، لم أجده في الحرم» حُلّل دمها وانطلقت الدعوات لإهداره. وكثيرون غيرهما فاض عليهم العالم الافتراضي بدعوات التكفير واهدار الدم التّي لا تلبث أن تنقلب حقيقةً واقعة. تبثّ الصورة، يُقطتع الكلام ويبدأ التجييش، القتل عادةً وتحليل دماء مرتكب المعصية هو وجهة النظر المشتركة التي يحملها كافة المشاركين في المحاكمة. محاكمةٌ يحضر فيها الشهود والقاضي من دون وجودٍ المتّهم، ليتكلّم، ليدافع عن فعلته... ربّما كان في بدنه ضعفًا، ربّما كان في حوزتها عذر، لا أحد يسأل، المهم أنّ الشرع الذي يخيطه البشر على مقاسهم قد أفتى بحكمه، وقرّر أنّ هذا الزنديق وتلك الكافرة لا يستحقّان غير رأسٍ مفصولٍ عن جسد.
من أين لهذه الجماعات أن تأتي بكلّ هذه الثّقة بإصدار الحكم، ترى في نفسها سلطة شرعيةً لا يحقّ لأحدٍ مخالفتها، ترفض سماع أيّ صوتٍ يخالف صوتها، حكمها هو الأصح والأصوب والأقرب لما يريده الله منها. هي تعرف الله أكثر من الجميع، تمارس الطقوس منذ فتحت عينيها على هذه الدنيا، لا يمكن لأحدٍ أن يشكّك بعدالتها. تقنع نفسها وأتباعها بصوابية ما تفعله، يصبح الواحد من الجماعة مساقا خلف كلمات الشيخ أو الأمير، لا يسمع إلاّ له، ألفاظه وحيٌ منزل من السماء، غذاؤه وعشاؤه مع الرسول مضمون، هو يعرف ذلك، والمهم أن يسمع الكلام ولا يتعب نفسه بالتفكير، المهم ألا يقف لهنيهة من الزمن ويسأل نفسه: لماذا أقتل، لماذا أذبح، لماذا أفجّر نفسي بأناسٍ عاديين يمشون في الأسواق.
تحليل الدم والموافقة على إهداره بمباركة الشرع والتعاليم الإلهية، فيصبح سائلاً من ماء، سكبه أهون الأعمال، لا يُنظر إلى الروح التّي فارقت الجسد من دون ذنبٍ حقيقي سوى ما حشي في الرؤوس من قبل المبشّرين الكبار. كأنّ القتل سهل. تسلب هذه الجماعات من الفرد المنتمي إليها تفكيره، تصوّر له الأشياء كيف تشاء، تحقن في رأسه، تختار ما تشاء من كلام الله ولا تعير اهتماما لآخر، ترى في الدين ما يناسبها هي وما تريده، إمارة سوداء، طاعة عمياء لظلٍ يرى في نفسه قدرةً على أن يكون إلها، يعرف حقيقة أنّه ليس كذلك، لكنّه يستغفل أتباعه، يعجبه أن يكون ذا سلطةٍ لا أكثر، لا همّ له غير ذلك.
ترمي تلك الجماعات بالتكفير من تشاء، تقنع أتباعها بامتلاك مفاتيح الجنان. بالجنّة تقتل الناس، بالجنة تروّعهم، تقلب الأرض إلى جحيم لتخلو السماء إلاّ من الجنة. حلم الجنة هو ما يريده الجميع، البلاد التي ساهمنا جميعا في تحويلها إلى بقع نارٍ ستكون الطريق إلى الجنة. ربّما لو قنعنا بما لدينا من أرضٍ، وكففنا عن التحليق بحثا عن الجنّة لوجدناها، ربّما لصنعناها بدلاً من السعي لتهشيم الحياة.
