تغير شكل الحياة اليومية في المناحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية منذ الثورة الصناعية في أواخر القرن الثامن عشر وظهور المَيكنة واستبدال الإنسان بها. أخذ المنظرون والمحللون حوالي مئة عام حتى يرصدوا ويستوضحوا ما الذي تغير، وكيف تغير، وكيف أثّر ظهور الماكينات في السياسات الاقتصادية وعليه في تغيير الحياة اليومية. رصد وكتب فريدرك إنجلز ملاحظاته عن أحوال الطبقة العاملة في إنجلترا في النصف الأول من القرن التاسع عشر وتحديداً عام 1845، شهد نصه على مدى تدهور حالهم ومناطق سكنهم وبيوتهم، ووصف شوارعها وازقتها بصورة متناهية الدقة. كما رصد المخرج الروسي دزيجا فيرتوف بعدسته في فيلم "رجل بكاميرا متحركة 1929" صور مختلفة من شواهد الحياة المدينية والتغيرات الحداثية للمَيكنة في أربع مدن في الاتحاد السوفيتي. وحاول غيرهم من المنظرين والفنانين والكُتاب رصد التغيير ومراحله وسماته وفهم الزمن وخصائصه وكيف أثر في حياة الناس.
تقديم
منذ ذلك الحين تغير شكل المدن كثيراً، وهو تغيير يتبع رأس المال وحركته وسياساته. يؤثر الناس في المدينة وشكلها كما يتأثرون بها، لكن بقياس تأثير الناس في المدينة نجد أنه لا يقارن برأس المال والذي يرسم الحدود الجغرافية والخطوط الهندسية للمدينة وشوارعها وأبنيتها ومسارات حركتها. تطورت أشكال رأس المال وصوره كثيراً وانتقل اقتصاد مرحلة ما بعد الاستعمار إلى "نظريات التنمية" التي ارتبطت بالحداثة منذ بعد الحرب العالمية الثانية، وبدأت سمات الرأسمالية الجديدة، ومن بعدها الليبرالية والليبرالية الجديدة، وجميعها مراحل يتطور فيها شكل رأس المال ليصنع استثماراته من خلال الطبقات المهيمنة ويؤثر في شكل المدينة وحياة الناس.
ينسب لروث جلاس، المتخصصة في علم الاجتماع، والبريطانية الجنسية، لفظ Gentrification التي أطلقتها عام 1964. وكانت تعني أن الطبقات المتوسطة تغزو المناطق السكنية للطبقة العاملة. وهي الظاهرة التي أسميها "الإحلال العمراني الطبقي"، التي حدثت تدريجياً في مدينتي لندن ونيويورك منذ أربعينات القرن الماضي وحتى سبعيناته، وما زالت تحدث حتى يومنا هذا في معظم مدن العالم. كتب وحلل عدد من الجغرافيين والمختصين بالعلوم الإنسانية مثل ديفيد هارفي ونييل سميث تلك الظاهرة وربطوها مباشرة بالسياسات الاقتصادية وأشكال الرأسمالية الجديدة، وكيف تضْمن الاستثمارات الرأسية الربح السريع على حساب الطبقات العاملة والأقل فقراً بالاستيلاء تدريجياً على مساكنهم وطردهم وعزلهم. ويبحث المستثمرون عمن يستطيع أن يتكلف بمصاريف أعلى لزيادة أرباحهم. ويلجأ المستثمرون الى الاستثمار العقاري سواء بالتمليك أو بالإيجار، لأن المكاسب الربحية فيه أعلى وهي الأضمن. فكرة الإحلال العمراني الطبقي تعبر عن طرد "مباشر أو غير مباشر" لسكان منطقة ما، بغرض جلب طبقات أعلى لتحل محلها بسبب قدرتهم الشرائية الأعلى. عملية الإحلال العمراني الطبقي حدثت وتحدث بأشكال ومناهج مختلفة في مناطق حول العالم ولكنها تجتمع في أهدافها. والسؤال هنا: هل الطبقات، سواء المطرودة أم الجديدة المحتلة، هي في معزل عن الصراع الدائر في رأس المال؟ وكيف تشترك المجموعات المختلفة في المجتمع في هذا الصراع؟
كباب VS البط بالبرتقال
عملية الإحلال العمراني الطبقي بدأت في مصر منذ سبعينات القرن الماضي مع الانفتاح الاقتصادي الذي اتاح الاستثمار والصعود الطبقي المادي لصغار المستثمرين بفتح أسواق لأشخاص وإيجاد مهن لم توجد من قبل. صار شعار "راضيهم بقرشين"، على ألسنة العديد من صغار المستثمرين العقاريين والذي قرروا بهدف الكسب السريع والمضمون، إحلال عدد من المناطق في مصر التي تصاعد الطلب عليها مع تفاقم أزمة السكن. تم تجديد بعض المناطق التي احتوت عشش صفيح وتحويلها الى عمارات سكنية (في ضواحي الجيزة وبعض أطراف القاهرة). وفي مناطق أخرى تمّ إحلال البيوت والفيلات الصغيرة بتطور رأسي مثل ما جرى في أحياء الدقي والمعادي وغيرها. وهذا أيضاً حدث في عدد من محافظات مصر.
