عن مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية
بشرى المقطري
ملخص تنفيذي
ساهم صعود الميليشيات السلفية في مدينة تعز في التفجر الدوري للعنف بين فصائل تبدو ظاهرياً مؤيدة للحكومة الشرعية. كما ساعد في تغذية بيئة مولّدة للجماعات المتطرفة مثل تنظيم القاعدة. من المرجح أن هذه التطورات، ما لم تعالج بشكل مباشر، ستستمر في التسبب بالمزيد من الاضطرابات في المدينة، وفي المحافظة ككل، قبل التوصل إلى أي حل محتمل للنزاع الأكبر الدائر في اليمن.
رغم شهرة تعز كمدينة ذات نزعات سياسية يسارية، إلا أن الحضور السلفي تنامى باطراد خلال العقود القليلة الماضية. إلا أن الأتباع المحليين لهذا المذهب الشديد المحافظة من الإسلام السني كانوا، قبل انتفاضة اليمن عام 2011، يرفضون السياسة بالمطلق ويركّزون في نشاطاتهم على العمل الخيري. بعد الاحتجاجات العارمة ضد حكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح، اختلف الزعماء السلفيون حول دعم الحركة الاحتجاجية. انقسمت الجماعات السلفية أكثر حول المشاركة في عملية الانقتال السياسي بعد تنحّي صالح.
أدت الحملة العسكرية التي شنها المقاتلون الحوثيون عام 2013 على بلدة دماج –وهي الحصن السلفي الوحيد في المحافظة ذات الأكثرية الحوثية– وما تلاها من تهجير قسري للسلفيين إلى إشعال غرس أولى بذور العسكرة في صفوف السلفيين في البلاد. ثم أدى الحصار الحوثي لمدينة تعز، والذي بدأ في 2015، إلى صعود جماعات المقاومة المحلية المسلحة؛ وقد كانت أبرز هذه الجماعات ثلاثة تكتلات ميليشيوية سلفية.
اقرأ أيضاً: تعـــز.. مكـــان اليمـــن المميّـــز
أدى اختلاف ولاء هذه الميليشيات لحزب الإصلاح –المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين في اليمن– بالإضافة لندرة الموارد المحلية إلى تنافس محموم وصراع أخذ منحى عنيفاً فيما بينها. وقد ساعد التحالف السعودي الذي تدخل في النزاع اليمني، ولا سيما دولة الإمارات، على تغذية هذه التنافسات عبر توفير الأسلحة والتمويل بشكل امتيازي للميليشيات غير المرتبطة بحزب الإصلاح. كذلك انقسم الجيش اليمني النشط في تعز حسب ارتباطاته بحزب الإصلاح. أدت هذه العوامل، إلى جانب غياب مؤسسات الدولة الفاعلة والخدمات العامة، إلى نشوء بيئة أمنية مضطربة للغاية وجد فيها تنظيم القاعدة فرصة للنفوذ والتوسع.
الأهم من ذلك أن العوامل التي تقوض الاستقرار في تعز آخذة في الانفصال عن المعركة الأكبر ضد القوات الحوثية وحلفائها. يترتب على ذلك أنه ينبغي غالباً على الجهات الوطنية والدولية أن تنخرط بشكل مباشر في تعز إذا ما أرادت تحقيق الاستقرار في أي سيناريو أوسع تسير فيه البلاد بعد انتهاء النزاع.
تعز: تاريخ من الانشقاق
تعد مدينة تعز ثالث أكبر مركز حضري في اليمن بعد صنعاء وعدن، في حين تعد محافظة تعز أكبر محافظات في اليمن من حيث عدد السكان. تقع محافظة تعز في وسط اليمن، رغم أنه بحسب القسمة التي تحدد الديناميات الاجتماعية والسياسية للبلاد بين شمال وجنوب، كانت تعز تقليدياً جزءاً من الشمال. يتمتع أهالي تعز، الذين يشار إليهم محلياً بـ”التعزيين”، بالحيوية المدنية والسياسية التي عرفوا بها طوال تاريخ اليمن الحديث. ترجع هذه الحيوية إلى وعيهم وسخطهم على التهميش السياسي الذي تفرضه عليهم النخبة السياسية والقبلية في شمال اليمن، والتي يسعى التعزيون عادة إلى التمايز عنها.
عاش شمال اليمن لعدة قرون في ظل نظام استبدادي ديني هاشمي ذي أصول زيدية شيعية عرف بنظام (الإمامة) حكم الشمال اليمني من المرتفعات الشمالية. إلا أن غالبية التعزيين ينتمون إلى المذهب الشافعي السني، وقد حرمواً تاريخياً من أي مشاركة حقيقية في دوائر صنع القرار رغم ارتفاع مستويات التعليم والإلمام بالقراءة والكتابة في صفوفهم.