تعيد الجماعات إحياء من ماتوا من قبورهم لتنتقم لهم. ترفض أن تنسى ما حصل. ندخل الزمن الذي قبل أن تقول فيه اسمك تُسأل إن كنت سنياً أو شيعياً. عاد هذا السؤال بقوّة كأنّه أصبح شرطاً أساسياً يرسم صيغة التعامل، يحدّد أصول حديثنا ومجرى كلامنا وربّما عمّا قليلٍ سير حياتنا. كأن في كونك سنيًا أو شيعيًا سر العالم وسر السعادة وسر الحياة. كأنّ في كونك سنيًا أو شيعيًا ما يقودك إلى مجد التاريخ وقوّة الحاضر وامتلاك زمام المستقبل.
العالم يضحك علينا. يقهقه سراً وعلانيةً على الشعوب التي تغرق بجهلها وقشور مشاكلها الحمقاء. العالم يضحك على الموت الذي يصيبنا، على سيارةٍ مفخخةٍ يزرعها عقلٌ جامدٌ يصرّ على صنعة الفناء لتناول الطعام. العالم يضحك، يسقط من فرط ضحكه أرضاً على البلاد الممتلئة فقراً وعاهات وفسادا وأزمات ولم تقدر شعوبها أن تخرج لتطالب بأبسط حقوقها. لكنّ الشعوب تلك نفسها قد تخرج لتدافع عن الشعور السني والمد الشيعي وعودة السلف الصالح إلى الأرض.
حياتك وحياتي الآن قد تنقلبان لأنّ اسمك علي أو عمر. قد تُظلم أو ترفع، قد تموت أو تذبح، قد تخطف، قد ينتابك شعور بالاضطهاد أو إحساسٌ بالإحياء. تقاتل الآخر، أي آخر، لأنّه ينتمي إلى طائفة ضدّك. تقطع عليه رزقه، تحاربه بأبشع أسلحتك من دون أن تدري أنّه قبل أن يكون سنياً أو شيعياً، هو مجرد إنسان.
الفرق بين التفكير والتكفير عبْثٌ بتراتبية الأحرف. هكذا أضحت حياتنا عبْثا من قبل أيادٍ تعاني عقد التاريخ، تحمل ماضيا موهوما أو متخيلا، صنعته الاحباطات المتراكمة، تحمله كعبء ثقيلٍ على ظهرها وترميه على الحاضر والمستقبل، فتدمغه من دون أدنى رحمة. بالتفكير نحارب التكفير، نزرع الوعي في عقولنا، ولا ننساق كالهمج الرعاع خلف راعٍ غير مسؤول، يستسهل القتل والخراب وإغاثة الفساد. المفكّر لا يكفّر، لا يحارب الآخرين بجهل وقطعية، لا يرمي بالمجردات فيطحن بها حياةً واقعة ويدمّر بشرا أبرياء. المفكّر لا يكفّر، الجنّة عنده ما يعيشه في هذه الحياة، الجنّة عنده يلمحها في أرض طيبة وأناس طيبين، لا من خلال لحية وتقطيبة حاجبين وتسبيحة طويلة توّزع أحكامها على البشر.
           

مقالات من السعودية

خيبة م ب س الاقتصادية

كان النزاع المدمر على سوق النفط، ودور السعودية - وبخاصة محمد بن سلمان- في تأجيجه، مقامرة وحماقة في آن. فإن كانت السعودية تخسر 12 مليون دولار يومياً مقابل كل دولار...

للكاتب نفسه

السعودية تقاتل البعبع

حفرت الدالوة اسمها عميقا في الذاكرة السعودية. انتبهت المملكة فجأة الى أنّها ليست بعيدة عن خط النار، وأنّ زمام الأمور على أراضيها قد يسلّم نفسه للشيطان ليعيث في أمنها المضبوط...

... فلنمُت إذاً

أوردت صحيفة سعودية خبراً عن توقيف امرأة تقود سيارة في منطقة صفوى في القطيف متوجهة فيها إلى المشفى إثر تعرضها لأزمة بسبب مرض مزمن. سمحت الشرطة للمرأة بتلقي العلاج، ومن...