عن مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية
أثار مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح الأسبوع الماضي ضجة واسعة في جميع أنحاء اليمن والمنطقة. بصفته الشخصية الأكثر هيمنة على تاريخ البلاد خلال العقود الأربعة الأخيرة، سيكون لموته انعكاسات مدوّية. للمزيد حول آفاق الصراع الدائر ومصير البلاد بشكل عام بعد موت صالح، توجه مركز صنعاء إلى سبعة خبراء عن اليمن.
ميساء شجاع الدين | صحافية يمنية وزميل غير مقيم في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية
آفاق السلام مع الحوثيين المسيطرين على صنعاء
بينما تشتد قبضة القوات العسكرية الحوثية على صنعاء – بالتزامن مع زيادة الاعتقالات والقتل والرقابة على وسائل التواصل الاجتماعي والانترنت – تبدي الجماعة المزيد من الانفتاح على مختلف القوى الخارجية. ففي اليوم التالي لوفاة صالح، صرح رئيس المجلس السياسي الأعلى صالح الصماد بأن الحوثيين مستعدون للتفاوض مع السعودية.
يدل ذلك ظاهرياً على رغبة في التوصل إلى تسوية لإنهاء الحرب، بيد أن السيطرة المطلقة على صنعاء اليوم تعني أن أية تسوية سيقبل بها الحوثيين ستضفي على سيطرتهم القائمة بحكم الأمر الواقع غطاء سياسياً.
وبما أن السعودية تتعرض لضغوط كبيرة من حلفائها الغربيين، من المحتمل أن تقبل حلاً سياسياً يسمح لها نظرياً بحفظ ماء الوجه. قد لا تتواصل العمليات العسكرية الجارية على الساحل الغربي لليمن والمدعومة من قبل التحالف السعودي باتجاه داخل البلاد، إلا أن الحصار على صنعاء ومناطق السيطرة الحوثية سيشتد أكثر. وفي الوقت نفسه، لا يمكن للمعاناة الإنسانية الناجمة الحصار أن تشكل ضغطاً حقيقياً على الحوثيين، بل سترتد نتائجها العكسية على التحالف، ولا سيما السعودية.
اقرأ أيضاً: اليمن.. الإمعان في الحرب وإدارة العنف بأبخس الأثمان
من هنا فإن التسوية قد تكون قادمة، لكن البلاد أصبحت مقسمة ومفخخة طائفياً بشكل غير مسبوق، ومن غير المحتمل أن تستقر في المستقبل القريب حتى بعد انتهاء التدخل الإقليمي.
أما بالنسبة للآمال المعلقة على انتفاضة شعبية، فمن غير المرجح أن يحتشد الناس في ظل الإرهاق والجوع والقمع الحوثي الكثيف. لقد أضعفت الحرب قدرة الناس على المقاومة، خاصة في ظل الفراغ القيادي والتنظيمي الحالي. وعلاوة على ذلك فإن الجماعة الحوثية، رغم شبابها وتماسكها، قد تعاني قريباً من مفاسد السلطة المطلقة، كالتراخي والانتهازية وطبعاً الفساد. كما أن الغطرسة هذه قد تقوض آخر ما تبقى من شرعية أخلاقية يتغنى بها الحوثيون فيما بينهم، ما سيشكل ثغرة سانحة بالنسبة لخصومهم.
هيلين لاكنر | مؤلفة كتاب اليمن في أزمة: حكم الفرد والنيوليبرالية وتحلل الدولة
صعود وسقوط صالح
تمثل وفاة علي عبد الله صالح في 4 ديسمبر 2017 نهاية حقبة لليمن، بل للمنطقة ككل. لقد كان آخر قادة القوميين العرب. وبغض النظر عن وجهات النظر المختلفة حول سياسته، أظهر صالح قدرات استثنائية على المناورة السياسية خلال أكثر من 30 عاماً، انتهت به كأطول فترة حكم في تاريخ البلاد الحديث. ولم يقم خلالها فقط بمساومة تعقيدات البنى الاجتماعية اليمنية – تسهيل صعود وسقوط مختلف الطبقات، والمكونات غير القبلية، والقبائل المختلفة، والهاشميين – بل تمكن أيضاً من إدارة نظام جمهوري في شبه الجزيرة العربية التي تسود فيها الملكيات المطلقة. وقد قام بذلك مع احتفاظه بأوراق الاعتماد القومية في مواجهة تيار الإسلام الإسلامي الصاعد في المنطقة، ومع محافظته على علاقات متوازنة بين الشرق والغرب خلال حقبة الحرب الباردة. وأخيراً، بعد انتهاء الحرب الباردة، استطاع صالح الحفاظ على قدر كبير من الاستقلال عن سيطرة الولايات المتحدة مع إعطاء الانطباع بأنه يدعم جهود “الحرب ضد الإرهاب” بدءاً من عام 2001. إن قدرته على إدارة هذه المصالح المتناقضة والمتضاربة جديرة بالاحترام بل والإعجاب.
