تعداد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان: إنتظارات ومخاوف

بدأت عملية إحصاء دقيقة ورسمية للسكّان الفلسطينيين في لبنان. فهل تكون ساعة "التسوية" قد دقت؟ أم يهيء ذلك لتعديل وضعهم القانوني، أم هو مقدمة للتوطين، وهل تُستغل نتائج الإحصاء بما يضرّ بهم..
2017-07-08

سليمة ملّاح

رئيسة تحرير موقع Algeria Watch، من الجزائر


شارك
نذير إسماعيل - سوريا

انطلقت رسمياً يوم 27 شباط / فبراير 2017 عملية "التعداد العام للسكان والمساكن في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان"، برعاية رئيس الحكومة سعد الحريري، وتحت إشراف "لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني". تم تقديم المشروع للعموم كأداة ضرورية لتحسين ظروف عيش اللاجئين. وإذا ما كان أغلب الفلسطينيين يقرون بأن اطلاعاً ــ مدعوم بأرقام ــ على وضعيتهم يُمكّن من تحسين الوعي باحتياجاتهم، فإن البعض منهم يتساءلون عن الطبيعة الحقيقية لهذا التعداد والأهداف الفعلية لمتعهديه.
 

أيّ مشروع ولمن؟

إحصاء السكان الفلسطينيين اللاجئين في لبنان هي مبادرة لبنانية بشراكة مع مؤسسات فلسطينية. تتولى أجهزة الإحصاء المركزية اللبنانية والفلسطينية تنفيذ هذا المشروع تحت قيادة لجنة الحوار. تمّ الاحتفال بإطلاق المشروع في شباط / فبراير 2017 وسط بهرج كبير، وذلك خلال احتفالية جمعت إلى جانب سعد الحريري عدداً كبيراً من الوزراء ومسؤولين سياسيين فلسطينيين من بينهم سفير فلسطين في بيروت، وشخصيات من عالم السياسة والاقتصاد والإعلام. أكد رئيس الحكومة في خطابه على ضرورة "حق العودة، لأن لبنان لا يتحمّل هذا العدد من اللاجئين الفلسطينيين الذين يحق لهم بالعودة، لأن المعاناة تزداد في ظلّ وجود مليون ونصف مليون لاجئ سوري" (1). وأوضح قائلاً:  حين ينتهي هذا التقرير، سنرى النتائج بالأرقام بما يؤكد للمجتمع الدولي والعالم حجم المشاكل التي تسببها إسرائيل في فلسطين ولبنان أيضا" (2).
ومن جانبه، سلّط رئيس لجنة الحوار اللبناني ــ الفلسطيني حسن منيمنة الضوء على المشاكل الأمنية التي يجب حلّها، عبر التعرّف أكثر على الوضع في المخيمات. ستتم الاستفادة من المعلومات المجمّعة لتحديد "السياسات العامة" على قاعدة بيانات "علمية" ستضع حداً - حسب قوله - للمزايدات السياسية: "هذا المشروع هو امتداد للسياسات الحكومية التي كرستها التوافقات السياسية اللبنانية، وأقرّت فيها تحسين أوضاع الفلسطينيين الاجتماعية والمعيشية، وتيسير سبل العيش أمامهم، لمساعدتهم على البقاء والصمود ريثما يتحقق حلمنا معاً في العودة" (3).