وقف معظم التعزيين إلى جانب الثورة الجمهورية عام 1962 التي أطاحت بالإمامة، وحاربوا إلى جانب الجمهوريين ضد الملكيين خلال الحرب الأهلية التي تلت الثورة بين 1962 و1970، كما تصدّوا لمحاولات استعادة الإمامة. عام 1968 حدث انقسام داخل المعسكر الجمهوري بين اليساريين، وكثير منهم تعزيون، والمحافظين من أبناء المحافظات الشمالية لليمن. بقي المعسكر الأخير مهيمناً على السياسة اليمنية لعقود، خاصة بعد أن أصبح علي عبد الله صالح رئيساً للشمال عام 1978، في حين لم يتوقف عداء التعزيين للنخبة السياسية والقبلية الشمالية خلال 33 عاماً من حكم الأخير.
اقرأ أيضاً: عن استحداث وجه طائفي للحرب في اليمن
لم تكن مظاهر معارضة ومناهضة صالح والمؤسسة السياسية مجرد نتيجة للإرث اليساري في تعز. فقد كانت المحافظة ساحة مشهودة للمحافظة الدينية أيضاً. فمنذ تأسيسه عام 1990، تمتع حزب التجمع اليمني للإصلاح، المعروف شعبياً بـ”الإصلاح”، بدعم قوي من القواعد الشعبية في تعز. يتألف الإصلاح من طيف واسع من الفصائل الإسلامية المعتدلة والمتطرفة، بما في ذلك عناصر إخوانية ووهابية وسلفية. في وقت لاحق سيصبح الإصلاح اللاعب الأبرز في ائتلاف أحزاب المعارضة المعروف بـ”تكتل أحزاب اللقاء المشترك” والذي سعى إلى تحدي صالح وحزبه “المؤتمر الشعبي العام”. يذكر أن العديد من الأحزاب المعارضة تشكلت أصلاً في تعز في ستينات القرن الماضي، قبل أن يتشكل اللقاء المشترك في وقت لاحق.
جذور الحركة السلفية في مدينة تعز وطريقة عملها
تشكل المجموعات السلفية المختلفة، والتي تزايد حضورها في تعز مع الوقت، دليلاً آخر على التنوع الاجتماعي-السياسي والديني في المحافظة. ومع انتشار السلفيين في تعز، بدأ نشاطهم الملحوظ في مختلف أجزاء المدينة، حيث ساهموا في أعمال خيرية محلية – وهي السمة التي عرف بها النشاط السلفي اليمني تاريخياً. كانت هذه السمة واضحة بشكل خاص لدى السلفيين المرتبطين بجمعيتي “الحكمة” و”الإحسان” للحركة السلفية – المعروف عنهما السخاء المالي.
أدى تنامي حضور الجماعات السلفية في تعز إلى ازدياد التنافس فيما بينها. كما تنافس سلفيو تعز مع عدة جماعات دينية مكرّسة، كالصوفيين الناشطين في مدينة تعز وقراها النائية، وباستثناء أعضاء جمعية الإحسان المقربين من الإخوان المسلمين في اليمن، بقيت العلاقة بين السلفيين والصوفيين في تعز متوترة. وهو ما يمكن تفسيره جزئياً بتأثير تعاليم مؤسس الحركة السلفية اليمنية (مقبل الوادعي) على سلفيي تعز. يعتبر مؤسس الحركة السلفية في اليمن مقبل الوادعي وتعاليمه مسؤولة على الأقل جزئياً عن هذه النزعات الطائفية في تعز.
أثر الانتفاضة على تعز والسلفيين في اليمن
عام 2011 تسبب الربيع العربي بعدوى الاضطراب الاجتماعي في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. في اليمن تصاعد التوتر في مدينتي تعز وصنعاء إلى أن تمظهر في الشارع عبر احتلال عشرات آلاف الشباب والناشطين الساحات العامة ومطالبتهم بتنحي صالح. وفي حين كانت صنعاء في قلب الأضواء الإعلامية، في وقت تكشف فيه تنازع النخب على السلطة بين صالح وخصومه والذي كاد يودي باليمن في أتون حرب أهلية، اعتبر كثيرون مدينة تعز قلب انتفاضة 2011. فقد كانت الاحتجاجات في تعز الأبكر والأكبر، وقد حافظت على زخمها رغم القمع الوحشي الذي تعرضت له على يد قوات صالح الأمنية.