الصراع في عملية الإحلال العمراني الطبقي لا يقبع بشكل مختزل بين الغني والفقير، أو بين السلطة والشعب، أو القوي والضعيف، أو المثقف والجاهل، أو الخادم والمخدوم. فتلك الثنائيات تخلقها شعارات كي تعبر عن التضاد الصارخ. كما تخلقها لنا الدراما والصور السينمائية مثلما في مسلسل: "الراية البيضا" الذي صدر عام 1988، وهو مسلسل درامي مصري من تأليف أسامة أنور عكاشه، وإخراج محمد فاضل وفيه يدور الصراع بين فضة المعداوي تاجرة الأسماك وصاحبة الأملاك، ممن اغتنوا حديثاً، والسفير السابق مفيد أبو الغار حيث تريد الأولى أن تشتري فيلته لتهدمها وتبني عمارة سكنية ضخمة على أرضها. والقصة تحول محور الصراع الى ما بين الجهل والعشوائية أمام الثقافة والتراث، وهو صراع له أبعاده وإشكالياته التي تحتاج للتحليل بالتأكيد ولكن في سياق آخر. فتلك الثنائيات التضادية لا تساعدنا هنا في فهم تعقيدات الظواهر المجتمعية.
التعبير بشكل واضح عن مناهضة العنف الهيكلي من أجهزة الأمن تجاه المواطنين/ات، لا يمنع تلك الفئة من مناقضة نفسها والتعاطف مع رؤى الدولة في توفير "مدن الأحلام"، وهي تجد راحتها في أماكن مصممة خصيصاً لأجلها مثل المولات والسينمات في أبراج نايل تاورز على كورنيش بولاق.
أما المطروح هنا فهو إشكالية المسئولية في عملية الإحلال العمراني الطبقي. فهو ليس جرم إحدى تلك الطبقات تجاه الأخرى، بل بالأحرى هو صراع مستمر مع رأس المال وطبقاته الحاكمة. ففيه لا تأتي أسرة من طبقة أغنى لتطرد بشكل مباشر أسرة أفقر وتحتل مسكنها، لكن الأسرتان تتعرضان للضغط المادي نقسه، والصراع هو مع أسعار السوق ومحاولة التوفيق بين الدخول الشهرية لهم وبين سعر مسكنهم.. ولا ينحصر هذا الصراع الدائر بين المجموعتين من المطرودين والساكنين الجدد في علاقتهم برأس المال، بل يشترك المجتمع بأكمله ويشهد هذا الصراع ويكون جزءاً منه سواء بالاختيار الواعي أو غير الواعي.
الإحلال العمراني الطبقي قد خلق لأبناء وبنات جيلي من مواليد الثمانينات، ومن شرائح الطبقات المتوسطة من أبناء المهنيين ساكني المدن، مساحات للحركة والتجول في أماكن تتوافق مع ثقافتنا بشكل أو بأخر. تلك الطبقات التي كانت أفخم أكلاتها في الثمانينات والتسعينات الكباب المشوي وفي الألفينات احتقروه وتطلعوا للبط بالبرتقال ووجبات الكوردون بلو وبيتزا بابا جونز، وعندما يشتهون الكباب الأن يذهبوا في رحلة إلى عالم الشعبيات في السيدة زينب.
