نُشر النص الأصلي لهذا الموضوع في موقع "مدى مصر"، وهو منصة إلكترونية تأسست في مصر، ونعيد نشره هنا بالاتفاق مع الموقع. في إطار حملتها المستمرة للتضييق على الصحافة، حجبت السلطات المصرية "مدى مصر"، ضمن مواقع أخرى. والتزمًا منا بمبدأ حرية الصحافة واستقلاليتها، يقوم "السفير العربي" بإعادة نشر نصوص ينتجها "مدى مصر" لمساعدة الموقع في التغلب على إجراءات الحجب والوصول إلى القراء داخل مصر.
لينا عطاالله
مرّت أربع سنوات على نهاية حكم الإخوان المسلمين في 30 يونيو 2013. تغيرت خلالها الكثير من اﻷوضاع السياسية والاجتماعية في مصر. وفي هذا التوقيت نرصد ما طرأ على علاقة شركاء 30 يونيو، نبحث ما وصلت إليه علاقة كلٍ من المسيحيين، والأزهر، والسلفيين، والقوى المدنية مع النظام الحاكم.
«عندما يكون هناك فراغ في السلطة المُهيمنة، عليك أن تتجاوز الشعور بالاكتئاب وأن تقوم بكمين. ولكن عليك أن تكون صبورًا. هذه هي السياسة.. الصبر». هكذا حكت فاطمة صادغي، أستاذة العلوم السياسية بجامعة أزاد الإسلامية في إيران، قبل أيام من 30 يونيو 2013.
كانت صادغي تتحدث عن الوضع في إيران، في 12 من يونيو 2013، قبل أيام من انتخاب الرئيس حسن روحاني، المعروف باعتداله السياسي، لفترته الرئاسية الأولى، فيما كانت مصر في طريقها لعزل رئيسها الإسلامي في نهاية الشهر نفسه. كانت تتحدث عن مناضلي، ثورة 1979 الذين قام الإسلاميون بإقصائهم مسيطرين على الدولة والسياسة والمجتمع والإسلام في فعل يمكن تشبيهه لمسيرة الإخوان المسلمين في مصر بعد 34 عامًا.
إذًا كانت لحظة 30 يونيو بمثابة كمين، حسب تعبير صادغي. وقف مسيرة الإخوان لحكم البلاد بشكل منفرد. ولكن مع إقصاء الإخوان من الحكم والحياة السياسية بشكل عام، أَقْصَى آخرون مثل مَن ساهموا في خلق هذه اللحظة، لينتهي حال البلاد على رأسها قائد الجيش، وخلفه المؤسسة العسكرية.
بعد مرور 4 سنوات من اندلاع هذه اللحظة٬ تحدثنا مع بعض الفاعلين السياسيين، وتحديدا بعض صنّاع التيار الديمقراطي الذين كانوا جزء من العملية السياسية في ٣٠ يونيو 2013.
فرصة» ولكن
وصف محمد أبو الغار، مؤسس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، 30 يونيو بأنها كانت «فرصة». وقد مثَلت لحظة استمعت فيها المؤسسة العسكرية لمطالب القوى الديمقراطية. لكنها لم تستغل، جيدًا، لعدم وجود خطة أو تنظيم لحركة 30 يونيو، حسبما أوضح لـ«مدى مصر».
كما تحدث عن جبهة الإنقاذ الوطني تحديدا، والتي تشكلت في 2012 بعد إصدار الرئيس الأسبق محمد مرسي لإعلان دستوري وَسَع من سلطاته وقال إنها «كانت جبهة قيادات. لم يكن لدينا ثقل على الأرض وبالتالي كنّا في مهب الريح».
أوضح أنها كانت تتسم بضعفٍ في التنظيم والقدرة على اتخاذ قرارات تنظيمية من شأنها أن تخلق قوة أكثر تجذرًا خلال التفاوض مع المؤسسة العسكرية، التي قادت المشهد منذ 30 يونيو 2013 حتى الآن.