عندما أصبح صالح رئيساً للجمهورية العربية اليمنية عام 1978، بعد اغتيال اثنين من أسلافه، لم يكن أحد يتوقع له أن يدوم أكثر من بضعة أسابيع. وبعدما وصف في بداية عهده بأنه شخص قروي شبه متعلم، سرعان ما أثبت أن القراءة والكتابة والتعليم الرسمي ليست مؤشرات حقيقية على الكفاءة والمكر السياسي. وقد مضت الآن سنوات كثيرة منذ آخر مرة أشار أحدهم إلى نقص مؤهلاته الأكاديمية. لم يحافظ صالح على حكمه فحسب، بل زاد قبضته على البلاد، وأثبت أنه لا شيء يمنع شخصاً “شبه متعلم” من العمل الحاد والفعال: طاقته المذهلة على تذكر أسماء ووجوه والتواريخ الشخصية للناس كانت أحد الأسباب المقترحة مراراً لتفسير نجاحه.
اقرأ أيضاً: حروب السيد والشيخ في اليمن
في السنوات الأولى من رئاسته، نجا صالح ليس فقط من محاولات اغتياله، بل أيضاً من هزيمة عسكرية مني بها في حرب 1979 ضد جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (اليمن الجنوبي). وقد أنشأ عام 1982 حزب المؤتمر الشعبي العام، وضم شبه الحزب هذا شخصيات مؤثرة من مختلف الأطياف السياسية يجمعها شرط واحد فقط، هو الولاء لشخص صالح، مقابل مكاسب عملية يمكنهم بها تنفيع أنفسهم أو مجتمعاتهم وأتباعهم. في الوقت الذي منعت فيه الأحزاب السياسية، كان هذا الحزب مؤسسة لحشد الدعم وتحييد معظم أطياف المعارضة، حيث ضم صالح إليها العديد من المعارضين، بمن فيهم بعض أعضاء الجبهة الوطنية الديمقراطية الذين كانوا قد استفادوا من دعم اليمن الجنوبي في حرب 1979.
بعد عام 1990، نجا المؤتمر الشعبي العام وازدهر في جمهورية اليمن الموحدة، حيث أصبح حزباً سياسياً رسمياً وتوسع في المحافظات الجنوبية. ولم يكن غياب البرنامج السياسي الواضح عائقاً أمام نمو الحزب، فقد كان في المقام الأول أداة لمنظومة محسوبيات صالح، وقد استخدم لتوزيع المكاسب عند الضرورة. في الواقع. وفي الواقع قام حكام آخرون باستنساخ النموذج، فالسلطات السودانية على سبيل المثال لم تكلف نفسها حتى عناء تغيير الاسم.
لو أنه تقاعد بشرف في عام 2012، ربما لتذكر عدد أكبر من الناس بعض إنجازاته، كتوحيد وتحديث البنية التحتية لليمن. إلا أن غضبه وإحباطه من عملية الإطاحة به دعته إلى تحالف بغيض بشكل خاص مع أعدائه السابقين (الحوثيين) والذي أضعفه تدريجياً إلى أن فقد حياته في نهاية المطاف. ومنذ تدخل التحالف السعودي في آذار / مارس 2015، تركز دور صالح في تدمير الكثير مما كان هو قد بناه في المقام الأول، سواء البنية التحتية أو قدر من التماسك الوطني في بعض أجزاء البلاد على الأقل.
كان صالح عنصراً حاسماً في حياة جميع اليمنيين، بل معظم الأجانب المشاركين في اليمن منذ عقود. وقد أثبتت المظاهرات الجماهيرية التي جرت في آب / أغسطس الماضي بمناسبة مرور 35 عاماً على إنشاء المؤتمر الشعبي العام أنه لا يزال يحظى بتأييد شعبي مثير للإعجاب في البلاد، على الرغم من الجوانب السلبية لحكمه. وسوف يستمر إرثه في التأثير على الحياة السياسية والمجتمع اليمني لفترة ما في المستقبل.
