ناجية إيزيدية.. من سوق النخاسة في الرقة الى مخيمات النزوح بدهوك

قصة من بين آلاف القصص لليلى الازيدية التي اختطفت مع اولادها من منزلها وبيعت عدة مرات لاشخاص مختلفين من داعش، واستخدت كمستعبدة جنسية وفي الخدمة المنزلية، ثم اشترتها عائلتها عبر وسطاء ومهربين
2017-08-12

أحمد الياسري

صحافي من العراق


شارك
نساء ايزيديات خلال طقوس دينية

نجحت الايزيدية ليلى (35 عاما) بالوصول الى عائلتها النازحة في دهوك العراقية قبل شهر تقريباً، هاربة من تنظيم داعش الذي استعبدها طوال ثلاث سنوات. إنها واحدة من عشرات القصص لناجيات اختطفهن التنظيم المتشدد في 3 آب / أغسطس 2014، الا أن المختلف في قصة ليلى أنها تمكنت من التحايل على عناصر التنظيم باعتناقها الدين الاسلامي ظاهريا، ما اعتبر خطوة أولى في طريق هروبها الشائك من قبضة التنظيم مع أطفالها الثلاثة. وتروي الناجية الايزيدية قصة اختطافها ونجاتها: "في بداية الأمر، قبل ثلاثة أعوام (3 آب / أغسطس 2014)، اختطفونا أنا والنساء والفتيات الأخريات من منازلنا، حيث فرقونا عن الرجال وغرقنا في موجة من الذعر والهلع". لم تستغرق ليلى في توضيح لحظات الخوف التي رافقت عملية اختطافها هي واطفالها من منزلها بجبل سنجار، إذ لم تملك أمام سردها المر إلا البكاء، ما دعانا للتوقف والذهاب الى باقي تفاصيل انتقالها داخل معسكرات التنظيم المتطرف في العراق وسوريا. وتواصل: "نقلونا الى قضاء تلعفر (غرب الموصل)، ومنه الى مدينة الرقة السورية، وأسكنونا في مقر تابع للتنظيم، ثم قام عناصره بعد ذلك بتوزيعنا على مقراتهم الأخرى".

 

.. ثم ارجعني الى التاجر الحلبي ابو براء والذي قام ببيعي الى قيادي آخر في التنظيم يدعى فلاح الجزراوي، وهو سعودي الجنسية، بمبلغ 4500 دولار

 

