لن يستطيع العالم العربي أن يستوعب نساءه. لن يقدر على منحهن ما يطلبنه من حقوق. زلازل التغيير التّي أدّت إلى انهيار الأنظمة الديكتاتورية، لم تفلح في إحداث هزّةٍ بسيطة في العالم الذكوري الذي يجعل من كلّ امرأة عرضةً لأن تكون مشروع ضحية.
تهبط علينا الفضائح كزخّات المطر، لا نلحق على استيعاب الفضيحة حتّى تأتي أختها فتهزّ عالمنا النائم لبضع لحظاتٍ، لا يلبث بعدها أن يعود إلى سكونه: تزويج لاجئاتٍ سوريات في مخيماتٍ تقع على تخوم مختلف البلدان، في الأردن وليبيا وتركيا. تُستنفر حمية الرجال للستر على الفتيات الصغيرات الحزينات لترك بلادهن. تزوّج القاصرات السوريات بطريقةٍ لاإنسانية وجدت فيها العقول الذكورية خدمةً تقدمها للثورة السورية المشتعلة. في اليمن أيضاً، عرائس الموت باقيات رغم أنف جمعيات حقوق الإنسان، تقف وراءهن مؤسسةٌ دينية متحجرة المراس ورجال قبيلة يرون في الزواج من فتياتٍ صغيرات تجديداً لشبابٍ لن يعود يوماً وتثبيتاً لحقوقٍ مشروعة في البضاعة الأنثوية منذ وجودهم على سطح الكوكب. في مصر، سقط النظام والعسكر ولم يسقط تحرّش الشارع بنسائه وفتياته المتجولات بين أزّقته. في الأردن وفلسطين، جرائم متلاحقة بحق الإناث.
في كلّ أصقاع العالم العربي شيءٌ واحد لا يتغير هو وضع النساء!! كأنّ هنالك قدراً محتوماً يرغب بإبقائنا موؤودات تحت رمال صحراء أو خلف ستار العادات والتقاليد، لا فرق.
هل نحتاج للذهاب لكوكبٍ آخر بعيدا عن كلّ أشكال القمع والتخلف والرداءة؟ ربّما حان الوقت لننفصل عن مدن الرجال ونصنع مدينة للنساء، لا يسيطر على تفاصيلها وعلى شكل الحياة فيها غير الأيادي الناعمة. حان الوقت لننفك عن العالم العربي الذكوري، إذ هو لم يقدر على منحنا أبسط ما نريد، أي جعلنا كائناتٍ مرئية لها وجودها الظاهر وليس مجرد متاع للبيع والشراء تحت عنوان الزواج.
هناك مدن صناعية خالصة للنساء ستبدأ تجربتها الأولى العام المقبل في السعودية، في منطقة الهفوف شرقي البلاد. الخطوة جاءت من قبل نساء أعمالٍ سعوديات يرغبن في تعزيز الكادر النسائي في المملكة وتأهيله لمواكبة الأعمال الصناعية، فضلاً عن إيجاد فرص توظيفية لآلاف العاطلات عن العمل.
لكن مشروع المدن النسائية لا يتحقق لضمان حقوق النساء السعوديات بقدر ما هو تعزيزٌ لمبدأ الفصل التام الذي تتبعه الحكومة في تعاملها مع جناحي مجتمعها. مبدأٌ قد يعمّم على رقعة عالمنا إذا استمر الرجال على سلطتهم ونفوذهم القويّ في التحكّم بما يملكونه من حريم. المشروع خطّط وأقرّت موازنته ووضع موضع التنفيذ، وربّما لن تكتفي السعودية بمدنٍ صناعية تحشر بها النساء بعيدا عن عالم الرجال، ربّما بعد سنواتٍ قليلة ستظهر مدنٌ خاصّة للنساء فقط، تكون المرأة فيها حرّة داخل أسوار السجن الكبير الذي يقف الرجال على حدوده... متلصصين!