جميلة علي رجاء | دبلوماسية يمنية ومديرة في استشارات اليمن
تمكين الحوثيين
بغض النظر عن الصدمة والاشمئزاز والغضب المصاحب لمقتل صالح بطريقة وحشية، لن يكون لموت صالح تأثير كبير على آفاق التوصل إلى اتفاقية سلام وإنهاء الحرب على المدى القصير. السبب أن الحوثيين هم الحزب المسؤول أساساً عن وقف المفاوضات السياسية والدبلوماسية، منذ نهاية الجولة الأخيرة من محادثات السلام برعاية الأمم المتحدة في الكويت قبل أكثر من عام، ولم يتم إحراز أي تقدم منذ ذلك الحين، على الرغم من الجهود التي بذلها المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد.
الآن، بعد وفاة صالح، يملك الحوثيون سيطرة كاملة على مؤسسات الدولة وإيراداتها وآليات صنع القرار فيها في شمال البلاد.
تتجلى النشوة الحوثية الناجمة عن الانتصار على حليف الأمس القريب وعدو الأمس البعيد في مظاهر الفرح بالانتقام أخيراً لمؤسسهم القتيل حسين بدر الدين الحوثي. ستواصل حركة الحوثيين وميليشياتهم العمل على بناء دولة بوليسية تقمع أي تعبير سياسي معارض. وعلى الرغم من استعدادهم للعودة إلى مفاوضات “ندية”، كما ذكر رئيس المجلس السياسي الأعلى صالح الصماد، إلا أن قادة الجماعة العسكريين سيتكفلون بإفشال هذا المسار.
يراهن الحوثيون على عدم إمكانية الحسم العسكري، نظراً للتكلفة الإنسانية الهائلة التي ستترتب على ذلك والتي لن يسمح بها المجتمع الدولي. لقد أثار تصعيد الغارات الجوية التي شنتها قوات التحالف السعودي في صنعاء ومناطق أخرى بعد وفاة صالح قلقاً واسعاً بين حلفاء التحالف الغربيين.
اقرأ أيضاً: تدحْرُج "العربية السعيدة" إلى الجحيم.. صفقات صالح السريّة
وعلى الصعيد العسكري، بغض النظر عن مصير نجل شقيق صالح (طارق محمد عبد الله صالح) – وتشير الدلائل إلى أنه ما يزال على قيد الحياة – هناك توقعات متزايدة بانضمام بقية أفراد الحرس الجمهوري إلى ميليشيات الحوثيين، باستثناء أولئك المقيمين في تعز. في الوقت نفسه، لم يتغير الوضع العسكري إلا قليلاً على الجبهات الهامة في منطقتي نهم والمخا، شرقي صنعاء وغربي تعز على الترتيب، على الرغم من تحقيق مكاسب ميدانية على يد القوات الحليفة للحكومة الشرعية في الخوخة ومأرب وشبوة.
يراهن الحوثيون أيضاً على أن المواطنين والقبائل الخاضعين لحكمهم سيكونون أكثر طواعية بعد وفاة صالح. لم يعد الجنوب محط اهتمام الحوثيين، إلا أن الأخيرين يشاطرون العديد من القادة الجنوبيين الرغبة في طي صفحة الرئيس اليمني المعترف به دولياً عبد ربه منصور هادي؛ وقد يشمل ذلك تقسيم اليمن إلى إقليمين أو دولتين.
في الوقت نفسه، يبدو أن حزب المؤتمر الشعبي العام صالح في طريقة إلى أزمة. تدل تحركاته واجتماعاته وبياناته على انشقاق مرتقب داخل الحزب، بين الفصائل العاملة على الأرض في اليمن (وخاصة صنعاء) حيث سيضطر أعضاء الحزب إلى التحالف مع الحوثيين، والفصائل الأخرى المقيمة في الخارج، ولا سيما في الرياض، بالنظر إلى المناورات السياسية الجارية هناك. وقد ينشأ أيضاً فرع ثالث محتمل، وهو ما تعبر عنه قناة “اليمن اليوم” التلفزيونية التابعة للمؤتمر الشعبي العام، والتي تبث الآن من صنعاء والقاهرة والرياض. في الوقت نفسه، لا يزال وضع أحمد علي صالح، نجل الرئيس الراحل، قيد المناقشة في الإمارات، بحضور أطراف أخرى من القاهرة والرياض.