في ظل الاحتجاجات المطولة والعنف المتقطع، احتار قادة الحركة السلفية اليمنية حول أفضل سبل التعامل مع تغير المشهد السياسي. أدى استمرار المعارضة لصالح إلى تشكيك بعض أعضاء الحركة السلفية بأحد مبادئها: عدم جواز الخروج على الحكم القائم. أما السلفيون التقليديون ممثلون بالشيخ السلفي اليمني البارز يحيى الحجوري، فقد رأوا أن الاحتجاجات المناهضة لصالح عصيان غير مقبول. كان هذا الموقف مرتبطاً بالمفهوم الإسلامي لـ”ولي الأمر”، حيث يتوجب على الرعايا الطاعة التامة لحاكمهم، وبالإضافة للاعتقاد بضرورة ابتعاد الحركة السلفية عن السياسة. كان الحجوري يرأس معهد دار الحديث في بلدة دماج الصغيرة في محافظة صعدة شمال اليمن، ويعتبر البعض هذا المعهد الموطن الأيديولوجي للحركة السلفية اليمنية.
بالمقابل قرر زعماء سلفيون آخرون ينتمون إلى جمعيتي الحكمة والإحسان، كالشيخ عبد الوهاب الحميقاني، أن هناك حاجة ماسة لمشاركة السلفيين في المعترك السياسي اليمني. في آذار/مارس 2012، شكل الحميقاني أول حزب سياسي سلفي في اليمن (حزب اتحاد الرشاد)، بعد شهر من تسليم صالح الرئاسة –على مضض– لخليفته عبدربه منصور هادي ضمن الاتفاق الذي توسطت فيه دول الخليج ومنحه الحصانة من الملاحقة القضائية على خلفية استخدامه العنف المسلح ضد المتظاهرين. تأسس الحزب رسمياً بمؤتمر استمر ثلاثة أيام عقد في مدينة صنعاء، وقد جمع مختلف الزعماء السلفيين لمناقشة عمل الحزب وفقاً للأيديولوجيا السلفية.
يرى أنصار الحركة أن هذه الخطوة كانت ضرورية، وهكذا تم تبرير المشاركة في السياسة العامة والتخلي عن مبدأ الطاعة لولي الأمر منذ ذلك الحين. أثناء إشهار الحزب، قال أحد مؤسسي اتحاد الرشاد (الشيخ محمد البيضاني): “لقد قدم السلفيون في اليمن مساهمات كبيرة، وخاصة في الأعمال الخيرية، وقد حان الوقت للسلفيين أن يكون لديهم رؤاهم السياسية المتركزة في كيان واحد يمثل كل الفصائل السلفية”، إلا أن سلفيي دماج رفضوا تأسيس الحزب والمنطلقات المبرّرة له.
ذهب أعضاء حزب اتحاد الرشاد المؤسس حديثاً إلى حد المشاركة في أحد أبرز ركائز الانتقال السياسي المقرر، وهو مؤتمر الحوار الوطني. باختصار، سعى مؤتمر الحوار الوطني إلى الجمع بين مختلف الفعاليات الاجتماعية والسياسية في اليمن لإيجاد مخرج من الأزمة التي كانت تعم البلاد.
حصار دماج
كانت نقطة التحول الرئيسية التالية للحركة السلفية اليمنية في أغسطس / آب 2013، عندما تعرضت لهجوم مسلح من أحد أبرز خصومها الأيديولوجيين: الحوثيين. كان هدف الحوثيين حماية وتعزيز التشيع الزيدي، في حين وصل الأمر بخصوم الحوثيين حد اتهامهم بمحاولة استعادة حكم الإمامة الهاشمية التي سقطت عام 1962.
كان الحوثيون قد شاركوا في الاحتجاجات المناهضة لصالح، نظراً لمعاناتهم المطوّلة في عهده، ولا سيما السماح بإنشاء المدارس الوهابية السلفية في دماج التي أخذت تتكاثر بعد تولي صالح السلطة مباشرة. وقد ساهمت الجولات الست التي خاضها الحوثيون ضد القوات الحكومية برئاسة صالح بين 2004 و2010 بتجذير المعاناة وجعل الجماعة متمرّسة في القتال.
وبينما أعلن الحوثيون عزمهم على المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني وعملية الانتقال السياسي التي ستدوم عامين وتهدف إلى افتتاح عهد سياسي جديد، شاركوا في حملة عسكرية موازية شهدت توسع الجماعة خارج معقلها في صعدة. فمنذ منتصف عام 2013 وحتى كانون الثاني/ يناير 2014، واجه الحوثيون السلفيين المقيمين في دماج في محافظة صعدة، قبل اصطدامهم بالقوات القبلية التابعة للإصلاح وآل الأحمر في محافظتي الجوف وعمران المجاورتين.
