مواضيع

خوف الطغاة من الأغنيات

ممنوع التغنّي بالحرية في مصر. هناك حقد من السلطات على مشجعي أندية كرة القدم (الالتراس) كما على الصحافيين والمحامين.. علاوة على السياسيين الذين يمارسون المعارضة أو النقد. ممنوع!

هدير المهدوي | 11 آذار / مارس 2018
باسم يسري - مصر

منذ أيام، غنت مجموعة من جمهور فريق النادي الأهلي المصري لكرة القدم أغنية للحرية، اثناء إحدى المباريات في بطولة أفريقية، سمحت فيها السطات المصرية لعدد محدود من الناس بالحضور لتشجيع فريقهم. اعتبرت الأغنية "استفزازاً للجهات الأمنية"، فقامت هذه بملاحقة المشجعين والاعتداء عليهم بعد المباراة. بل، وفي اليوم التالي، أعلنت صفحة مجموعة "ألتراس أهلاوي" الرسمية أنه تم اعتقال عدد من أعضاء الرابطة فجراً من بيوتهم وأماكن عملهم، على الرغم أنه لا علاقة للرابطة بالهتاف الذي إنطلق في المدرجات، على حد قول الصفحة. حملة الاعتقالات طالت أربعين شخصاً حتى الآن، من غير المعروف أماكن احتجازهم، ومن بينهم أشخاص لم يحضروا المباراة، وفقا لمحاميهم واصدقائهم.

 "قلناها زمان للمستبد.. الحرية جاية لا بد.. يا حكومة بكره هتعرفي.. بإيدين الشعب هتنضفي ..والآية الليلة مقلوبه.. قالوا الشغب فى دمنا.. وإزاي بنطلب حقنا.. يا نظام غبي إفهم بقى مطلبي.. حرية.. حرية.. حرية.. حرية". تلك هي الكلمات التي غنتها مجموعة من مشجعي النادي الأهلي، وهي واحدة من أشهر أغاني "التراس أهلاوي" التي لطالما قاموا بغنائها في مباريات كرة القدم وفي ميدان الثورة، قبل أن يقتلوا في المدرجات ويمنعوا لسنوات من دخولها، وقبل أن تصبح أغنية عن الحرية جريمة تستحق العقاب.

في أيار/ مايو 2015، قرر القضاء المصري حظر مجموعات مشجعي كرة القدم (الألتراس) وإعتبارهم مجموعات إرهابية. ومنذ ذلك الحين يتعرض العشرات من مشجعي كرة القدم لفرقتي الأهلي والزمالك لملاحقات قضائية، ولا يزال الكثير منهم في السجون، سواء تنفيذاً لأحكام قضائية، أو على ذمة قضايا.  

 ومع ذلك، في عمل شجاع للغاية أمام آلة القمع المستمرة في مصر الآن منذ سنوات، أيقظ هذا الهتاف أملاً في بعض القلوب المهزومة، كما أيقظ رعباً من الثمن الذي سيدفعه هؤلاء الشباب لجرأتهم على تحدي السلطات، الثمن الذي يدفعه زملاؤهم من مشجعي كرة القدم في مصر لموقفهم من الثورة، والثمن الذي يدفعه أيضاً كل من شارك بأي شكل في "ثورة يناير 2011".

نستيقظ الآن في مصر كل يوم على أخبار من قبيل اختفاء أشخاص يبلغون من العمر أكثر من ستين عاماً قسرياً، أو اختطاف شباب صغار من منازلهم في الفجر من قبل جهات أمنية، أو تنفيذ أحكام بالاعدام على شباب بعد محاكمات عسكرية تفتقد للعدالة، أو صحافيون تم إعتقالهم أثناء أدائهم عملهم، أو بسبب نشرهم شيئاً إعتبرته السلطات "مهيناً" لها.

ففي الاسبوع الماضي، على سبيل المثال لا الحصر، القت القوات الأمنية القبض على حسن حسين أحمد، 62 عاماً، الصحافي الحر بالمعاش (متقاعد).  ووفقاً لأسرته، لم يتمكن ذويه أو محاميه من التوصُّل لمكان احتجازه، أو أسباب هذا الاحتجاز، حتى ظهر بعد خمسة ايام كاملة في نيابة أمن الدولة العليا. وفي الاسكندرية تم اعتقال الصحافية الشابة مي الصباغ وزميلها المصور أحمد مصطفى، اثناء تصويرهما تقريراً لا علاقة له بالسياسة، عن تاريخ ترامواي الاسكندرية، وصدر ضدهما قراراً بالحبس بتهم عدة من بينها إذاعة أخبار وبيانات كاذبة من شأنها تكدير الأمن والسكينة العامة، وهدم النظم الأساسية للدولة، والإضرار بمصلحة البلاد! بينما ألقت السلطات المصرية القبض على أعضاء فرقة مسرحية، وقررت النيابة العسكرية حبسهم 15 يوماً لاتهامهم بالاساءة للجيش المصري...
السلطات المصرية التي لا تسمح لأحد بالكلام، حتى لو كان هذا الكلام عبر أحزاب سياسية شرعية، كحبس رئيس حزب مصر القوية المعارض، عبد المنعم أبو الفتوح ونائبه محمد القصاص بتهم تتعلق بال"الارهاب"، حركت أجهزتها الأمنية لعقاب رابطة التراس أهلاوي لشعورها بالتهديد من أغنية عن الحرية.

