"وعد بلفور" في سياقاته: مئة عام على التجزئة والاستعمار

وضع "وعد بلفور" اللمسات الأخيرة لعملية كانت قد بدأت منذ وقت طويل، ثم أخذت طابعاً رسمياً مع "مراسلات حسين – مكماهون" واتفاقية "سايكس بيكو". كانت تلك عملية تجزئة وتقسيم في ثلاثة فصول، بلغت خاتمتها مع الانتداب بعد ذلك بخمس سنوات.
2017-11-02

شارك
ضياء العزاوي - العراق

"إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية..".

 

آرثر جيمس بلفور، وزير الخارجية البريطانية، 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 1917، في رسالة إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد، أحد زعماء الحركة الصهيونية، حول تأييد الحكومة البريطانية إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين

 

وضع "وعد بلفور" اللمسات الأخيرة لعملية كانت قد بدأت منذ وقت طويل، ثم أخذت طابعاً رسمياً مع "مراسلات حسين – مكماهون" واتفاقية "سايكس بيكو". كانت تلك عملية تجزئة وتقسيم في ثلاثة فصول، بلغت خاتمتها مع الانتداب بعد ذلك بخمس سنوات.
ففي عام 1916، كانت بريطانيا قد وعدت بأن تعترف باستقلال العرب، في مراسلات حسين – مكماهون (بين السيد حسين بن علي، شريف مكة، وهنري مكماهون، المندوب السامي البريطاني في مصر، في الفترة من 1915 إلى منتصف 1916)، التي ساهمت في منح بريطانيا دوراً بارزاً في ساحة الشرق الأوسط. وباتّخاذ الحكومة البريطانية موقع المفاوض على أراضٍ خارج نطاقها، أكدت رؤيتها الاستعمارية التي تقوم على إعادة صوغ الأرض العربية وتجزئتها تبعاً لمصالحها ثم مصالح فرنسا. بل إنّ مفاوضات بريطانيا وفرنسا التي أفضت إلى اتفاقية "سايكس بيكو" كانت قد بدأت بالفعل بينما المراسلات لا تزال جارية.
وُقِّعَت الاتفاقية في 16 أيار/ مايو 1916. وعلى الرغم من استخدامها رطانة الاستقلال والحماية، كانت تقصد فعلياً تخصيص فرنسا بالسيطرة على جنوب شرق تركيا وشمال العراق وسوريا ولبنان، وتخصيص المملكة المتحدة بالسيطرة على الشريط الساحلي بين البحر ونهر الأردن (فلسطين) والأردن اليوم وجنوب العراق ومصر ومنطقة صغيرة من ضمنها موانئ حيفا وعكا، في حين أريد للقدس، بموجب الاتفاقية، أن تصبح منطقة دولية.
لكنّ فاعلاً آخر كان ينشط في الصورة، ساهم في وضع اللمسات الأخيرة لتجزئة المنطقة على أسس إقليمية وديموغرافية، وكرّس الفصل والعداء بين اليهود والعرب، مؤكداً النزعات التقسيمية والإقصائية لدى الإمبريالية الغربية كما لدى الصهيونية بوصفها حركة استعمار استيطاني.
فقد كانت المصالح الصهيونية قيد نقاش بين أعضاء الحكومة البريطانية منذ مطلع القرن العشرين. وكان المؤتمر الصهيوني السادس في عام 1903 قد رفض الخيار الأوغندي (اقتراح بريطاني يقضي بإقامة مستوطنات يهودية في أوغندا التي كانت جزءاً من الإمبراطورية البريطانية). لكن آرثر بلفور وونستون تشرشل، وكان كلاهما نائبين عن دائرة مانشستر، لم يكفّا منذ عام 1906 عن التعبير عن دعمهما للصهيونية ولـ"وطن محدَّد" لليهود. وقد اعتمد تشرشل فكرة "دولة يهودية قوية وحرة تكون مثل جسر يربط أوروبا وأفريقيا" في فلسطين.
إذاً، وعد بلفور كان حلقة في مخطط للتقاسم الاستعماري والتجزئة، تمثّل رسمياً في ثلاث وثائق صدرت قبل مئة عام من الآن: أولاً، مراسلات حسين - مكماهون التي أدخلت فكرة تجزئة المنطقة على أسس عرقية ودينية، ثم اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 التي هدفت إلى تقاسم الأراضي العربية في الإمبراطورية العثمانية بين الشركاء (فرنسا والمملكة المتحدة بموافقة روسيا القيصرية وإيطاليا)، وأخيراً وعد بلفور الذي منح حركة استعمارية حقوقاً في استيطان فلسطين وإقصاء السكان الأصليين.
في المقالات التالية تقدم الباحثة في تاريخ الصهيونية كوثر قديري قراءة في الوثائق الثلاث من منظور تداخلها وتفاعلها، بما يدلّ على أنَّ كلَّ واحدةٍ منها جزءٌ من عمليةٍ التجزئة الاستعمارية للشرق الأوسط.


1-    مراسلات حسين - مكماهون: عملية التجزئة في طورها الأول


2-    اتفاقيات سايكس بيكو: الطور الثاني من عملية التجزئة


3-    وعد بلفور في سياقه وتفاصيله



مقالات من العالم العربي

"شنكَال"؟

فؤاد الحسن 2024-12-23

لا يقبل الدين الإيزيدي الراغبين في الانتماء إليه، الذين لم يولدوا لأبوَين إيزيديين. وهو بذلك، كديانة، ليست تبشيرية، ولا نبي أو رسول للإيزيديين، وهذا ما يجعل علاقتهم مباشِرة مع خالقهم،...

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.