آذار شهر المرأة في "شاشات": قصصهنّ وكاميراتهنّ

مَن أنسب لمهمّة الحديث عن فلسطين والتعبير عن عمق أحوالها، من أبناء فلسطين ومن بنات فلسطين أنفسهنّ بالذات؟
بين الثالث والحادي والثلاثين من شهر آذار/ مارس الحالي تحتفي مؤسسة "شاشات" الفلسطينية بشهر أفلام المرأة، من خلال أفلام لمخرجات شابات من غزّة
2018-03-08

صباح جلّول

كاتبة صحافية وباحثة في الانتربولوجيا البصرية من لبنان


شارك

ثمة قصة عن خروف جميل طائر بجناحين، يحمل بدوية فلسطينية،  أسر الإسرائيليون والدها، في رحلة إلى إسبانيا لتلعب كرة القدم مع ميسي، ثمّ يعيدها إلى فلسطين لتعتني بغنمها لأنها لن تتركهم لعناية أحد سِواها... وثمة قصة أخرى عن كلام محبوس في الحلق يطلع فقط في رسوم غرافيتي على جدران مدينة الخليل، يخبر قصة عن الحبّ في زمن الحرب. ثم هناك حكاية عن رمضان غزّي حار في العام 2014، عن العائلة في يوم عادي، يتحول إلى فيلم رعب طويل.. وهناك قصص من نابلس، بين مخيم بلاطة والبلدة القديمة، وأخبار الهويات المتعددة  ــ المتناحرة أحياناً ــ لسكان مدينة يحبها كل أولادها المختلفين..

أين وكيف يمكن لنا أن نسمع قصصاً كهذه، حلوة ومرّة وغريبة وحميمية، أو أن نراها، إلّا عبر عدسات وحكايات نساء فلسطين؟ لا أحد سواهنّ يستطيع أن يخبر هذه القصص. ومَن أنسب لمهمّة الحديث عن فلسطين والتعبير عن عمق أحوالها، من أبناء فلسطين ومن بنات فلسطين أنفسهنّ بالذات؟ هذه القصص هي جزء بسيط من الأفلام التي تنتجها مؤسسة "شاشات" لأفلام المرأة الفلسطينية، وقد عرضت ضمن مهرجان "ما هو الغد؟" عام 2016.

البلاد التي امتلأت بها صفحات دواوين الشعر والروايات والأغنيات، لماذا لا يكون لها نصيب أكبر على شاشات السينما، خصوصاً إذا كانت هذه سينما من أهل تلك البلاد، لها وللعالم، ولكن على وجه أشد تحديداً وخصوصية: أن تكون سينما من فتيات ونساء فلسطين لكلّ من يريد أن يعرف خاطرة أو شعوراً تمرّ به امرأة وفتاة من فلسطين. يعني أن يمتلكن صوتاً، وأن يكون للصوت شكل صور متتالية بمقدار 24 لقطة في الثانية الواحدة، كلّهم يمتلؤون بمعنى أن تكون فلسطينية، وكلهم يضمرون نظرة امرأة فلسطينية ونبضها وإحساسها وفكرتها حول نفسها وبلادها وناسها وأيضاً قضيّتها.

صارت السينما الطالعة من داخل الأراضي المحتلة حاجة ملحّة كي لا نفقد التواصل مع رؤية من هم "بالداخل"، لا سيما إذا كانوا نساءً، وهنّ اللواتي غالباً ما تُحكى قصصهنّ بألسنة غيرهنّ، فتكون المرأة الكاتبة أو القاصة أو المخرِجة هي الاستثناء في عوالم استحوذ عليها الذكور بفعل المنظومات المجتمعية القائمة والمسلّم بها لوقت طويل. مشروع مثل "شاشات" هام للغاية حتى تكتسب فتيات فلسطين بدورهنّ الحقّ في امتلاك أدوات إنتاج الأفلام محليّاً، إن كان على الصعيد التقني الفني أو المعنوي، عبر هذه المنصّة.

***

بين الثالث والحادي والثلاثين من شهر آذار/ مارس الحالي تحتفي مؤسسة "شاشات" الفلسطينية بشهر أفلام المرأة، من خلال أفلام لمخرجات شابات من غزّة في مركز خليل السكاكيني وعروض أخرى في "جمعية عباد الشمس لحماية الإنسان والبيئة" و"جمعية الخريجات الجامعيات". وفي الوقت نفسه، أعلنت المؤسسة عن مشروع ثقافي مجتمعي طويل الأمد، أطلقته على مدى 3 سنوات بعنوان "يلّا نشوف فيلم!"، يهدف إلى تفعيل إنتاج أفلام فلسطينية وإعطاء منح صغيرة لإقامة عروض سينمائية ومناقشات مفتوحة وبرامج تلفزيونية. يسعى هذا المشروع لأن يطال بنشاطاته وفائدته فئات واسعة من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس وضواحيها، وأن يحفّز نقاشات مجتمعية وتفاعلاً مباشراً من الأهالي، في إطار مخيمات أو قرى، أو جامعات أو مؤسسات أهلية أو سواها...

