قبل ما يقرب من أربع سنوات، وعقب تشكيل "المجلس الرئاسي التخصصي للتعليم" برئاسة من أصبح بعد ذلك وزيراً للتربية، تمّ تدشين برنامج اطلق عليه اسم "المعلمون اولاً"، كان الهدف منه، بحسب المتخصصة التربوية الوحيدة فى المجلس، (وهي ترأس برنامج للتعليم المستمر بالجامعة الامريكية بالقاهرة التي يأتي منها أغلب اعضاء المجلس) الاهتمام بشؤون المعلمين وتدريبهم والتحاور معهم.
من الطبيعي، حينما انتقل رئيس المجلس الرئاسى ليتولى منصبه الجديد كوزير للتعليم، أن يأخذ مشروع "المعلمون اولاً" معه الى الوزارة. ولكن الغموض ظل يحيط بهذا المشروع، فليس هناك معلومات متداولة عنه وعن أهدافه وبرنامجه والقائمين عليه وتمويله وعلاقاته بالكيانات الرسمية الخاصة بالمعلمين...
"الخواجات "يطورون
منتصف الشهر الماضي، وعقب لقاء رسمي لوزير التعليم مع وفد تعليمي من دولة أوغندا يتعلق بتدريب المعلمين والاستفادة من خبرة مصر فى هذا المجال، صدر بيان رسمي وصحافي من الوزارة كُشف فيه عن ملامح المشروع وأهدافه. وأهم ما لفت النظر فى البيان كانت أسماء مديرو المشروع والمشرفون عليه: المدير أجنبي ونائبه وفريقه المعاون ايضاً كلهم أجانب وهم من تمّ الاجتماع بهم فى حضور الفريق الافريقي.
أثار الكشف عن أسماء الأجانب فى رئاسة مشروع تعليمي وصفه الوزير بأنه "مشروع تنفيذي لتطوير وتدريب سلوكيات مليون ونصف معلم مصر" لغط كبير فى الأوساط التعليمية والتربوية، لاسيما وأن مصر تمتلك العشرات من كليات التربية التى تغطي تقريباً كافة محافظات الجمهورية، وكل واحدة تضم المئات من اساتذة التربية فى مصر بجانب العشرات من العمداء والمديرين. بل أن مصر أنشئت منذ سنوات قليلة الأكاديمية المهنية للمعلمين، وهي المنوط بها طبقاً لحيثيات تأسيسها أن تكون الجهة الرسمية المسؤولة عن شؤون تدريب المعلمين والإشراف عليهم. ولذلك تساءل أساتذة التربية عن أهداف انشاء مؤسسات بديلة مثل برنامج "المعلمون اولاً" فى ظل وجود أكاديمية متخصصة ولها برنامج وموازنة.. كما لم يصدر بيان يوضح أسباب واهداف تعيين مدراء أجانب لتطوير سلوكيات المعلم!
يعود التعليم المدني الحديث والتدريب في مصر لما يقرب من قرنين من الزمن، وتحديداً الى عهد محمد علي الذي قام بإرسال البعثات للخارج. وهؤلاء وضعوا الخطط التعليمية وأنشئوا "ديوان المدارس" الذى اصبح بعد ذلك "وزارة المعارف" ثم "وزارة التربية والتعليم" بعد ثورة يوليو 1952.
في لجنة التربية بالمجلس الأعلى للثقافة ذَكّر البعض بتاريخ التعليم المدني الحديث والتدريب في مصر وهو يعود لما يقرب من قرنين من الزمن، وتحديداً الى عهد محمد علي الذي اهتم باعداد الخبرات المصرية وقام بإرسال البعثات منهم للخارج، وعندما عادوا الى مصر وضعوا الخطط التعليمية بل وأنشئوا ديوان المدارس الذى اصبح بعد ذلك وزارة المعارف ثم وزارة التربية والتعليم بعد ثورة يوليو1952، ولم يعرف للمشروعات التعليمية مدير أجنبي الا فى عهد الاحتلال الانجليزي لمصر الذي سيطر لفترة على مؤسسة التعليم قبل ان يجرى تمصيرها عقب ثورة 1919.
أسئلة عملية
قضية تدريب المعلمين هامة جداً لتطوير التعليم المصري. ولكن بجانب "تعديل سلوكيات المعلم"، هناك مسائل بالغة الالحاح، وعلى رأسها تحسين أوضاع المعلمين المادية الذين أصبحوا فى ذيل قوائم المرتبات فى الدولة، وجزء كبير منهم، ولاسيما الشباب والمدرسين الجدد، لا يحصلون إلا على الحد الأدنى للأجور، وهو ما يساوي اقل من 100 دولار شهرياً. ولذلك انتشرت الدروس الخصوصية كمورد رزق للمدرسين من جيوب أولياء الأمور، حيث يبلغ عدد الطلاب حوالى 18 مليون تلميذ، ما يمثل سوقاً اقتصادياً واسعاً. وقد بدأت الدولة منذ عقود فى الاستفادة منه لتمويل التعليم بتقليل إنفاقها عليه والتخلي تدريجياً عن المجانية الكاملة للتعليم. وكانت آخر القرارات هى رفع المصروفات الدراسية مع بداية العام الدراسي الحالي رغم الازمات الاقتصادية الصعبة التى يعيشها جزء كبير من المواطنين.
اقرأ أيضاً: تدريبات المعلمين في مصر.. رمية تخطئ الهدف!
يضاف الى ذلك أزمات جدية في البنية التحتية للتعليم تخص الاعداد الكافية للمدارس والفصول، والأدوات المساعدة للتعلم والشرح. كما يطرح سؤال يشغل بال الكثيرين: هل التدريب لأيام قليلة على يد الخبرة الأجنبية (وهي هامة) يعتبر قفزة للأمام في ظل وجود عائق اللغة بين مديري المشروع الأجانب وبين المدرسين. وكيف يكون البرنامج تنفيذي ويعهد به لأجانب، ولا يُكتفى بإشراكهم فى النقاش العام واقتراح الخطط للتدريب؟
من المعروف أن لدى وزير التربية الحالي أزمات مفتوحة منذ عدة شهور مع المعلمين الذين وصفهم بال"حرامية"، كما أن له رأي سلبي في التربويين وكليات التربية، بل وفي منظومة التعليم بأكملها، وأنه دائم الحديث عن "المشروعات البديلة الالكترونية"، وهي ــ وفق وصف رئيس لجنة التعليم بالبرلمان المصري لها ــ ما زالت أحلام فى رأس الوزير من دون أي خطط تنفيذية..