اقرأ أيضاً: عمران الخديوي السيسي
ولدقة أكبر، يجدر تقسيم أبناء جيلي إلى مجموعتين، مع الأخذ بالاعتبار أن ذاك التقسيم ليس حاداً وان المجموعتين تتقاطعان ثقافياً وسياسياً وإيديولوجياً. المجموعة الأولي وهم الأغلبية، تخرجوا من جامعات مصرية وحاولوا الالتحاق بالركب المهني للشركات الخاصة لضمان أجور معقولة نسبياً تلبية لمتطلبات الحياة، محملين بأعباء الأقساط الشهرية لامتلاك سيارة ومنزل في إحدى المدن الجديدة. وهم يتطلعون لمستوى معيشي يجعلهم يلحقون أبنائهم وبناتهم بمدارس دولية وأجنبية حتى يوفروا لهم بيئة يؤمنون أنها الأفضل في التربية والنشأة. وقد أخذوا تدريجياً في احتقار طبقات المجتمع الأقل وفي الانفصال عنها، بل يشعرون بالخطر والخوف من "هؤلاء الأوباش" الذين يسوقون "التكاتك" ويسمعون المهرجانات الشعبية ذات الكلمات غير المهذبة. يتعاملون مع "الأوباش" فقط لإرضاء ضميرهم الديني في معاملات الزكاة في شهر رمضان والأعياد، حتى يضمنوا الالتحاق بركب المتدينين المحافظين، والمحافظة على صور الإسلام الوسطي. تلك المجموعة ترحب بالإحلال العمراني الطبقي وترى فيه صور عظيمة ومناسبة للحياة ذات المظهر الحسن، وتباركه تحت مسميات التنمية والتطور والتحضر، وإن تسببت سياساته بالضرر بأهاليهم أو أقاربهم، فهم يقنعونهم بالتضحية من أجل الصالح العام، لاسيما وأن إمكانياتهم المادية تسمح لهم بإيجاد البدائل.
تناقضات.. تناقضات
المجموعة الثانية تتضمن أشخاصاً لهم انحيازات سياسية وأيدولوجية واضحة. ينحازون لمشروع سياسي له بعض المعالم ويحلمون بأشكال مختلفة من العدل في المجتمع. لديهم قدرات على نقد سياسات الدولة ومشاريعها ضد الطبقات العاملة والفقيرة وضد المجاميع غير الممكَّنة، بل ويطرح بعضهم أشكال مختلفة للحوكمة أملاً أن تستجيب الدولة لهم أو أملاً في مساحات فتحتها لنا جميعاً ثورة يناير 2011. لديهم هموم ترتبط بالحياة العامة ومحاولة إيجاد بدائل في ظل ما نحياه من ظلم وقهر من النظام السياسي الحالي. تتحرك معظم تلك المجموعات في مساحات مغلقة بشكل أو أخر حتى ينعموا ببعض الحرية في حياتهم الشخصية بسبب مواقعهم الثقافية والجندرية.
البعض من تلك المجموعة لديها الوعي الحقوقي حول التوافق بين أجندة انحيازاتهم السياسية والطبقية وآرائهم تجاه الإحلال العمراني الطبقي. أما عدد ليس بالقليل منهم فيتبنى بعض وجهات نظر المجموعة الأولى في تطلعها إلى مدينة "تشبه مدن العالم" وتمتلك من المظاهر المعمارية ما يتوافق مع الثقافة والفن، ولا يجد هؤلاء أي خجل في التعبير عن تأييدهم للإزالات القسرية لسكان المناطق الأفقر بدعاوى أنهم يشوهون شكل المدينة، وأنه لا مفر من تطوير هذا الشكل بنقلهم أو طردهم إلى أي مكان أخر. يعبرون بشكل واضح عن أنهم ضد العنف الهيكلي من أجهزة الأمن تجاه المواطنين/ات، ولكنهم يناقضون أنفسهم في تعاطفهم مع رؤى الدولة في توفير مدن الأحلام.