أمّا الأفلام التي تنوي المؤسسة إنتاجها خلال هذه الفترة، فهي بالتأكيد فرصة مكرّسة بالكامل للمخرجات الفلسطينيات. فقد أعلنت "شاشات" على موقعها أنه سيتم إختيار 10 أفلام قصيرة لإنتاجها في السنة الأولى من المشروع (العام الحالي 2018) "من خلال دعوة مفتوحة لمخرجات فلسطينيات شابات (18-30 سنة)، للتقدم بأفكار لأفلام تبحث في معاني "أنا فلسطينية!"، والبعد الذاتي للانتماء والهوية (...)". إذاً، هي دعوة لتعريف الذات: ما معنى أن تكوني شابة فلسطينية تعيشين داخل فلسطين في هذا الوقت من الزمن، وتحت هذه الظروف؟ أهمية هذا الطرح تأتي من تناول الفتيات للجانب الخاص والحميمي لحياتهن، للتجارب والأحاسيس والأفكار التي يرغبن هنّ في الحديث عنها.

تقارع "شاشات" الصور النمطية الجاهزة والمكرورة عن فلسطين بوصفها ساحة حرب وصراع لا أكثر، وعن المرأة الفلسطينية بوصفها ضحيّة مسلوبة الإرادة والصوت، وتعبّر المؤسسة عن إيمانها بضرورة استعادة النظرة للمجتمع الفلسطيني وزخمه "كمكان للإنتاج المعرفي والفني والثقافي"، وبالتالي إعادة رسم ملامح هذا المجتمع الفلسطيني الذي يُحكى عنه كل يوم بكل لغة، ليحكي عن نفسه ويعيد "إنتاج التصورات الغنية والمركّبة الخاصة به" والتي لا يمكن لسواه التعبير عنها.


اقرأ أيضاً: مهرجان شاشات لسينما المرأة.. ما هو الغد؟


كما تصرّ على أن السينما بالذات تلعب دوراً أساسياً في معتقدات الرأي العام، والقيم والمفاهيم حول المرأة ومكانتها ودورها الاجتماعي، متيحة المجال لطرح إشكاليات المساواة بين الجنسين وتمكين النساء والمساهمة النسائية المجتمعية والثقافية الفعالة... ومن هنا حرصت على تنشيط القطاع السينمائي النسائي الفلسطيني في المناطق المهمّشة والمحرومة ثقافياً كذلك، بحسب موقع المؤسسة "حيث تعاني المرأة فيها من القيود المجتمعية وفقر الفرص التدريبية والإنتاجية (...)، وفاقمت الممارسات الإسرائيلية من هذه المعاناة بسياسات الإضطهاد والعزل والحصار المفروضة على الشعب الفلسطيني بأكمله".

لمؤسسة "شاشات" رؤية واضحة تخصّ أهدافها واتجاهها ولديها وعي مجتمعي بحاجات المجتمع الفلسطيني بنسائه على وجه الخصوص، وهذا ما يميّز عمل المؤسسة (التي تلقت دعماً أساسياً من الإتحاد الأوروبي وصندوق الأمم المتحدة للمرأة في البداية). واهتمت "شاشات" إلى جانب الإنتاج السينمائي بتحضير دراسات وأبحاث ومكتبة متخصصة حول الأفلام وقاعدة بيانات إلكترونية عن السينما الفلسطينية.

مقالات من فلسطين

رحلة البحث عن رغيف

كُل صباح في الأيام الماضية، حينما أجوب الشوارع، لا أجدني سوى باحث عن الخُبز، وأنا حقيقةً لا أستوعب إلى الآن أن الحال وصلت بي - كما وصلت بكُل الناس- إلى...

خالدة جرار مسجونة في قبر!

2024-11-21

"أنا أموت كل يوم، الزنزانة أشبه بصندوق صغير محكم الإغلاق، لا يدخله الهواء. لا يوجد في الزنزانة إلا دورة مياه ونافذة صغيرة فوقه أغلقوها بعد يوم من نقلي إلى هنا...

اقتصاد البَقاء: الدّلالةُ والمفهوم في ظلّ حرب الإبادة

مسيف جميل 2024-11-17

لا توجد جدوى للصمود، ما لم يرتبط بالتصدي للاحتلال. استخدم المانحون "الصمود" كإطار جديد، يتماشى مع المرحلة الفلسطينية، ويراعي المشاعر الفلسطينية والحس الوطني السياسي، وكأن التنمية تحدث بتسمية وتبنِّي مصطلحات...

للكاتب نفسه

كلّ ما يتحدّى اكتمال الإبادة..

صباح جلّول 2024-11-10

شبعت أعين العالم أكلاً في مأساة غزّة. لن تغيِّر صور الموت ما لم يغيّره الموت نفسه. لذلك، فهذه هنا صور لقلبٍ ما زال ينبض، لملمناها من صور شاركها الصحافي يوسف...

أجمل من خيال

صباح جلّول 2023-07-06

إنها أجمل من الخيال والأفلام، هذه الحكاية، والناس في حكاياتنا أجمل من الأبطال الخارقين أيضاً وأكثر إبهاراً. ننظر إلى المشهد مرة أخرى، فنتفاجأ بشبان عاديين، عاديين تماماً، ولكن قادرين تماماً...