 

 

يطوف ستمئة شاب فلسطيني ولبناني 12 مخيماً و114 تجمعاً فلسطينياً (والأماكن المجاورة) مالئين استمارات الكترونية بواسطة حواسيب لوحية. وثيقة التقديم التي أعدتها لجنة الحوار توضح أن الإحصاء لن يشمل إلا اللاجئين الفلسطينيين. لكن هناك مصادر أخرى تؤكد أن كلّ سكان المخيمات معنيون، بصرف النظر عن أصلهم

تشرف لجنة تنفيذية مكوّنة من موظفين حكوميين، بالإضافة إلى لجنة استشارية أعضائها يعملون في منظمات أممية، على هذه العملية التي يتوقع أن تدوم خمسة عشر شهراً. يجمع الباحثون الميدانيون معلومات عامة حول عدد سكان المخيمات والتجمعات، ومواصفات المساكن وتوفّر شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي، وأيضا المشاكل الصحية العامة، الخ... بالإضافة إلى هذا، فإن المعلومات التي يتمّ جمعها تتعلق بالعائلات وتركيبتها والحالة الصحية لهذه المجموعة السكانية والتشغيل والبطالة ومستويات المؤهلات الجامعية والمهنيّة. ويتعلق الأمر خصوصاً بإبراز حركيّة المجموعات السكانيّة وتحليل دوافعها: عوامل اعتباطية أو وضعيات انتقالية أو تنقلات داخلية أو هجرة. رسمياً، ستستخدم قاعدة البيانات هذه في "تطوير سياسات اجتماعية مناسبة مبنية على بيانات موثوقة"(4). لكن في المقابل، لا أحد يوضح طبيعة هذه المشاريع ولا مسألة تمويلها. وبالنظر إلى بطء حالة تقدم أشغال إعادة بناء مخيم نهر البارد الذي دمره الجيش اللبناني منذ عشر سنوات، سيكون من حقنا أن نشكّ في القدرة على تنفيذ برامج أكثر طموحاً.
 

رهان عدد اللاجئين

عملية التعداد هذه المقدرة تكلفتها بثلاثة ملايين دولار ممّولة من طرف اليابان وسويسرا ومنظمة اليونيسف. يطوف ستمئة شاب فلسطيني ولبناني 12 مخيماً و114 تجمعاً فلسطينياً (والأماكن المجاورة) مالئين استمارات الكترونية بواسطة حواسيب لوحية. وثيقة التقديم التي أعدتها لجنة الحوار توضح أن الإحصاء لن يشمل إلا اللاجئين الفلسطينيين(5). لكن هناك مصادر أخرى تؤكد أن كلّ سكان المخيمات معنيون، بصرف النظر عن أصلهم(6). من بين فلسطينيي لبنان، نجد لاجئي النكبة (1947/1949) الذين تتكفل بهم وكالة الأونروا بشروط معينة، في حين أن لاجئي النكسة (1967)، وأيضاً من جاء بعدهم يعتبرون مقيمين غير شرعيين.
بعض الفلسطينيين يعتبرون أن هذا التعداد سيمكّن خصوصاً من "التحرك على المستوى الاجتماعي لإيجاد مخرج للملف الفلسطيني"، لأن "المخيّمات المهمّشة أصبحت مشكلة أمنية في عيون الحكومة اللبنانية"(7). وبالفعل، فإذا ما نجحت العملية فستمثل مصدر معلومات غير مسبوق بالنسبة للحكومة، ولكن تأمينه يطرح مشكلة موضوعية. هذا هو السبب الذي يجعل العديد من الفلسطينيين يخشون وصول البيانات إلى أيادي الأطراف المعادية للوجود الفلسطيني في لبنان. آخرون يشغلهم احتمال تأويل متحيّز للمعلومات المجمّعة قد يُستخدم لغايات سياسية وأمنية، من بينها إلغاء صفة اللاجئ(8). يمكن لهذه المخاوف أن تؤثر بقوة على نسب المشاركة: "الفلسطينيون، ونظرا لتاريخهم، يتخوفون بقوة من طرق الإحصاء هذه. في الواقع، استخدمت إسرائيل في السابق هذه البيانات لكي تُكوّن ملفات عن الفلسطينيين. لذا يخاف جزء كبير من اللاجئين أن تستغل نتائج تعداد 2017 بشكل يضرّ بهم. هم يخافون أيضاً أن يفقدوا هويتهم الفلسطينية عبر التشتت في أصقاع الأرض، وهو ما سيمثل على المدى الطويل عقبة أمام حقهم في العودة"(9).
 

