من عمّان إلى الخرطوم، نقلت مجموعة من الطائرات ما لا يقل عن 800 لاجئ سوداني، في الثامن عشر من كانون الأول/ديسمبر عام 2015، بعضهم «رُحّل» مكبّل اليدين، وبعضهم دون أفراد عائلته أو وثائقه الرسمية. جاء ذلك تنفيذًا لقرار الحكومة الأردنية القاضي بإعادة مئات اللاجئين قسرًا للسودان، عقب فضّ اعتصام مفتوح أقاموه أمام مقر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، للمطالبة بتحسين ظروفهم المعيشية والإسراع في إجراءات إعادة توطينهم.
القرار الحكومي الذي نُفّذ سريعًا، برره الناطق باسم الحكومة محمد المومني، في حينه، بأنه جاء بعد رفض المفوضية إعطاء المُرحّلين صفة اللجوء، رغم أن الأخيرة أكدت في تصريحاتها أن المعادين قسرًا يحملون صفة اللاجئ، إلى جانب وثائق اللجوء التي اطّلعت حبر على مجموعة منها.
بدأت القصة فجر السادس عشر من كانون الأول 2015، وهو اليوم الثلاثون لاعتصام السودانيين المفتوح، عندما حضرت الأجهزة الأمنية للمكان، وانتشرت إشاعة بين المعتصمين أن كندا فتحت أبوابها للاجئين، وأن هناك مأوىً كبيرًا دافئًا سيجمع كل السودانيين المعتصمين، وأن على الجميع الصعود للحافلات التي جاءت برفقة الأمن، فاتصل من كان يعتصم بمن كان نائمًا ساعة الفجر، واستعجله القدوم كي لا يفوّت الرحلة لكندا.
كان نور الدائم وتاج الدين وعليّ في خيم الاعتصام، أمّا الزوجان بابكر وحوّا، فكانا نائمين في منزلهما، ومثلهما عبد المعطي وإمام، لكن هؤلاء جميعًا استيقظوا على اتصالات مستعجلة من سودانيين آخرين يحثّونهم فيها على المجيء بسرعه للمفوضية، لأن السلطات الأردنية وعدت بحلّ لمشاكلهم. أمّا أحمد وزوجته حليمة فلم يسمعا هذه الأخبار، ولكنهما قدما إلى المفوضية لكي يجددا وثائق لجوئهما.
تجمّع الكل على باب المفوضية، وأمامهم الأجهزة الأمنية التي حضرت لفضّ الاعتصام، والحافلات التي اعتقدوا أنها ذاهبة للمأوى الكبير. لكنّ حلم كندا بدأ يتحوّل كابوسًا عندما قامت الأجهزة الأمنية بتقييد الرجال.
«ليش يقيّدونا إذا كان في حلّ؟»، سأل عبد المعطي صديقه، فأجابه الصديق «لإنه هذا مش حلّ».
توجهت الحافلات للمطار، حيث مكث اللاجئون في ساحة الشحن الجوي على مدار يومين تضاربت خلالها الأخبار حول نية الحكومة تجاه اللاجئين، قبل أن تبدأ الأردن عملية ترحيل جماعية للاجئين فجر الثامن عشر من كانون الأول، مستندةً لتصريحات السفارة السودانية في عمّان حول استقرار الحالة الأمنية بدارفور، وبالتالي زوال الخطر عن اللاجئين، بحسب ما نقلت وسائل إعلامية.
في ساحة الشحن الجوي فهم اللاجئون نية الحكومة الأردنية إعادتهم للسودان، فأغلقوا باب المستودع لمنع عملية الترحيل، ما أدى لاشتباكات مع الأجهزة الأمنية، أسفرت عن إصابات العديد من السودانيين جرّاء إطلاق الغاز المسيّل للدموع.
خلال تلك الأحداث، انفصلت حوّا عن زوجها بابكر ورضيعتها آيات، فأُعيدت الأم للسودان وحدها، وبقي زوجها وطفلتهما في الأردن. السيناريو ذاته تكرّر مع حليمة التي تركت وراءها زوجها وطفلتيها. أما عبد المعطي، فعاد إلى درافور بعد الترحيل إلى الخرطوم، لكنه قُتل دهسًا بعد عودته بثلاثة أسابيع على يد ميليشات الجنجويد، حسبما نقلت عائلته. بينما حاول نور الدائم وتاج الدين وإمام وعلي بدء حياة لجوء جديدة في أوروبا، نجح ثلاثة منهم في الحصول إليها، ومات نور الدائم غرقًا في البحر الأبيض المتوسط.
مقتطف من التحقيق التفاعلي "ما بعد الترحيل" المنشور على موقع حبر