 لكن يبقى السؤال، كيف تحولت أحلام الثورة المصرية في دولة حرة عادلة تتسع للجميع إلى هذا الكابوس الذي نعيشه الآن؟ كيف اصبح كل من آمن بالثورة كطوق نجاة، إما هارباً مطارداً، أو قابعاً في زنزانة إنفرادية، أو في أفضل الأحوال ينتظر دوره في العقاب؟ لقد ملأنا شوارع وميادين القاهرة يوماً ما بهديرنا الغاضب الحالم بمستقبل أفضل لنا وللأجيال القادمة، ولكن كل هذا تم سحقه بشكل انتقامي، مدعوماً بأموال ومصالح الدول الكبرى في المنطقة والعالم، وتحت دعاوى مكافحة الإرهاب، الذي يمثل عملا خسيساً ويشكل خطراً حقيقياً بالفعل، لكنه أبداً لا يُهزم بالقمع وانتهاك حقوق الاشخاص في العدالة والحياة.

"قلناها زمان للمستبد.. الحرية جاية لا بد.. يا حكومة بكره هتعرفي.. بإيدين الشعب هتنضفي ..والآية الليلة مقلوبة.. قالوا الشغَب فى دمنا.. وإزاي بنطلب حقنا.. يا نظام غبي إفهم بقى مطلبي.. حرية.. حرية.. حرية"

أمثلة عدة لا يتسع المجال لذكرها جميعاً عن أفعال شجاعة بسيطة لكنها عالية التكلفة، قام بها أشخاص تحت حكم أنظمة قمعية، مثلما فعل بعض الألمان تحت حكم النازية، باخفاء أسر يهودية لحمايتهم من القتل، على الرغم من الخطر البالغ الذي يمكن أن يتعرضوا له، بينما في زمن أحدث على سبيل المثال، قامت سيدات رائدات بتحدي السلطات السعودية بالقيام بحق بسيط مثل قيادة السيارات، وذلك على الرغم من تعرضهن للحبس والملاحقة، الا أنهن نجحن لاحقاً في انتزاع هذا الحق. تلك الافعال في الحقيقة هي التي بقيت وستبقى في التاريخ وفي ضمير الانسانية رمزاً للصمود والمقاومة، حين تلقى الأنظمة المستبدة مصائرها الطبيعية وتنتهي.

وفي مصر أيضاً يبقى فعل شجاع بسيط مثل أغنية "الحرية جاية لا بد"، وأفعال مماثلة في شجاعتها وبساطتها، تحدياً لنظام يرتكن على الطغيان لحماية هيبته وتدعيم سلطته. فصمود المئات من أهالي المعتقلين والمختفين قسرياً، والمحاولات التي يبذلها صحافيون للحفاظ على واجبهم في نقل الحقيقة، أو يبذلها محامون حقوقيون في انتزاع الحقوق في ساحات محاكم لم يعد يُعوّل على نزاهتها، أو نشطاء في توثيق انتهاكات عدة، وتسليط الضوء عليها حتى ولو بأبسط الطرق وهي الكتابة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.. التي تسعى أبواق هذا النظام للسيطرة عليها هي الأخرى، هذه كلها اشكال للمقاومة تؤكد أن على هذه الأرض ما يستحق الحياة، حتى وإن كان ثمن الحياة تلك باهظاً كالحرية.

هدير المهدوي


صحافية وباحثة من مصر

هدير المهدوي


صحافية وباحثة من مصر

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

في مصر يمكنك فقط الاختيار بين سجن صغير وآخر أكبر

إيمان عوف 2024-12-09

تحوّل القانون رقم (73) لسنة 2021، الذي يتيح فصل الموظفين المتعاطين للمخدرات، إلى أداة لملاحقة العمال والنشطاء النقابيين العماليين، والنشطاء السياسيين والصحافيين. وعلى الرغم من اعتراض النقابات والجهات الحقوقية على...

للكاتب نفسه