حسب دراسة قامت بها الأونروا سنة 2015، فإن عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يتراوح ما بين 260 و280 ألف شخص، وهذا بصرف النظر عن أن هناك 452 ألف فرد مسجلين لدى هذه المنظمة

مَثَّل العدد الإجمالي للاجئين الفلسطينيين موضوع جدال في كل المفاوضات. في لبنان أيضاً، ليس هناك اتفاق حول العدد، ويمكن أن تتضاعف التقديرات حسب المصادر (الأونروا والدولة اللبنانية واللجان الشعبية). وهكذا نجد أطرافاً لبنانية تقدّم أرقاماً خيالية تصل إلى 600 ألف أو 800 ألف لاجئ، كي تُظهِر أن لبنان غير قادر على تحمل هذا العبء وحده. في الحقيقة، وحسب دراسة قامت بها الأونروا سنة 2015، فإن عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يتراوح ما بين 260 و280 ألف شخص، وهذا بصرف النظر عن حقيقة أن هناك 452 ألف فرد مسجلين لدى هذه المنظمة.
لكن، وكما يلاحظ ذلك فتحي كليب، وهو باحث فلسطيني في لبنان، سيكون "من الخطأ القول إن الدولة اللبنانية ودوائر الإحصاء فيها لا تملك رقماً فعلياً لأعداد اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان. إذ على الرغم من شراسة الحرب الأهلية والضرر الذي أصاب المؤسسات الرسمية للدولة، فقد حافظت (خاصة تلك المعنيّة بمتابعة أوضاع اللاجئين الفلسطينيين) على وتيرة معيّنة من العمل لناحية تسجيل الولادات والوفيات، وظلّت ترتبط عبر القنوات الدبلوماسية مع وكالة الغوث بعلاقة ثابتة لجهة مواءمة الأرقام بين الطرفين. كما عكفت مؤسسات الدولة (مديرية شؤون اللاجئين، الأمن العام..) منذ سنوات على إعداد ملف خاص باللاجئين الفلسطينيين في لبنان من كافة النواحي الديموغرافية والسياسية والأمنية والاقتصادية، تمهيداً لطرحه أمام عواصم القرار. وبالتالي فإعلان الرقم ليس سوى جزء من سياسة عامة للدولة اللبنانية حيال ملف اللاجئين الفلسطينيين، خدمة لأهداف لها علاقة بعملية التسوية"(10).
 

رهانات إستراتيجية؟

هل تكون ساعة "التسوية" أو "الحلّ الشامل" قد دقت؟ يقدّر بعض المحللين انه سيتم دمج اللاجئين في لبنان أو توطينهم في مناطق أخرى. الواقع هو أن العزم على تعديل وضعهم القانوني صار ملحاً أكثر فأكثر، وأن هذا الوضع القانوني مرتبط مباشرة بمسألة عدد الفلسطينيين، وبالتالي بمسألة حق العودة. لذلك وعلى سبيل المثال، طالب الكونغرس الأميركي ــ الذي يعتبر أن أغلب الفلسطينيين مستقرون بصفة دائمة في دول الاستقبال ــ في تموز/ يوليو 2016 "وزارة الخارجية الأميركية بأن تعرِّف بشكل علني مصطلح "لاجئ" (...) وأن تستعمل هذا التعريف لتحديد عدد الفلسطينيين الذين تنطبق عليهم معايير الحصول على مساعدات الأونروا"(11). الوكالة الأمميّة (التي بالكاد تضمن لهم الحد الأدنى من مقومات العيش) مقيّدة بسبب تخفيضات الميزانية التي فُرضت عليها من طرف الممولين: الولايات المتحدة الأميركية بالدرجة الأولى. يعتبر ملاحظون آخرون أنها بداية نهاية الأونروا، وأن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يمكن أن تحلّ مكانها في المستقبل. في السنوات الأخيرة، وصل تدهور ظروف العيش في المخيمات إلى حد جعل الآلاف من الفلسطينيين يفرّون من البلد، مخاطِرين بحياتهم. هل يتعلق الأمر في هذه الحالة بمناورة مدروسة لتقليص عدد السكان؟
اليوم، يخشى العديد من الفلسطينيين تصفية المسألة الفلسطينية، وذلك عبر فرض استيعاب قسم من الفلسطينيين على لبنان، في حين يتم توطين عدد محدود في فلسطين، والأغلبية في أوروبا. حسب صحيفة "الأخبار" اللبنانية، فإن الغربيين مستعدون للسماح للبنان باستغلال موارده الغازية بشرط أن يقبل هذا البلد التوطين النهائي للاجئين الفلسطينيين على أرضه(12). هل تم إنجاز مشروع التعداد في إطار هذه الرؤية، أم ما زال بإمكاننا أن نأمل استتباع الالتزامات المعلنة خلال عملية التعداد بإنجازات ملموسة تصب في مصلحة اللاجئين الفلسطينيين؟