وتعرضت الأم الايزيدية الشابة الى التعذيب والاعتداء الجنسي لمرات عدة من قبل عناصر التنظيم فور وصولها مع 900 ايزيدية من مختلف الاعمار الى الميادين السورية. وتعرض تفاصيل بيعها بين عناصر داعش لاغراض الاستبعاد الجنسي والتنظيف والطبخ في المنازل والمقرات: "أحد عناصر التنظيم، بعد أن قام بأخذي الى منزله، باعني بمبلغ 400 دولار الى شخص يدعى أبو سياف السوري (24 عاما)، هو أحد أمراء التنظيم، والمسؤول عن التسليح في ما يسمى "ولاية بلدية الصفاف" بمدينة الطبَقة السورية، واسمه الحقيقي رضوان كما فهمت بعد ذلك". وتشير: "بقيت معه أنا وأولادي في الطبَقة لمدة أسبوع واحد، وبعد حصول مشاكل له مع أهل خطيبته بسببي قام ببيعي الى شخص يسمى أبو براء الحلبي، وهو أحد تجار ما يسمى بالجواري، بقيمة 400 دولار". وتردف الناجية الايزيدية: "بقيت مع أبو براء لمدة أربعة أشهر وعملت كخادمة في مقره بالميادين، ثم باعني بـ400 دولار ايضاً الى شخص يدعى أبو زين السوري وهو أحد قياديي التنظيم في مدينة الطبقة، وسكنت مع أولادي بمقره في دير للمسيحيين، لمدة سنة وخمسة أشهر تقريبا".. مستدركة: "بعد ذلك أرجعني الى أبو براء (تاجر الجواري) حيث قام ببيعي الى قيادي في التنظيم يدعى أبو مهاجر السوري، وقضيت معه ثلاثة أشهر في الرقة السورية، ثم بعد ذلك ارجعني الى التاجر الحلبي (ابو براء) والذي قام ببيعي الى قيادي آخر في التنظيم يدعى فلاح الجزراوي، وهو سعودي الجنسية بمبلغ 4500 دولار". وتستطرد: "خلال فترة تواجدي مع عناصر داعش كنت اقوم بأعمال شاقة مختلفة في بيوت ومقرات التنظيم"، لافتة الى أنه "خلال قيامي بأداء تلك الأعمال كان يتم الاعتداء عليّ من قبل ضيوف المقر أو البيت الذي كنت أسكن فيه".
 لم تكن ليلى هي الوحيدة من عائلتها المختطفة لدى داعش، بل كان لديها شقيقة تبلغ من العمر 30 عاما وهي متزوجة ايضا، إذ رأتها بالصدفة في الرقة سبية لدى شخص ملقب بالجزراوي ايضاً ويدعى أبو نداء (قريب لفلاح الجزراوي)، لافتة الى أن "غالبية عناصر التنظيم في سوريا من عائلة الجزراوي السعودية".
 وتنوه الى أن "فلاح الجزراوي كان أكثر الأشخاص الذين تعاملوا معي بقسوة حتى أنه قام بدهس قدم طفلي الصغير ليحرق قلبي، وطلب مني اعتناق الاسلام حتى اكون حرة غير عبدة"، مشيرة الى أن "هذا الامر دفعني الى اظهار الاسلام، وتقديم شكوى ضده في مقر التنظيم بالميادين (السورية)".. "ثم نقلوني مع أطفالي الثلاثة الى المطاف في الميادين السورية، وهو عبارة عن مكان يضم نساء داعش المسلمات من المطلقات والارامل، وبقيت هناك نحو 9 أشهر، ثم قررت الفرار مع أطفالي الثلاثة بالاتفاق مع وسطاء ساعدوني في عملية الوصول الى دهوك مرورا بالقامشلي الحدودية". وأشارت الى أن ابنتها (9 اعوام) ظلت عالقة في منطقة القامشلي، للتحقيق معها من قبل حزب العمال الكردستاني الذي يتواجد في المنطقة.

 

يبعث المهربون لنا عبر الواتساب صوراً لفتيات ايزيديات معروضات للبيع في سوق النخاسة، نقوم بدورنا بإيصال الصور الى العوائل لكي يتعرفوا عليها، وبعدها تتفاوض عائلة صاحبة الصورة بالتعاون معنا مع المهرب على قيمة المبلغ المطلوب..

 

