الموصل المحررة والعقول الأسيرة

تحرير الارض وحدها لا يكفي. فهناك عقول تأثرت بفكر "داعش" ومن بينها نساء واطفال. يحتاج التخلص الفعلي من "داعش" الى إعادة ترتيب أوراق كثيرة بعثرها عبث القوى السياسية وتخبّطها
2017-07-22

أمجد صلاح

كاتب صحافي من العراق


شارك
سنان حسين - العراق

أسئلة كثيرة يختبئ هسيسها تحت الصخب الجذل بدحر تنظيم "داعش" عن الموصل، وقبل ذلك عن تكريت والرمادي والفلوجة وغيرها من المناطق الواسعة التي سيطر عليها التنظيم أيام الانهيار المرعب في حزيران/يونيو 2014.
أسئلة لا يريد الناس ظهور رؤوسها في منشورات فايسبوك وتويتر واحتفالات الشوارع وأناشيد القنوات الفضائية، تقديراً لدماء المقاتلين وتثميناً للانتصار على هذا التنظيم المتوحش. كما يتجنب السياسيون والمسؤولون الخوض في مسائل تُخفّض من سخونة تفاعلهم مع الشارع، حفاظاً على رصيدهم الجماهيري أو تجنباً لاتهامهم بالتعاطف مع "داعش".
هكذا يحرص الجميع على السير في مواكب المحتفلين أو الصمت حزناً على من طحنتهم الحرب، من دون الالتفات الى تعقيدات المرحلة المقبلة وما تضم من تساؤلات، ومن ضمنها سؤال "هل حقاً انتهى داعش في العراق؟".

ماذا يجري على الأرض؟

على الأرض، ما زال التنظيم يسيطر على الأقضية والمدن التالية:
- قضاء تلعفر التابع لمحافظة نينوى (مركزها مدينة الموصل/405 كم شمال بغداد).
- قضاء الحويجة ونواحي الرشاد والعباسي والزاب والرياض جنوب غربي محافظة كركوك (مركزها مدينة كركوك/250 كم شمال بغداد).
- مدن عانة وراوة والقائم غربي محافظة الأنبار (مركزها مدينة الرمادي/110 كم غرب بغداد).
 - الجانب الأيسر لقضاء الشرقاط شمالي محافظة صلاح الدين (مركزها مدينة تكريت/175 كم شمال بغداد).
كما أن له وجوداً في بعض القرى والقصبات المترامية على الشريط الحدودي بين محافظتي صلاح الدين وديالى (مركزها مدينة بعقوبة/55 كم شمال شرق بغداد).
من الواضح أن الأشهر المقبلة تحمل - عسكرياً -  الكثير. أمّا نظرية قتل الأفعى عبر قطع رأسها، التي استند إليها رئيس الوزراء حيدر العبادي في إطلاق معركة الموصل، فقد لا ينفع تطبيقها على الأفعى الداعشية. ففي أزقة هذه المدينة، ظلّ عناصر التنظيم يقاتلون حتى الموت دفاعاً عن أمتار ضئيلة وهم يُدركون تماماً أنهم سيخسرونها عاجلاً.
وانطلاقاً من النتائج المتحققة ميدانياً، يُمكن القول إن القوات العراقية ستنتصر في جميع المعارك المقبلة. ستدحر تنظيم "داعش" عسكرياً عن جميع المناطق التي يُسيطر عليها حالياً، مع أن ذلك سيكلف مزيداً من الأرواح والأموال. لكن السؤال المؤرق هو: كيف ومتى ستندحر العقول المحشوة بعقيدة داعش؟
 

داعش وتشكّل بيئته

نما تنظيم "داعش" في بيئة ملائمة تحتضن تطلعاتٍ إلى إعادة "أمجاد" أمّة حكمت العالم في أحد الأزمان فسادها العدل والرفاهية والازدهار، ثم ذبلت لابتعادها عن "النهج القويم".
هذه حكايات يقرأها الناس في كتب تمجيد التاريخ الإسلامي، ويسمعونها من حرّاسه الأشداء، فيُثار الشجون والحماس في داخلهم. لذلك فإن الكثيرين صدقوا بأن البغدادي "خليفة" وبأن "الدولة الإسلامية" نهضت من تحت الرمال لترفع الحيف عن المسلمين. هذا التشبث الكارثي بالماضي هو الذي قاد الآلاف من العقول والقلوب الى زنزانات عقيدة "داعش" وحبسها فيها.
 