بيتر سالزبوري | زميل استشاري أول في شاتام هاوس، وزميل غير مقيم في معهد دول الخليج العربي في واشنطن
الحوثيون دون صرّافهم
ما يزال غامضاً مدى قدرة الحوثيين المستقبلية على تمويل حربهم بشكل مستدام بعد وفاة صالح. خلال فترة حكمه البالغة 33 عاماً في السلطة، أنشأ الرئيس السابق شبكة كبيرة من المحسوبيات التي أغنت حلفاءه، وبالطبع أغنته هو شخصياً. تم تخزين كميات هائلة من الأموال المكتسبة بطرق غير مشروعة في ملاذات ضريبية وولايات سرية في الخارج، مخبأة باسم شركات وصناديق وهمية. ومنذ بداية الحرب، تمكن صالح ودائرته الضيقة من الوصول إلى تلك الأموال، والتي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات.
منذ بداية الحرب الراهنة أواخر عام 2014 – أوائل عام 2015، حدد فريق خبراء تابع للأمم المتحدة عشرات ملايين الدولارات التي يملكها آل صالح ويتم تحويلها داخل شبكته المالية. وقد ذكر الفريق الأممي أن خالد علي عبد الله صالح، نجل الرئيس السابق، غسل ما يقرب من 84 مليون دولار من خلال حساب مصرفي في الإمارات خلال أسبوع واحد في عام 2014، في حين ذكر أن حليف صالح الشهير، رجل الأعمال شاهر عبد الحق، قام بنقل حوالي 3 ملايين دولار إلى شركة ريدان للاستثمارات المحدودة، وهي أداة مالية أخرى يملكها آل صالح.
اقرأ أيضاً: اليمن.. وقائع الأسبوع الأخير من حياة صالح
يدعي الحوثيون أنهم استولوا على مبالغ كبيرة من المال والذهب من منازل الرئيس السابق وأسرته، ويقولون إنهم سينقلون الأموال إلى فرع البنك المركزي اليمني في صنعاء لدفع الرواتب (على الأرجح المقصود رواتب المقاتلين وليس الموظفين الحكوميين) لكن ذلك سيكون ضخاً نقدياً لمرة واحدة. وبينما يمسك الحوثيون بمفردهم بتلابيب الأمور في صنعاء، ويقوم التحالف اليوم بتكثيف الضغط على شمال غرب اليمن، مخضعاً التحویلات النقدیة القادمة من إیران إلى تدقيق متزايد والشبكات المالیة الدولیة الخاصة بصالح إلى تفكيك نهائي.
لا تبدو قدرة الجماعة على استدامة نفسها مالياً واضحة. لقد عزز الحوثيون السيطرة على السلطات الجمركية والضريبية، وهم المستفيدون الرئيسيون من طرق التهريب الواردة، ولكن يبقى أن الحرب مسألة مكلفة.
ماجد المذحجي | المدير التنفيذي لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية
دكتاتور لا بديل له
كان علي عبد الله صالح دكتاتوراً حقيقياً، وبعد ثلاثة عقود قضاها كأشد رجال اليمن تأثيراً في تاريخ البلاد، يبدو أن العجلات التي أطلقها والطريقة التي لقي بها مصرعه سيصوغان شكل البلاد في المستقبل.
كان عهد صالح تعبيراً عارياً عن الواقعية السياسية، أي المناورة السياسية البراغماتية إلى أقصى الحدود، والتي تهدف قبل كل شيء إلى الحفاظ على السلطة. وبدلاً من تعزيز المصالح العامة تمكن صالح – أحد أدهى السياسيين العرب في العصر الحديث – من إحداث تحول جذري في بلد معقد مثل اليمن لخدمة مطامحه الشخصية.
من سدة الحكم، كان صالح في صراع دائم مع الناس العاديين وأحلامهم بحياة أفضل، ثم غادر هذا العالم دون أن يخضع للمحاسبة عن المعاناة التي تسبب بها. ومع ذلك فقد حزن الكثيرون على وفاته، حتى أولئك الأشد عداوة له؛ أولاً، لأنهم كانوا يأملون بأن ينقذهم من الحوثيين؛ وثانياً بسبب الطريقة الوحشية التي قضى بها.
لعل أشد الآثار الناجمة عن وفاة صالح ستتمثل في انهيار شبكات المصالح التي كان يستخدمها للحفاظ على سلطته، كتلك التي يجسدها حزب المؤتمر الشعبي العام. في غياب صالح من المرجح أن يتفكك هذا الحزب، ولن يتمكن لا أحمد علي عبد الله صالح ولا أي شخص آخر من آل صالح من تعويض وملء الفراغ الحاصل، على الرغم من رمزيتهم القوية بالنسبة لأنصار حزب المؤتمر. يحتاج المؤتمر الشعبي العام إلى أكثر من رموز الآن؛ فللبقاء على قيد الحياة السياسية يحتاج الحزب إلى قائد ذي ديناميكية شخصية وحضور فاعل وقدرة على بناء التحالفات واتخاذ المواقف المحسوبة واستغلال الظروف السائدة.