اقرأ أيضاً: عن الناس والعمل والعمران
تلك المجموعة تجد راحتها في أماكن مصممة خصيصاً لأجلها مثل المولات، والسينمات في أبراج نايل تاورز على كورنيش بولاق، أو المطاعم في المهندسين والزمالك، رغم أن معظم افرادها يأتون من مستويات مادية لا تسمح له بتناول الطعام في تلك المطاعم بشكل يومي. ولكن المواقع الثقافية والجندرية جعلت تلك المجموعة تضطر بألاّ تختلط بطبقات شعبية لعدم التوافق الثقافي في لغة الحوار والاهتمامات وتفاصيل الحياة اليومية.
أما على الجانب الجندري أو فيما يخص النوع الاجتماعي، فتحتمي العديد من بنات تلك المجموعة في البرجوازية لتقليل نسب التحرش والعنف الجنسي ضدها (ما لا يعني هنا أن العنف الجنسي لا يحدث لنساء الطبقات البرجوازية في مساحات حركتها)، ولكنه كنوع من اللجوء للحماية الطبقية وإثارة الذعر الطبقي للمتحرشين جنسياً من خلال التحرك في مساحات مغلقة ومحمية بعض الشيء، مثل التنقل في تاكسيات على نظام "أوبر"، وهي حماية ــ نسبية وليست مطلقة ــ ضمن قيم النيوليبرالية التي تضمن للسيدات نوعاً من العزل وتوفر نظاماً ما للشكوى. وإذا كنت شخصياً أنحاز للوجود والتسكع في المقاهي الشعبية التي تسمح للسيدات بالجلوس فيها والتدخين، لكني أضطر للجلوس في مقاهي وكافيهات مكيفة في أحياء أفخم حتى أنعم بوجود دورة مياه وجو مناسب للعمل، رغم إنها لا تتوافق مع طبيعة إنحيازاتي، لأن تلك المقاهي هي جزء لا يتجزأ من عمليات الإحلال العمراني الطبقي.
وسط القاهرة
يشترك العديد من أبناء هذا الجيل، وبالأخص من المجموعة الثانية، في مهرجان الـ"دي كاف" D-CAF، وهو مهرجان سنوي للفنون المعاصرة تقام فعالياته في منطقة وسط البلد بالقاهرة، ويستمر لمدة ثلاثة أسابيع من كل عام. بدأ المهرجان في عام 2012 وتقام عروضه في عدد من الأماكن في وسط البلد. بعض من تلك الأماكن اعتادت تلك النشاطات مثل الـ"تاون هاوس جاليري" في منطقة شامبيلون، ولكن بعضها الأخر تم تغييره كي يتوافق مع ظروف المهرجان، مثل ممر شارع الشريفين أمام البورصة المصرية. فأخلي في آذار/ مارس 2014 من البائعين خصيصاً للمهرجان كي تستطيع إدارة المهرجان الاستفادة من المساحة لصالحها. وبعد ذلك، في شهر تشرين الأول/ أكتوبر من العام نفسه، أجلي البائعين تماماً ومعهم عدد كبير من المقاهي. وحدث ذلك مع إفتتاح "كراج التحرير" بميدان التحرير ومنع السيارات من الانتظار في شوارع وسط المدينة، وهو ما أثر على طابع المنطقة وأدى لارتفاع أسعار إيجارات المحلات واختفاء مجاميع من طبقات أدنى لم يعد لها مكان في وسط البلد.
اقرأ أيضاً: فضاءات القاهرة بين الارتقاء والعسكرة
تتفق تلك السياسات المتبعة في منطقة وسط البلد على الخصوص مع الأجندة السياسية لنظام حكم عبد الفتاح السيسي بمعاداة جيل ثورة يناير وتقليل ترددهم على وسط المدينة الذي يحمل رمزية خاصة لهم. تعتبر هذه الحالة من مظاهر الإحلال العمراني الطبقي الصارخة، والإشكالية هنا لا تتمثل في لوم أو عتاب من يشارك في فعاليات ذلك المهرجان أو في حضوره، لأنه مساحة جديدة فُتحت لأجيال كثيرة. لكن التساؤل هو عن ماهية الإنحيازات السياسية والوعي بالتناقض بين التمتع بمساحات يفتحها الإحلال العمراني الطبقي، ليس فقط في السكن ولكن أيضاً في الثقافة والمساحات الترفيهية، والتي تأتي على حساب طبقات ومجاميع لا تملك اقتصادياً أن تقاوم طردها واحتلال مساحاتها، ولا يوجد لديها أي مساحة من الاختيار في تقبل أو رفض الطبقات الجديدة أو الاندماج معها.