اقرأ أيضاً: المناطق الوسطى في اليمن.. ضحيّة الجغرافيا والنزعة المدنيّة
ركزت حملة الحوثيين العسكرية ضد سلفيي دماج على معهد دار الحديث وطلابه. وندد الحوثيون بالمعهد باعتباره تهديداً وجودياً لهم، مستندين إلى مزاعم أنه يحتضن مقاتلين أجانب، وأن مسلحين سلفيين وكذلك أسلحة كانت ترسل إلى المعهد تحضيراً لهجوم محتمل على معقل الحوثيين الرئيسي. وفي نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول 2013، اشتد القتال بين الحوثيين والمقاتلين السلفيين الذين توافدوا على صعدة رداً على استهداف الحوثيين للمعهد. بعد ذلك بشهر، أعلنت اللجنة الرئاسية التي شكلها هادي للتوسط في النزاع عن النقل الإجباري للطلبة غير المحليين المسجلين في دماج إلى محافظة الحديدة. وهكذا فر مئات السلفيين المحليين وغير المحليين من دماج، ولجأوا أساساً إلى صنعاء. لكن الكثيرين توزعوا أيضاً في أنحاء اليمن، بما في ذلك تعز ولحج والحديدة.
خلق قرار اللجنة الرئاسية شعوراً بمظلومية مضاعفة لدى السلفيين المجبرين على مغادرة دماج، لم يشعروا فقط بتخلي الحكومة الانتقالية عنهم وعدم تدخلها لصالحهم، بل شعروا أيضاً أنهم جرى بيعهم خلال تسوية سياسية حدثت بين الحكومة الانتقالية والحوثيين. وما يزال الشعور العميق بالخذلان والظلم لدى السلفيين المهجرين من دماج سائداً حتى اليوم، ولا سيما في محافظتي عدن وتعز. وقد لعب هذا الشعور دوراً في تأجيج عسكرة الحركة السلفية في وقت لاحق.
استمر التوسع العسكري الحوثي بعد موقعة دماج، وبلغ ذروته باقتحام صنعاء في سبتمبر / أيلول 2014، بمساعدة الحليف اللدود علي عبد الله صالح. ساعد التوسع العسكري للحوثيين من صعدة على إيقاظ النعرة الطائفية في اليمن، والتي كانت غائبة تاريخياً في المجتمع اليمني. فقد بدأ تنظيم القاعدة والجماعات الأكثر تطرفاً في الحركة السلفية اليمنية بتوظيف خطاب طائفي عنيف في تصريحاتهم العلنية وبتأطير التوسع والعدوان الحوثي ضمن صراع طائفي أوسع. أما بالنسبة للحوثيين فقد حاولوا تصنيف جميع خصومهم ضمن خانة واحدة هي خانة ألإرهاب والتطرف الديني السنّي.
ظهور الميليشيات السلفية
في سبتمبر / أيلول 2014 اجتاحت قوات الحوثي-صالح صنعاء واستمرت في التوسّع في مختلف أنحاء شمال اليمن. وضع الرئيس هادي قيد الإقامة الجبرية في العاصمة حتى تمكن من الفرار إلى عدن في فبراير / شباط 2015. في 25 25 مارس / آذار 2015، استولت قوات الحوثي-صالح على مدينة تعز. بعدها بيوم تدخل التحالف السعودي لدعم حكومة هادي المعترف بها دولياً.
كانت إحدى أولویات التحالف السعودي بعيد تدخله في النزاع الیمني تطھیرعدن من قوات الحوثي-صالح. وبعد انسحاب قوات الحوثي-صالح من عدن، أخذت معركة السیطرة علی تعز تكتسب أهمية استراتيجية متزايدة. تقع تعز في وسط اليمن (حوالي 205 كم جنوب صنعاء) وغالباً ما يشار إليها بأنها بوابة العاصمة، وخاصة من وجهة نظر عدنية. من هنا فإن تحالف الحوثي-صالح سعى بشدة للتحصن في مدينة تعز وفي المحافظة بشكل عام.
في البداية جاءت المقاومة المحلية ضد احتلال قوات الحوثي-صالح على شكل مظاهرات سلمية. لكن بعد مواجهة هذه المظاهرات بالرصاص أخذت المجموعات المسلحة بالتشكل. قاد أول تشكيلات المقاومة ضد الحوثي-صالح هو حمود المخلافي، وهو قيادي أمني محلي سبق أن قاد ميليشيات تابعة لحزب الإصلاح ضد قوات صالح خلال أزمة 2011.
