عندما قرّر سيادته أن يكتب مذكّراته، بعث خادمه شكبان ليشتري له أشهر كتب المذكرات والسير. حياته السياسية هي المغزى وفيها كل العبر لكل مبْتدئ في دنيا السياسة وبناء الأوطان. لذلك عقد العزم على اختيار عنوان يشير إلى عبقريته كسياسي لامع.
زمّ شفتيه ثلاث مرات ثم بسمل وطقطق أصابعه، تجشأ وتعوّذ وحوقل وكتب عنوانه المبدئي الأول.
هنا دخل شكبان وهو يحتضن بقچة كتب، ما يربو على ثلاثين كتاباً تكلّف في شرائها وجمعها من سوق الكتب.
بعثر كتب مذكرات "مشاهير السياسة" أمام عينيه. ذلك ما قاله شكبان، مذكرات مشاهير! فهذا هو المطلوب، أما البقچة فهي خطة أمنية، هو يعرف أن سيادته يمّوه كل شيء حوله بما في ذلك اسمه واسم خادمه، شكبان هو نفسه ليس شكبان ولن يكون كذلك إلا في حضرته.
أخذ سيادته يتصفح العناوين وهو يسدد عينيه من فوق نظارته. عندها صرخ بوجه خادمه وأمره بجمعها وحرقها.
اعتذرَ الخادم وهو يقول بأنه لم يجد في المكتبات غير مذكرات أصحاب حضرته في الحزب والبرلمان، ولم يجد مانعاً في جمعها. كل رفاقك يا مولاي كتبوا مذكراتهم إلا أنت. فلا تترك أنصارك ومريديك بلا مدد من فيوضات ذكرياتك.
قلّب كتب زملائه بطرف خنصره ثم صرخ بوجهه مرة أخرى وأمره بالخروج. استعاد سماحته وقاره متخذًا وضعية الكهل الذي يدوِّن موعظة للأجيال، واستدار وهو يكلم نفسه: قحط عناوين! يعني شنو "ذكرياتنا في الحك"، لو هذا كاتبلي "معراج الجكسارات"، أما صدك هزلت وخلا لها الجو فباضت وصفرت وذرقت، أكو واحد يسمي سيرة حياة حافلة بالنضال والمنافي والسجون.. يسميها "إبط المتأبطين في سيرة آخر التكنوقراطيين"..
شعر بأنه الآن أكثر ثقة من ذي قبل، هو إذاً بعد هذه الترهات أفضل كاتب لمذكراته من بين أقرانه، شطب على عنوانه السابق بعد أن تجرع من تلك العناوين ملعقة اعتداد بالذات وتشجع لاختيار عنوانه الأخير: "تَقشّفُنا".
(نصّ ورسم : مرتضى كزار)