من الصعب التنبؤ بالطرف الذي سيرث تركته وسلطته، بما في ذلك الحوثيون الذين أسقطوه. سيتطلب استبدال صالح ما هو أكثر من مجرد القوة الغاشمة.
إيونا كريج | صحافية مستقلة وزميلة في مؤسسة أورويل
كش ملك للمعلم
بقي صالح ينظر إليه حتى النهاية في اليمن كلاعب “معلم”. كان يعشق التنافس السياسي المميت في معظم الأحيان في اليمن، وقد خاضه وفق القواعد التي قام هو نفسه بوضعها على مدى أكثر من ثلاثة عقود من الرئاسة. عندما التقيت به بعد تنازله عن الرئاسة لخلفه هادي عام 2012، كان واضحاً أنه رغم ادعائه التقاعد، مشدود إلى اللعبة السياسية بقدر انشداده إلى السلطة والمال اللذين حققهما بعد سنوات كثيرة من اللعب.
في اجتماعنا، تأرجح صالح بين الغضب والغيض ومن ثم الضحك حين ذكرت ابنه، أحمد علي، في الجملة نفسها مع حليفه السابق الذي أصبح خصماً علي محسن الأحمر.
عندما ذكر أن المذكرات التي كان يفترض أنه يعمل على كتابتها لن تنشر إلا بعد وفاته، لأنها ستحتوي الكثير من الأسرار، سألته إذا كان على الناس أن يخافوا يوم وفاته، لمعت عينا صالح وسرح قليلاً في الفكرة قبل أن يجيب ببرودة: “إن شاء الله”.
اقرأ أيضاً: عن استحداث وجه طائفي للحرب في اليمن
في أعقاب وفاة صالح – والتي تدل ظروفها على أنه قد تم استبداله كمحور للتكتيك الذي صاغه بيديه – يعمل الحوثيون على قواعد جديدة للعبة. وعلى الفور، تشير حملة الاعتقالات وأخبار القتل وحجب مواقع على الإنترنت إلى أن الحوثيين يحولون صنعاء إلى ما يبدو إلى “دولة” بوليسية مصغرة ويتصرفون بشكل مقلق. ما سيشهده اليمن بعد ذلك مفتوح على ما لا يحصى من السيناريوهات، كلها سيناريوهات غير مبشرة. فالأسبوع الذي مر على وفاة صالح والإيقاع الذي يسير عليه الحوثيون حتى الآن أمر مشؤوم لسكان العاصمة.
من وجهة نظر بعيدة الأمد، أتساءل كيف سيأتي التاريخ اليمني على واقعة مقتل صالح. هل سيؤدي قتله على أيدي الحوثيين إلى إعفائه من مسؤولية انطلاق الحرب؟
الأرجح أن يعتمد ذلك على من سيكتب هذا التاريخ وتحت سلطة من سيتم تدريسه لأجيال اليمن المستقبلية. كثيرون في البلاد، ولا سيما في الجنوب، سيجادلون بأنه حصل على قصاصه العادل. ما لا شك فيه هو أن ملايين اليمنيين الذين عاشوا بعد صالح تركوا الآن لجحيم من الحرب والمجاعة والمرض يلتهمهم، وأن صالح لعب دوراً أساسياً في كل هذه المأساة.
د. عبد الرحمن السقاف | الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني
على المجتمع الدولي العمل لتجنب الكارثة
قبل مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، كان اليمن يواجه ثلاثة سيناريوهات: استمرار الحرب الأهلية؛ التشطير كأمر واقع من دون اعتراف تام من قبل المجتمع الدولي؛ أو زيادة الزخم نحو وقف الحرب من خلال حل سلمي.
هذا السيناريو الأخير هو الأقل احتمالاً بين الثلاثة في الوقت الراهن. السيناريو الأرجح هو مزيج من التشطير المتداخل مع حرب أهلية لا يمكن وقفها ما لم تتكاتف جهود السلام المحلية والإقليمية والدولية المتماسكة.
يتطلب ذلك من المجتمع الدولي والجهات الإقليمية الفاعلة المنخرطة في الحرب مغادرة حالة التلكؤ السائدة تجاه إنهاء الحرب. لا يقف الوقت إلى جانب جهود الحل، ويحمل انقضاؤه مخاطرا كبيرة على السلام على مستوى المنطقة وحتى على المستوى الدولي نظراً لموقع اليمن الاستراتيجي.
اقرأ أيضاً: اليمن.. قصة الصراع بين رئيسَين