حـيــن أطبق فخ العمالة الأجنبية على شباب السعودية

"أخرجوا العمالة الأجنبية من جزيرة العرب"، دعوةٌ أطلقها كاتبٌ سعوديُّ من على صحيفة «الحياة» كحلّ جذريّ برأيه لأزمّة البطالة التّي يعاني منها شباب المملكة. فالعمالة الأجنبية في السعودية تستلم زمام سوق العمل السعودي من الألف إلى الياء. تجد الأجنبي القادم من أصقاع الأرض في كلّ مكان، في قلب المدن الضاج أو على تخوم الصحراء، ينتظر رزقًا أو يصنع تجارة. تراه يستلم خطوط النقل التّي تربط مناطق
2012-10-17

مريم ترحيني

كاتبة لبنانية مقيمة في السعودية


شارك
حوالات العمال الأجانب إلى بلادهم حوالي 140 مليار ريال سنوياً

"أخرجوا العمالة الأجنبية من جزيرة العرب"، دعوةٌ أطلقها كاتبٌ سعوديُّ من على صحيفة «الحياة» كحلّ جذريّ برأيه لأزمّة البطالة التّي يعاني منها شباب المملكة. فالعمالة الأجنبية في السعودية تستلم زمام سوق العمل السعودي من الألف إلى الياء. تجد الأجنبي القادم من أصقاع الأرض في كلّ مكان، في قلب المدن الضاج أو على تخوم الصحراء، ينتظر رزقًا أو يصنع تجارة. تراه يستلم خطوط النقل التّي تربط مناطق المملكة البعيدة، تراه على محطّات الوقود، نادلًا في مطعم، عامل نظافة، معلمًّا، ممرضا، طبيبا، مهندسا، ماسح أحذية، بائعا جوّالًا، تراه في كلّ ما يخطر ببالك من أعمال إلّا متسوّلًا مادًّا يده سائلًا عن مال.
عرفت السعودية توافدا هائلاً للقادمين إليها من خارج البلاد إبّان الطفرة الاقتصادية التّي شهدتها مع اكتشاف ذهبها الأسود. ملايين أتوا وتمركزوا في فرص العمل الفائضة التّي أتاحتها النهضة الاقتصادية من تشغيل لمصانع ومضخّات وشركات ومؤسسات كبرى كانت بحاجة للانطلاق في أرض الصحراء القاحلة. لم تجد في همّة أهل الأرض ما يمكنّهم من تحمّل شروط العمل. ساعاتٌ طويلة في حرّ خانق وراتب قد لا يوازي طموحات أصحاب الثروة الطبيعية.
كان لا بدّ من حل. استقدامٌ شرعيٌ أو غير شرعي لقوى العمالة التّي تعرف كيف تقوم بالمهمة التّي تطمح إليها القوى التشغيلية وأصحاب رؤوس الأموال. عمّالٌ يعملون من فمٍ ساكت، يتقاضون أقل الأجور لقاء أضخم الأعمال. تضخّمت أعدادهم لتتجاوز ثلث عدد سكّان المملكة البالغ ثلاثين مليونا. هؤلاء العمّال تقمّصوا المهنة حتّى غدوا أساسها فلا يمكن لسعوديّ أن يحلّ مكانهم.
الاعتماد المفرط على العمالة الأجنبية لم يفد اقتصاد المملكة بشيء. فعدا عن استحواذهم على الفرص المتاحة وتشكيلهم منافسا قويا أمام طاقة البلاد المحلية، فإنّ أموالهم تخرج من البلاد كحوالات لبلادهم الأصلية بقيمة تتجاوز سنويا 140 مليار ريال، من دون أن يعود للخزينة السعودية قرشٌ واحد. فالاقتصاد هنا لا يفرض الضرائب على المداخيل، وما يقدّمه من دعم على السلع الأساسية، من وقودٌ ومواد غذائية، يشمل الجميع، من مواطنٍ ومقيم على حدٍّ سواء.
كما أنّ هنالك خللا في مفهوم ثقافة العمل لدى الإنسان السعودي، فبعض المهن بنظره ليست سوى عيب اجتماعي تعرّض صاحبها للمهانة امام أبناء قبيلته أو عشيرته أو عائلته. هذه الأنفة التي ترافق طالب العمل المواطن تؤدي إلى نفور أرباب العمل من توظيفه. فالسعودي لا يحتمل ساعات العمل الطويلة ولا يقبل بالأجر المتدني، وتسكن في داخله نزعة توحي لمن حوله بأنّه صاحب الفضل والخبز الذي يقتاتون عليه.