 

ترجمه عن الفرنسية: محمد رامي عبد المولى

المصادر

1- http://www.alhayat.com/Articles/19952945

2- http://nna-leb.gov.lb/ar/show-news/267367

3- نفس المصدر

4- https://www.lorientlejour.com/article/1047669

5- انظر وثيقة تقديم التعداد التي اعدتها لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني

6- مشروع تعداد فلسطينيّ لبنان: هواجس أمنية وسياسّية

7- انظر التقرير الذي أعده سهيل الناطور والذي تجدونه في شكل ملحق على موقع جمعية فرنسا، فلسطين، تضامن

8- http://www.alhayat.com/Articles/19952945

9- انظر التقرير الذي أعده سهيل الناطور والذي تجدونه في شكل ملحق على موقع جمعية فرنسا، فلسطين، تضامن

10- http://www.bahethcenter.net/essaydetails.php?eid=36950&cid=86

11- http://www.jpost.com/Arab-Israeli-Conflict/Congress-demands-true-number-of-Palestinian-refugees-from-UNRWA-460466

12- http://www.al-akhbar.com/node/251480

مقالات من فلسطين

لا شيء سوى الصمود!

2024-10-03

قبل الصواريخ الإيرانية وبعدها، استمر الاحتلال بارتكاب الفظاعات، ثمّ توعّد بالمزيد. إنها أيام المتغيرات السريعة والخطيرة والصعبة، لكن يبدو أنه في كل هذا، ليس سوى ثابتٍ وحيد: صمود شعوبنا المقهورة.

إعادة تكوين العقل الغزّي

أجيالٌ بأكملها تفقدُ حياتها وسنواتها. وأطفالٌ صغار يستيقظون على واقعٍ غير بشري. هذا هو كيّ الوعي الجديد الذي تقوم به إسرائيل، ويوافق عليه العرب. العرب الذين يُريد "نتنياهو" مُساعدتهم في...

للكاتب نفسه

الإتحاد الأوروبي وإفريقيا: مساعدات إنمائية أقل وتعاون بوليسي أكثر

تلعب الجزائر دور الوكيل غير المعلن للسياسة الهجرية الأوروبية. وبقبولها نقل مسؤولية مراقبة الحدود الأوروبية إلى دول أخرى، وبلعب دور الشرطي، فهي تتبنى مقاربة قصيرة النظر، تتجاهل المبادلات الإنسانية والاقتصادية...

"القلعة" أوروبا تبدأ في شمال أفريقيا

الدكتاتورية والاستغلال النيوكولونيالي للبشر والموارد تجبر الناس على الرحيل. لكن  الأوروبيين سخّروا إمكانات هائلة في مقاربة عسكرية - بوليسية لمسألة الهجرة، مستندين على أنظمة محلية استبدادية