ولتسليط الضوء على قصة هربها، يقول زوج العراقية الايزيدية المفرج عنها، مشترطاً عدم ذكر اسمه لأسباب خاصة إن "أحد الاقارب أبلغني بأن صور زوجتي وأبنائي تم عرضها بالمزاد للبيع، وبعد أن تم الاتصال بوسطاء يعملون مع داعش، قمت بشراء زوجتي وابني البالغ أربع سنوات بمبلغ 20 ألف دولار من فلاح الجزراوي".
 ويضيف: "بعدها بفترة تم عرض صورة ابنتي البالغة 9 أعوام، وقد اشتريتها بمبلغ 1600 دولار من الجزراوي ذاته"، لافتا الى أن "قوات حزب العمال الكردستاني أبلغتني بالعثور على ابنتي في منطقة القامشلي، وأنهم سيقومون بتسليمها لي بعد إكمال بعض التحقيقات والاجراءات معها".
 ويروي وائل مراد وهو ناشط في مجال انقاذ الايزيديات من قبضة التنظيم، تفاصيل عملية شراء الايزيديات المختطَفات لدى التنظيم، قائلا "نحن نتعامل مع المهربين ممن لديهم علاقة مع عناصر تنظيم داعش في سوريا". وفيما أشار الى أن "المهربين يبعثون لنا عبر خدمة الواتساب على الموبايل بين فترة واخرى صوراً لفتيات ايزيديات معروضات للبيع في سوق النخاسة، نقوم بدورنا بإيصال الصور الى العوائل الايزيدية لكي يتعرفوا عليها، وبعدها تتفاوض عائلة صاحبة الصورة بالتعاون معنا مع المهرب على قيمة المبلغ المطلوب، يقوم المهرب بالاتفاق مع داعش بالسماح للمخطوفة ان تتحدث مع ذويها عبر الواتساب وتطمئنهم انها لدى المهرب حالياً".
ومنذ سيطرة التنظيم على سنجار، اشتهر بين الايزيدين اسم الرجل الخمسيني (أبو شجاع دنائي)، لكثرة تعامله مع المهربين في شراء المخطوفات الايزيديات. وبحسب الناشط وائل مراد، فان أبو شجاع اشترى مئات المخطوفات من عناصر التنظيم المتشدد بسوريا، وتمكن من تحريرهن بسلامة تامة.
 ويشرح لنا تفاصيل إرسال المبالغ الى داعش: "نقوم بارسال المبالغ المطلوبة عبر مكاتب للتحويل المالي في أربيل ودهوك، وعادة نعتمد في هذه العملية على مكتب سيدوا في أربيل"، مشيرا الى ان "هذه المكاتب بدورها تقوم بارسال المبلغ المالي الى مكاتب في مدينتي أورفة وغازي عنتاب التركيتين، التي تحولها الى مكاتب أخرى في دير الزور والميادين السوريتين". ويشير الى أن "أسعار بيع الايزيديات تترواح من 5 الى 15 الف دولار"، لافتا الى أن "الافراج عن الفتيات يتم قرب السواتر التابعة لحزب العمال الكردستاني في الحسكة والقامشلي وكوباني (عين العرب السورية)، ثم يقوم  عناصر حزب العمال بإيصال الناجيات الى زاحوا (شمال العراق)". ويبين الناشط الايزيدي الذي كان مختطفا لدى التنظيم لمدة 19 يوما، ان "بنت عمه واطفالها الاربعة تم عرضهم للبيع بمبلغ 40 الف دولار، وأنهم الآن يحاولون جمع هذه المبالغ لشرائها مع اولادها".
 ويروي مراد قصة تعامله مع داعش لشراء الايزيديات: "لما دخل داعش الى سنجار بقيت مع 56 شاباً في قبضتهم، واخذونا الى سوريا، ثم بعد ذلك اجبرونا على الدخول في الدين الاسلامي، ثم ارجعونا الى تلعفر (غرب الموصل) في قرية تدعى تل بنات لكي نتدرب على القتال، وبعد مضي نحو 19 يوما تمكنا أنا وخمسة أشخاص من الهروب، لكني قبل ذلك حصلت على ارقام هواتف مجموعة من عناصر داعش، حرصت على إبقاء التواصل معهم من أجل شراء المخطوفين والمخطوفات".
 ويوجد في اقليم كردستان العراق مكتب شؤون المختطفين ويعمل بآلية خاصة لتحرير المختطفين والمختطفات ومتابعة أمورهم بعد التحرير، ويقول رئيس مؤسسة الايزيديين في هولندا، حسو هورمي، في حديث خاص، إن "المكتب لا يتعامل مع تنظيم داعش بصورة مباشرة لتحرير المختطفين بتاتاً، بل يتم تناول الموضوع من خلال الوسطاء". ويوضح هورمي أن "الوسطاء يسكنون اقليم كردستان وعملهم يقتصر على التوسط والتنسيق بين المكتب والمنقذين"، مبينا أن "المنقذين هم الأشخاص الذين يشترون المختطفين من الاشخاص أو العوائل التي اشترت السبايا والاسرى من اسواق النخاسة التي ينشئها داعش بين الحين والاخر في المدن والقصبات الكبيرة التي يحتلها في العراق وسوريا". ويختتم الناشط العراقي الايزيدي كلامه بالقول "لا توجد لحد الآن أية جهة أخرى تعير اهتماماً جدياُ بهذا الموضوع، سواء على مستوى الحكومة العراقية او المنظمات الدولية".

 

ينشر بالتزامن بين صحيفة "العالم الجديد" و"السفير العربي"

مقالات من العراق

فتاة كقصبة ال"بامبو"

فؤاد الحسن 2024-09-29

"فاطمة" لم تستطع نيل موتها، على الرغم من دنو الموت، وتنفسه الثقيل الملتصق بتراب الأرض. فقد اختُطِفت مِن قِبل عناصر تنظيم "داعش"، على الرغم من سنواتها التسع، التي لم تنضج...

للكاتب نفسه