اختارت السلطة في الجزائر أن تنهي بطريقة مفاجئة وسريعة مهام الوزير الأول المعيّن بعد الانتخابات التشريعية، عبد المجيد تبون، حال عودته من عطلة قضاها في فرنسا. سبق القرار أحداث عديدة كشفت عن صراع معلن بين الوزير الأول وبعض النافذين من رجال المال والأعمال، أبرزهم علي حداد الذي استطاع، حسب ما كشفته مصادر صحافية محلية، جمع عدد من المؤيدين له بعد حادثة "المدرسة العليا" للتضامن معه. وهو كان قد طُلب منه مغادرة قاعة الجامعة التي كنت تحتضن تظاهرة وطنية قبل وصول عبد المجيد تبون، الذي أعلن أمام قبة البرلمان إبعاد المال عن السياسة في الجزائر.
"منتدى رجال الأعمال" فهم كلام الوزير الاول على أنه موجه لعلي حداد ولمن يحاول الضغط على قرارات الحكومة في إدارة عدد من الملفات الهامة، ومنها ملف الاستثمار وتصنيع السيارات والسياسة الاقتصادية في البلاد التي ما زالت حبيسة تبعية كاملة للبترول.
إقرأ أيضاً: بوتفليقة.. الفساد والمباهون به والشياطين الخرساء
التغيير الحكومي الموسّع الذي جرى بعد الانتخابات التشريعية في الجزائر شهر أيار/ مايو فاجأ الأحزاب السياسية التي لم تكن تتوقع تعيين عبد المجيد تبون وزيراً أول (إذ كان المتداول هو الإبقاء على عبد المالك سلال رئيساً للحكومة)، وقد تبعته مفاجأة أخرى هي إنهاء رئيس الجمهورية لمهام تبون بعد شهرين ونيف، وتعيين أحمد أويحى الذي سبق له أن شغل المنصب..
فهل الأمر يتعلق بالسباق على الانتخابات الرئاسية التي ستنظم في 2019؟ أم أن السلطة لم يعجبها الارتياح الذي أبداه قطاع واسع من الجزائريين تجاه تعيين التكنوقراطي عبد المجيد تبون على رأس الحكومة، والقرارات السريعة التي اتخذها في زمن وجيز وكان لها طابع اجتماعي؟
هل قضى تبون على حكومته بعدائه لرجال المال؟
علي حداد، الشاب المقاول الذي أسس ما يسمى بـ"منتدى أرباب الأعمال" يحظى بمكانة غير عادية على الساحة السياسية العامة بالجزائر، إذ تُسخّر له مثلاً كل الترتيبات البرتوكولية على مستوى المحافظات ليشرف على تعيين ممثل له وللمنتدى.
اعتبر عدد من السياسيين أن إعلان الوزير الأول السابق عبد المجيد تبون من تحت قبة البرلمان عن القطيعة بين السياسة والمال يؤشر الى أن السلطة انزعجت كثيراً من توغل رجال المال، وبالاخص من رئيس منتدى أرباب الأعمال ذاك، وتصريحاته التي خلطت دوماً بين السياسي والاقتصادي.
التغيير الحكومي الموسّع الذي جرى بعد الانتخابات التشريعية في الجزائر فاجأ الأحزاب السياسية التي لم تكن تتوقع تعيين التكنوقراطي عبد المجيد تبون وزيراً أول. وقد تبعته مفاجأة أخرى هي انهاء رئيس الجمهورية لمهام تبون بعد شهرين ونيف..
وفيما اعتبر رئيس حركة مجتمع السلم المعارض، الدكتور عبد الرزاق مقري، أن صراع الحكومة مع رجال المال ليس إلا مناورة سياسية وقد لا يعبّر عن توجه حقيقي لمحاربة الفساد، أشار خبراء اقتصاديون الى أن تصحيح المفاهيم ووضع خطوط فاصلة بين السياسة والمال في العمل المؤسساتي والحكومي والسياسي في الجزائر يجب أن يترسخ، لأن غيابها أضر بالفعل بمصداقية المؤسسات وأحال المشهد السياسي إلى حالة من الفوضى، بل يتحدث البعض عن فشل ذريع للعديد من المشاريع الاستثمارية التي أنجزت في البلاد، ولم تأتِ بالمردودية المأمولة، وهو ما اعترف به عبد المجيد تبون الذي لم يترك فرصة أو مناسبة يلتقي فيها بالإعلام إلا وانتقد فيها بشكل صريح غير معهود نماذج سيئة من الاستثمارات الفاشلة التي قام بها رجال الأعمال في الجزائر التي تعيش منذ عام 2014 أزمة اقتصادية صعبة، جراء تدني سعر البترول وفقدان الخزينة العمومية لنصف مداخيلها المالية.
توظيف المال في السياسة
علاقة المال بالسياسة في الجزائر لا تتوقف عند تدخل بعض رجال الأعمال والمال في شؤون الأحزاب والقطاعات الحكومية، بل تصل إلى استعمال المال في الانتخابات لفرض توازنات معينة، ما أضر بصورة الاستحقاقات الانتخابية في البلاد، إلى درجة اتساع عزوف الشباب خصوصاً، وقطاع واسع من المجتمع الجزائري عن المشاركة فيها، وآخرها الانتخابات التشريعية التي لم تتعد نسبة المشاركة فيها 35 في المئة، حسب ما أكده المجلس الدستوري. وقد كشفت جريدة جزائرية مؤخراً مستندة الى تقرير رسمي، أن واحداً في المئة فقط من الشباب الجزائري ينتمي لحزب سياسي. كما أن النمو السريع لمنتدى أرباب الأعمال وتأخر الحكومة السابقة في تحديد المسافات بينها وبين هذا التنظيم، الذي يقدّم نفسه كتجمع لممثلي المؤسسات الاقتصادية والصناعية ورجال الأعمال الحرة، جعل نفوذ المال وتمكن رجال الأعمال من نسج علاقات مع السلطة يتسع على حساب الإبقاء على الكيانات المؤسساتية الواضحة للدولة.
ولم يكن مفهوماً أن يتحدث منتدى لأرباب الأعمال في الجزائر عن العديد من قضايا الشأن العام السياسي والاجتماعي، ويعقِّب على أراء الساسة ورؤساء الأحزاب، بينما يفترض أن مهمته هي إنجاح مشاريع الاستثمار وتعزيز بنية الاقتصاد الجزائري.. بحسب ما يتداولونه في تصريحات أعضائه الإعلامية.
وعلاوة على ذلك فقد شارك هؤلاء بكثافة في الحملة الانتخابية الأخيرة. ويبدو أن السلطة قد أدركت أن انتشار المال في مجالات العمل العام في البلاد قد يزيد من الفجوة الموجودة أصلاً بين المؤسسات الرسمية والحزبية وبين الجزائريين عموماً، الذين يبقى مستوى طبقاتهم الاجتماعية المتوسطة متدنياً وغير مستقر، على الرغم من ارتفاع أجور المستخدمين والموظفين خلال السنوات الخمس الماضية.
هناك ارتباك مؤسساتي بدأت تشهده البلاد يظهر في إحداث تغييرات جذرية في مؤسسات الدولة، كتغيير المحافظين والوزراء والمدراء المحليين.. من دون أن يتغيّر الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للبلاد المقبلة على انتخابات محلية ورئاسية.