كان أبو الغار قد دعا لضم الأحزاب الديموقراطية تحت مظلة واحدة، تشكل تنظيمًا وطنيًا موحدًا، كالذي تَكَوَنَ، في أوائل القرن الماضي، من خلال حزب الوفد. لكن محمد البرادعي، مؤسس حزب الدستور، أحد المظلات السياسية للحراك الديمقراطي بعد ثورة 2011، كان قد تخوفَ من الفكرة حسبما قال أبو الغار لـ«مدى مصر».
من جانبه٬ وصف حسام مؤنس٬ المتحدث باسم حركة التيار الشعبي، التي أسسها المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي في 2012، مرحلة ما قبل 30 يونيو بأنها كانت «التقاء المصالح وليس الرؤى»، وأوضح: «كانت المصلحة واحدة ألا وهي التخلص من سلطة الإخوان»٬ ولكن لم تكن الرؤية واحدة.
على صفحته على «فيسبوك» اشتبك عمرو عبد الرحمن٬ المحلل السياسي والقيادي في حزب العيش والحرية اليساري – تحت التأسيس، مع فكرة عدم تلاقي رؤى التيار المدني والديمقراطي قبل أربع سنوات، مقسمًا هذا التيار إلى ثلاثة مكونات أولها «بعض الطامحين لتمثَيل سياسي للفئات الحاكمة القديمة»، وقد حاول هذا المكون جذب المؤسسة العسكرية تجاهه منذ 2011، في حين اختارت الأخيرة التعاون مع الإخوان المسلمين قبل الانقلاب عليهم. ويضم هذا المكون أحزاب كالمصريين الأحرار والمؤتمر وغيرها. أما المكون الثاني، حسب عبد الرحمن، فهو ما يسميه بـ«معارضة مبارك الجذرية» مثل حزبي الوفد والعربي الناصري وغيرها من الفئات والأفراد المهمشة من مؤسسات الدولة بما فيها ما يسمى بـ«الانتليجنسيا اليسارية القديمة»، ويضم عبد الرحمن إليها البرادعي.
فيما مثَل المكون الثالث القوى الاحتجاجية، وفَسَره عبد الرحمن بقوله: «هؤلاء قادمون جُدد إلى ساحة الفعل السياسي. من خارج الفئات الحاكمة القديمة ومعسكر معارضة مبارك الجذرية كذلك. وكانوا يقبلون بتمثيل جبهة الإنقاذ لهم. وذلك بناء على ميلهم لعدم التورط في عملية بناء تنظيمات مُستقلة، وقد انتهى بهم الحال إلى قبول أي طرف يتبنى شعاراتهم، حتى ولو كان ينتحلها لتحقيق أغراض لا تمت للديمقراطية بصلة».
كما حَمَلَ عبد الرحمن الثلاث مكونات السابقة المسئولية عما تلى 30 يونيو. وقد شَرَحَ ذلك بقوله إن أولها ساهم في تصفية أي إمكانية ديمقراطية في المجتمع عبر استدعائه المُبكر للجيش، بينما صَادَرَت معارضة عهد مبارك بتعاونها مع رموز نظامه والمقربين منهم على تطوّر أي خطاب ديمقراطي في مواجهة الإخوان. وأوضح: «على العكس كانت مواجهتهم لهم على أرضية خطاب وطني زاعق. أما المكون الثالث على هشاشته فهو مسئول عبر فشله في التعبير التنظيمي والسياسي المُستقل».
مشروع تم إحباطه
من جانبه أكد شادي الغزالي حرب٬ القيادي السابق في حزب الدستور، على وجود مشروع سياسي ديمقراطي، قبل أربع سنوات. وقد ذَكَرَ مؤتمر «بعد الرحيل»، الذي نُظم في 22 يونيو 2013 أي قبل أيام من التظاهرات المطالبة برحيل مرسي. وكان الهدف من التجمع وضع خريطة سياسية لمرحلة ما بعد الإخوان، وسُبل تحجيم موقع المؤسسة العسكرية في معادلة الحكم المستقبلية.
