السعودية تغرّد. لم يعد موقع تويتر مجرد مكان للتواصل الاجتماعي، بل غدا نوعاً من «هايد بارك» يتنفس حرية ولا تظلّله الرقابة الحكومية.
ولطالما كان موضوع سجناء الرأي خطّا أحمر فيها. فالداخل إلى السجن بتهمة الفكرة لا يتوقع محاكمةً أو موعدا للخروج. لكن مع تويتر اختلف الموضوع. فقد أنشأ مغردون حملة للمطالبة بإطلاق الناشط والداعية يوسف الأحمد الذي اعتُقل بسبب تعليقاته في فيديو شارك به على يوتيوب، ينتقد فيه الاعتقال المستمر والمطول للمشتبه بهم أمنياً دون توجيه اتهامات لهم أو محاكمتهم.
@Mashi9a7
«عندما نطلب العدالة ليوسف الأحمد نطلبها لكل معتقل تعسفياً، نطلبها لكل إسلامي أو ليبرالي، لكل سني أو شيعي، العدالة والحرية للجميع».
@alfarhan «الحرية للشيخ يوسف الأحمد. آن لملف الاعتقال والسجون أن يغلق للأبد ونضعه كشعب وحكومة خلف ظهورنا ونمضي».
تويتر في المملكة هو المجتمع المدني الافتراضي الغائب عن الساحة الحقيقية للبلاد. يشنّ المغردون هجوماً على الفقر والبطالة المتفشية، يكشفون خفايا الفساد، يقاربون مواضيع حسّاسة في الدين والاضطهاد وقمع الحريات لم تكن لتطرح أبداً على بساط البحث في أرجاء السعودية.
والتويتر في السعودية خرق المحظور. الملك عبد الله بن عبد العزيز كان له حظٌّ منه، حيث شنّ المغرّدون السعوديون هجوماً عليه وأنشأوا «هاشتاغ» باسم «طال عمرك»، طالبوه فيها بجهود واضحة في تأمين فرص عمل للشباب السعودي وحل مشاكل الفقر والتشدّد الديني وقمع رجال «هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر».
@manal_alsharif
«بما إن عدد عيالك ٢٠ مليوناً ونصدِّر في اليوم ٩ ملايين برميل. الصبر نصرفه في أي بير؟»
tal3mrak# @nawwarah82 وعدتنا بالتقدم، ووجدنا تأخراً، وعدتنا بالستر ووجدنا غلاء، عشمتنا بسياسة الباب المفتوح وأهديتنا قانون الارهاب الجديد»
@ahmed
"إذا كنت سعودي فإن هاش تاج «طال عمرك»...شيء كبير!"
لكن هذه الحرية الافتراضية لا تلبث أن تتضعضع أمام الواقع الملموس: السجن والمطالبة بالاعتذار العلني والتوبة عقاباً على اتّهام بالقدح والذم. كحمزة الكاشغري، الصحافي الذي شغلت قضيته الرأي العام السعودي المحتار بين قبول اعتذاره أو اتهامه بالردّة التي تستوجب القتل، كل ذلك بسبب تغريدات أطلقها في مولد النبي محمد واعتبرها البعض مسيئةً بحقّ الرسول وتمسّ الذات الإلهية. وحاله كغيره من الشخصيات: محمد سلامة وقسيس مكّة... الذين كانت تغريداتهم على تويتر مصدراً لشقائهم، وأثارت جدلاً واسعا بعد إطلاقها.
من تغريدات حمزة HmzHmz@
«في يوم مولدك أجدك في وجهي أينما اتجهت، أحببت أشياء فيك وكرهت أشياء، ولم أفهم أشياء أخرى».
«في يوم مولدك لن أنحني لك، لن أقبّل يديك، سأصافحك مصافحة الند للند، وأبتسم لك كما تبتسم لي، وأتحدث معك كصديقٍ فحسب، لا أكثر».
تعدّ السعودية الدولة العربية الأكثر نشاطا على موقع تويتر، وهو تحوّل بيد السعوديين إلى أداة فعّالة وصلت في تأثيرها الى السعي للرقابة والمحاسبة. فالتويتر السعودي استطاع خلق مجتمعٍ سعودي افتراضي متفاعل، هو مزيج من الأفكار التي لن تلتقي بعيدا عن شاشة الحاسوب: ذكورا وإناث، دعاة متشدّدين وسعوديين ليبراليين. ضجّة في الأفكار والقضايا المخفية عن العين المجردة، المختبئة خلف ستار الممنوع على المجتمع الذي تبدو عليه الآن رغبة واضحةٌ بالتململ على الواقع المفروض أبا عن جد.
ربّما كان لتحريم التظاهرات في السعودية، واعتبار الخروج على الحاكم ضربا من الردّة والكفر والعصيان، دورا في تحوّل تويتر إلى بحرٍ هائجٍ. حركات التغيير العربي ضربت حدود المملكة، في البحرين واليمن، وكان لها أثر أيضا في حثّ الشباب السعودي. الكثير منهم لم يستعن بأسماء حركية، بل هو يغرّد باسمه الحقيقي كبادرة أولى على نسمات التغيير التي تهبّ على المملكة التي كانت، إلى وقت قريب، ترى في الرأي الآخر تهديدا يستوجب القمع.
حتّى الأمراء يغرّدون! العديد منهم رأى في تويتر وسيلة للتقرّب من الشعب. لكن بعض الأمراء انقلب التويتر عليهم، وتعرّضوا لهجمات عنيفة تتهمهم بالفساد. فـ«مجتهد»، المغرّد الذي لقّب بـ«جوليان أسانج» السعودي، أحدثت تغريداته ضجّة كبيرة بعد فضحه للعديد من الأمراء وملفات الفساد. أولى تغريدات مجتهد طالت الأمير عبد العزيز بن فهد، وتحدّث فيها عن قصره في الرياض «الذي يتكون من عدة قصور وكلف الدولة حوالي 12 مليار ريال» وعن «بيته في جدة الذي يمسح مليون متر مربع وكلف مليار ريال»، وعن أسهمه «في البنك الاهلي وجنرال الكتريك ومرسيدس وشركات وعقارات تصل قيمتها الإجمالية الى أكثر من 300 مليار ريال». ويسأله «هل صحيح أنك تمتلك خمس طائرات خاصة، منها ثلاث ‘«بوينغ» فخمة، كلفت الدولة أكثر من ملياري ريال، مع صيانتها على حساب الخطوط السعودية؟». لينتقل في هجومه إلى الأمير طلال متّهماً إياه باختلاس «ممتلكات عقارية هائلة، تقدر بعشرات الملايين من الأمتار وعشرات المليارات من الريالات». واتّهمه «بالاستيلاء على 80 بالمئة من أرض الوطن وسرقة أكثر من 100 مليار ريال»، مضيفًا «لن نصدقك حين تتحدث عن برلمان منتخب وأنت الذي تقول البلد شركة وآل سعود مجلس إدارتها».