انطلاقاً من النتائج المتحققة ميدانياً، ستنتصر القوات العراقية في جميع المعارك المقبلة، ستدحر تنظيم "داعش" عسكرياً عن جميع المناطق التي يُسيطر عليها حالياً، مع أن ذلك سيكلف مزيداً من الأرواح والأموال. لكن السؤال المؤرق هو: كيف ومتى ستندحر العقول المحشوة بعقيدة داعش؟

في مقابل هؤلاء، يوجد أيضاً الكثيرون ممّن لم تصبهم سهام الخداع، أو هم اقتلعوها من رؤوسهم لاحقاً حين قارنوا بين النظرية والتطبيق. وهذا ما يُفسّر هجوم شباب موصليين قبل أيام على اثنين من عناصر "داعش" حاولا مهاجمة نقطة أمنية في إحدى مناطق الجانب الأيسر للموصل، التي تم الإعلان عن تحريرها كلياً قبل ذلك باشهر. فكانت النتيجة مَقتل العنصرين طعناً بالسكاكين، وبالمطالبة بتعليق جثتيهما على أعمدة الكهرباء ليكونا عبرةً لغيرهم. فتلك المحاولة لم تكن الاولى، إذ شهد الجانب الأيسر تفجيرات انتحارية عدّة بعد تحريره.
تحدثت بعض المصادر الخاصة عن ظهور "قرّاصات" بدلاً من "العضاضات"، في الجانب الأيسر أيضاً. ولكن ما كانت العضاضات؟ هنّ النساء اللواتي نشرهنّ التنظيم في الأسواق والأماكن العامة ضمن المناطق الخاضعة لسيطرته، ليقمن بعضّ من يُخالف التعليمات! لكن ربما لأن العضّ فعل تسهل ملاحظته، فهن لجأن الى القرص. فالقارص يمكن أن يفلت بفعلته. المعطيات آنفة الذكر تؤشر على أن فكر "داعش" ما زال يعشعش في عقول بعض السكان، وما زال المؤمنون به يأملون عودته، ما يدفعهم الى الاستمرار بتنفيذ هجمات يضطرب بها وضع المناطق المحررة الباحثة عن الاستقرار والهدوء بعد كل وقائع الدم والخراب المجنونة التي شهدتها.
يضاف الى كلّ ذلك الأطفال الذين أنتجتهم منظومة داعش. فقد عمل التنظيم طيلة سنوات حكمه في الموصل وغيرها من المدن على تلغيم الأطفال برؤى التشدد والعنف، فصنع منهم قنابل موقوتة لن يكون سهلاً إبطال مفعولها. لم يقتصر الأمر على أطفال المسلمين، فقد أقحم التنظيم أفكاره في رؤوس أطفال الإيزيديين الذين احتجزهم بعد سيطرته على مناطقهم في نينوى.
من هنا أتت شكوى مدير شؤون الديانة الإيزيدية في إقليم كردستان خيري بوزاني قبل أيام، من أنّ 1622 طفلاً حُرروا من تنظيم "داعش" ما زال أغلبهم متأثرين بأفكار التنظيم، وبأنهم سيشكلون خطراً على المجتمع اذا لم يتلقوا الرعاية والتأهيل اللازمين. وأضاف أنه فاتح الجهات المعنية بشأن ذلك ولم يتلقّ استجابةً، لذا دعا المنظمات الدولية الى التدخل في هذا الأمر.
يحتاج العراق الى إعادة ترتيب أوراق كثيرة بعثرها عبث القوى السياسية وتخبّطها، وذلك لكي يعود الى جادة الحضارة التي فارقها منذ زمن. أما بخلاف ذلك، فإن دوامة الخراب لن تتوقف في هذا البلد المبتلى بالمعتوهين والمستهترين.

مقالات من العراق

فتاة كقصبة ال"بامبو"

فؤاد الحسن 2024-09-29

"فاطمة" لم تستطع نيل موتها، على الرغم من دنو الموت، وتنفسه الثقيل الملتصق بتراب الأرض. فقد اختُطِفت مِن قِبل عناصر تنظيم "داعش"، على الرغم من سنواتها التسع، التي لم تنضج...

للكاتب نفسه

عراق الـ 56

أمجد صلاح 2017-04-07

قبل 14 عاماً، شهد العالم غزو القوات الأمريكية وحلفائها للعراق، واحتلالهم للعاصمة بغداد، ثم إقامتهم لنظام المحاصصة. الحصيلة كارثية: سيادة النصب والاحتيال كطريقة في إدارة السلطة والثروة.