واليد العاملة الأجنبية رخيصة وكفوءة، تعرف ما يطلبه السوق، فقد جاءت من قبل أن يقسو عوده وتشتدّ فيه صيغة العرض والطلب. نتيجةً لذلك، ابتعد السعودي رويدا عن أساس اقتصاده الوطني ليجد نفسه بعد أكثر من نصف قرن غير قادرٍ على إيجاد مكانٍ له في أصل بلاده، عاجزًا عن القيام بأبسط الأعمال. الاقتصاد هنا مشرّع الأبواب، الداخل إليه مفقودٌ في بنوك ما وراء البحار أو بأيدي أصحاب رؤوس الأموال الذين يهمّهم الربح السريع والازدهار ولو على حساب الاقتصاد الوطني المتماسك بفضل كمية الأموال الفائضة لا أكثر، أو هو حوالات ماليةٌ توّدع من أول الشهر مسافرةً خارج البلاد.
سعودة القطاع الخاص في السعودية نظامٌ تطبقّه الحكومة وتجبر به الشركات الخاصّة للحدّ من اعتمادها المفرط على الأيادي الوافدة، نسبة معينةٌ من الموظفين السعوديين تجعل من المؤسسة كيانًا شرعيا بنظر المملكة. سعودةٌ استطاعت الشركات الخاصّة التحايل عليها عبر التوظيف المقنّع للسعوديين، مواطنون تكتفي المؤسسة بحضورهم أول كل شهر لقبض مخصصاتهم المالية التي لا تتجاوز الحد الأدنى للراتب، أي حوالي ثلاثة آلاف ريال، من دون أن يشاركوا بالعمل الفعلي. ذلك أنّ توظيف السعودي في عمل الشركات الخاصّة ليس بالأمر السهل فهو بحاجةٍإلى التدريب والإعداد على آليات العمل التي يفتقر اليها بينما هي متوفرة لدى العمّال الوافدين. حاولت الحكومة حل مشكلة البطالة عبر صرف بدل مالي للعاطلين عن العمل ضمن برنامج يدعى «حافز». هذا البرنامج لم يخفّف من نسبة البطالة المعترف بها رسمياً ذلك أنّ الكثيرين اضطروا إلى الكشف عن حقيقة أوضاعهم في ظلّ البطالة المقنعة.
غياب التكافؤ بين العامل المحلي والعامل الوافد، وقدرة المقيم على منافسة المواطن الأصلي، هما ما أجّج الأزمة بين طرفين غدوا جناحي السكّان في المملكة. يرى السعودي في الوافد شخصا يقاسمه شيئًا هو في أشدّ الحاجة إليه، يوجه إليه التّهم بالاستيلاء على كلّ الفرص في بلاده، يعامله بعنصرية منفرة حتّى يضمن عدم استعلائه، يرفع صوته في كلّ حينٍ مطالباً بالتخلّص من الأعداد الهائلة التّي تمنح لكلّ سعودي عاملين أجنبيين قادرين على خدمته. لكن في داخله، يعرف السعودي أنّه وقع في الفخ، فثوبه الذي يرتديه ليس من خياطته بل هو حياكةٌ ممتازة ليدي هنديّ يعمل منذ عشرين عاما على راتب قد لا يتجاوز ما يتلقّاه السعودي إن بقي جالساً في منزله.
أزمةٌ البطالة حقيقية، يعيشها الشباب السعودي لكنه لا يواجهها إلّا بالانتظار. فالمملكة تحتل المرتبة الثانية في نسبة البطالة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعد العراق، لتتجاوز بذلك الكثير من البلدان العربية ذات الكثافة العالية كمصر والمغرب. فالشاب السعودي لا يريد عملًا يوسم به الهندي أو الفليبيني، لا يريد أن يعمل لساعاتٍ طويلة، يريد راتبا محترما ينطلق به في حياته، يطمح ويطمح، والفرص المتاحة من حوله تتقلص والسوق لا ينتظر أحدا، وعمليات البيع والشراء عليها أن تجري، والسـعودي جالـسٌ في زاوية بلاده يرفض أن يمد يده جنبا إلى جنب العمالة الوافدة، يصر على المكتب والوظائف التقليدية.

*كاتبة لبنانية مقيمة في السعودية

    
 

مقالات من السعودية

خيبة م ب س الاقتصادية

كان النزاع المدمر على سوق النفط، ودور السعودية - وبخاصة محمد بن سلمان- في تأجيجه، مقامرة وحماقة في آن. فإن كانت السعودية تخسر 12 مليون دولار يومياً مقابل كل دولار...

للكاتب نفسه

السعودية تقاتل البعبع

حفرت الدالوة اسمها عميقا في الذاكرة السعودية. انتبهت المملكة فجأة الى أنّها ليست بعيدة عن خط النار، وأنّ زمام الأمور على أراضيها قد يسلّم نفسه للشيطان ليعيث في أمنها المضبوط...

... فلنمُت إذاً

أوردت صحيفة سعودية خبراً عن توقيف امرأة تقود سيارة في منطقة صفوى في القطيف متوجهة فيها إلى المشفى إثر تعرضها لأزمة بسبب مرض مزمن. سمحت الشرطة للمرأة بتلقي العلاج، ومن...