توفي الطيّب، ومع غيابه يتواصل الكسوف الثقافي. هو مثال حَيّ عن المستوى الذي قد تصبو إليه الثقافة المغربية: من تألق وإبداع وتمرد وجمال. لا يوجد من يضاهيه في معرفة كيفية بثّ الروح في إنتاجنا. نجح في جمع كل الروافد تقليدية، كانت أم تنتمي للإبداع الإنساني، وأضفى عليها نكهة لم يستطع عليها سواه. نجح في ذلك لأنه نتاج كل هذه الروافد بفضل ميراثه العائلي وتحصيله التعليمي وذكائه المبدع الذي يستمد قدرته من كل المصادر المتاحة له واللازمة ابتداءً من ساحة جامع الفنا في مراكش، مروراً بموليير، وصولاً إلى روائع الأدب العربي. هو أشبه بنحلة تتعطش لرحيق كل الأزهار فتتنقل بدون أحكام مسبقة في حقول ثقافات العالم.
سيرة الطيب تجسيد لعظمة وانحطاط حضارتنا في آن، فيه نرى القمم التي وصلنا إليها والهاوية التي نرزح فيها اليوم. هو ابن المدرسة الاستثنائية لفترة ما بعد الاستقلال التي أدخلت إلى قلوب أولادها حب المجازفة والفكر وزوّدتهم بالوسائل اللازمة. هو أيضاً ضحية الظلمة التي سادت من بعد، حين تآمرت طبقاتنا الحاكمة ومنظروها لكمّ أفواه الأبناء الذين كان لديهم ما يقولونه. مسار الطيب ليس مسرحاً فقط، بل هو الحياة، حياتنا وواقعنا المملوء بخيبات الأمل اليوم، لأننا نعرف ما فاتنا. هذا الرجل بسخريته اللامبالية كما يبدو ظاهريا، اللاذعة والصادمة، والمتشائمة أحياناً، هو انعكاس للظلمة المختبئة في دواخل كل واحدٍ منا، والتي كانت تحذّرنا منذ زمنٍ بعيد بأن السكاكين قد سنت ضد الإبداع غير المرغوب به هنا. هيّا أسدلوا الستائر أيها السادة واذهبوا للبحث في مكان آخر.
من صفحة محمد الناجي على فايسبوك