افتتاح "كراج التحرير" بميدان التحرير، ومنع السيارات من الانتظار في شوارع وسط المدينة، أثّر على طابع المنطقة وأدى لارتفاع أسعار إيجارات المحلات واختفاء مجاميع من طبقات أدنى لم يعد لها مكان في وسط البلد
وكمثال لتوضيح الإشكاليات الجندرية وتقاطعها مع الإحلال العمراني الطبقي: نطالب الدولة ومحتكري رؤوس الأموال أن يكفوا عن خصخصة الممتلكات العامة مثل الشواطئ، لتحويلها لمنتجعات سياحية فاخرة تخص طبقات بعينها، وأنه يجب أن تظل بعض الخدمات الأساسية والمساحات الترفيهية مفتوحة لغير القادرين من طبقات الشعب المصري. في هذا المطلب توافق تام مع إنحيازتنا السياسة والطبقية وضد أجندة الاستثمار النيوليبرالي. هذا على الرغم من أن الشواطئ العامة ليست مساحة ترحيب بالنساء من السيدات غير محجبات اللاتي يرتدين زي السباحة المتعارف عليه (المايوه) لنزول البحر. ولأن السيدات المترددات على الشواطئ العامة القليلة المتبقية في مصر لا يرتدين المايوهات، فقد أصبح من المستحيل وجود شابات يرتدين زي البحر في تلك الشواطئ. وعليه، لكي ننعم ببعض البحر لبعض الأيام في الصيف نلجأ لشقق وشاليهات أصدقاء من عائلات ميسورة الحال بعض الشيء، في أماكن لا نتوافق معها طبقياً، لكن نتوافق مع ثقافتها والمساحة النسبية لحريتها الجندرية.
تحمل مظاهر الإحلال العمراني الطبقي جرائم مجتمعية واضحة وصريحة من الطبقات الحاكمة المهيمنة على مواقع القوى وأصحاب رؤوس الأموال ضد الطبقات الاكثر فقراً والاقل تمكيناً في المجتمع المصري. لا يمكن التعويل سياسياً وبأي شكل من الأشكال على المجموعة الأولى من أبناء جيلي في تغيير مواقفها، فمعظمهم ينحاز لسياسات الدولة، ما دامت تضمن لمواقعهم الرفاهية والأمان. أيدوا السيسي في 2013 وسياساته يلعنونه الآن لتدهور أوضاعهم الاقتصادية، لكنهم لن يخوضوا معركة ضد سياسته في الإحلال العمراني الطبقي، لأنها تخدمهم بأشكال مختلفة.
أما المجموعة الثانية، فالإشكاليات المثارة هنا تخص مواقعها السياسية والثقافية والطبقية والجندرية. لأنه على الرغم من وضوح البعض في مواقفه السياسة العمرانية، المنحازة للطبقات الاكثر فقراً والاقل تمكيناً، فلا بد من طرح التعقيدات التي تخص تلك الإنحيازات والتي تحدث بشكل يومي ولا يمكن تجاهلها لأنها تشكل جزء من المسئولية الأخلاقية والسياسية الخاصة بالجدل حول علاقة الناس بالمدينة وعلاقتهم الأوسع برأس المال. وعليه أتساءل كيف يمكن للمجموعة الثانية ــ وأنا جزء منها ــ أن تحتفظ بأجندتها السياسية وطموحاتها في فتح مساحات للحرية والعدالة الاجتماعية، وأن تتحاشى جرائم الإحلال العمراني الطبقي بخططه ومشاريعه التي تعتبر عدواً أساسياً لإنحيازتنا الطبقية؟ وكيف لا نشارك في احتلال مساحات طبقات أخرى ننحاز لها في مجمل أجندتنا السياسية؟
اقرأ أيضاً: مصر.. "الفراغ العام" بين الباعة الجائلين والشرطة