اقرأ أيضاً: الرياض وإخوان اليمن.. العودة إلى ضبط المصنع
رداً على تشكيل المقاومة المسلحة المحلية، فرضت قوات الحوثي-صالح حصاراً خانقاً على المدينة، مستغلة سيطرتها على المعابر الرئيسية. ضيّق الحصار على مقاتلي المعارضة والمدنيين، فقطع عنهم الغذاء وإمدادات السلع والأدوية، في حين أخذت قوات الحوثي-صالح تقصف المناطق المأهولة بالسكان بين الحين والآخر.
وكما هو الحال في أماكن أخرى في اليمن، تم تجميع كافة الجماعات المسلحة المحلية في تعز والتي تمت تعبئتها لمقاومة الحوثيين وقوات صالح، ضمن المصطلح المشوش “المقاومة الشعبية”. كان حمود المخلافي يطلق على نفسه صفة “قائد الفرع المحلي للمقاومة الشعبية في تعز”. يعطي هذا المصطلح انطباعا خاطئا بوجود جبهة معارضة موحدة. ففي النهاية يغطي ذلك على المنافسات القديمة التي تقسم ما يسمى بالمقاومة الشعبية في تعز على فصائل تعمل بشكل مستقل عن بعضها البعض أحياناً، في حين تتنافس أو حتى تخوض صراعات مفتوحة فيما بينها أو بينها وبين ما تبقى من مؤسسات السلطة المحلية.
اقرأ أيضاً: الإمارات في اليمن والأدوار المثيرة للجدل
يضاف إلى المخلافي وميليشياته المناصرة لحزب الإصلاح ثلاث مجموعات مختلفة من الميليشيات السلفية التي ظهرت كلاعب رئيسي في الجهود المحلية المعارضة لقوات الحوثي-صالح في مدينة تعز. تتألف المجموعة الأولى مما يمكن وصفه بشكل فضفاض، بالسلفيين “التقليديين” وغير المسيّسين، والذين ينتمون إلى مدرسة دماج الفكرية وتعاليم الشيخ يحيى الحجوري. يقود هذه المجموعة عادل عبده فارع (المعروف أكثر باسمه الحركي أبو العباس) والذي انتقل إلى تعز بعدما درس في دار الحديث ثم أجبر على مغادرة دماج. رجال أبو العباس فاعلون بشكل كبير على الجبهة الشرقية للمدينة تعز، وغالباً ما يعملون عن قرب مع اللواء 35 مدرع بقيادة عدنان الحمادي.
تشمل المجموعة الثانية السلفيين المرتبطين بالإصلاح، يقود هذه المجموعة صادق مهيوب (والذي يعرف أيضاً باسم أبو الصدوق)، والذي انفصل عن فصيل (أبو العباس) ليشكل فصيله الخاص عقب نزاع مالي بين الاثنين حول إدارة الجبهة الشرقية. وعلى عكس مقاتلي (أبو العباس) لا يتركز رجال أبو الصدوق في منطقة محددة، وغالباً ما يقاتلون إلى جانب اللواء 22 مدرع التابع للجيش اليمني بقيادة صادق سرحان. وكان لأبي الصدوق علاقات وثيقة مع حمود المخلافي حتى مغادرة الأخير إلى السعودية في مطلع عام 2016. ومثل المخلافي يشتبه أيضاً في وجود علاقات بين أبي الصدوق وجماعة الإخوان المسلمين في اليمن.
يضم التكتل الثالث مجموعة من المقاتلين السلفيين من ميليشيات تدعى بـ(كتائب حسم). ينحدر هؤلاء المقاتلون أصلاً من خارج تعز، ولكنهم انتقلوا إلى المحافظة الوسطى للانضمام إلى العمليات القتالية الجارية ضد قوات الحوثي-صالح. ينتشر مقاتلو كتائب حسم على عدة جبهات في تعز، ويقودهم عدنان بن رزيق القميشي (المعروف أكثر باسم عدنان بن رزيق) . تشير تقارير إلى أن بن رزيق قاد عدداً من مقاتلي كتائب حسم في شبوة تحت راية قبائل لقموش، كما أنه قبل انتقاله إلى تعز حارب الحوثيين في محافظتي أبين وشبوة. وتفيد تقارير أخرى أن مجموعة كبيرة من مقاتليه هي خليط من السلفيين الذين أتوا من عدن، أو كانوا معتقلين سابقين لدى الحوثيين في تعز.