أشار حرب إلى عدم حماس جبهة الإنقاذ للمؤتمر، الذي نظم بحضور البرادعي وصباحي٬ وآخرين تولوا مناصب فيما بعد بحكومة حازم الببلاوي التي عينتها المؤسسة العسكرية بعد الإطاحة بمرسي مثل نبيل فهمي، وزير الخارجية الأسبق، وحسام عيسى، وزير التعليم العالي الأسبق. أشار حرب أيضا لهجوم حركة تمرد علي فكرة المؤتمر٬ وهو ما دفع البرادعي وقتها لعقد اجتماع في بيته لعناصر من حركة تمرد من أجل تهدئة الأجواء.
لا تمثل 30 يونيو بالنسبة لحرب فرصة استجابت من خلالها المؤسسة العسكرية للقوى المدنية والديمقراطية، فقد أوضح: «كان لدينا خطة لتحجيم دور الجيش، لكن هم كان لديهم خطة أيضًا للسيطرة على المجال العام. الفرق أنهم كانوا مطلعين على خططنا». ويتابع: «لم يكن ممكنًا أن تقوم المؤسسة العسكرية في تحركها ضد الإخوان المسلمين بدون الفصيل الديمقراطي. كنّا نقود المشهد منذ لحظة الإعلان الدستوري في 2012. فجأة قفز (الرئيس الحالي عبد الفتاح) السيسي على (الحراك) وبدأت صوره تملأ الشوارع تدريجيًا فيما قبل يوم ٣٠ يونيو. لكنه لم يمكن ممكنًا أن يتصدر المشهد سياسيًا بشكل مباشر، وبالتالي كان في احتياج لنّا».
يدلل مؤنس على وجود خطة للجيش من خلال الإعلان الدستوري، الذي أصدره رئيس الدولة المؤقت عدلي منصور في 8 يوليو 2013،والي لم ينسق محتواه مع أي من القوى الديمقراطية.
وكانت اللحظة الفارقة عندما وجه السيسي خطابًا للشعب، في 24 يوليو 2013، لدعوتهم لأن يفوضوا الجيش لمواجهة عنف الإخوان. كان البرادعي وقتها قد عُيَن نائب رئيس الجمهورية للشؤون الخارجية وعَلَمَ بخطاب التفويض مثل بقية الشعب٬ حسبما يقول حرب.
يعود أبو الغار ليقول إن الدولة المصرية، منذ عام 1952، لا تريد تنظيمات وطنية. وأضاف: «التنظيم الوحيد الذي كانت تتفاهم معه الدولة هو الإخوان. الفصيل الديموقراطي صعب التفاهم معه لأنه مثقف، وعادة ما يحرج الدولة».
والآن – إلى أين؟
كان أبو الغار قد اعتزل العمل السياسي وقيادة حزبه في العام الماضي. فيما استقال حرب من حزب الدستور لإحساسه بانعدام الاتساق الأيديولوجي داخل أروقته مما أضعف كيانه.
بينما لا يرى أبو الغار ما الدور الذي يمكن القيام به سياسيًا الآن٬ قال حرب: «الواقع يفرض علينا الاعتراف بالمسار السياسي الراهن. والمشاركة فيه عن طريق الانتخابات الرئاسية أو غيرها ما هو إلا إضفاء شرعية عليه. علمًا بأن الأمر الواقع شرعية بالأساس».
فيما يقف مؤنس الآن على أرضية مختلفة عن موقفه، قبل ثلاث سنوات، عندما قرر صباحي ترشيح نفسه في انتخابات 2014 الرئاسية أمام السيسي. كان ذلك رد فعل مباشر لتهميش السلطة العسكرية للتيار الديمقراطي. ولكن الوضع مختلف الآن. يقول مؤنس: «نحن أمام رئيس يمكن أن يتعرض للمحاكمة إذا تَرَكَ السلطة بسبب قضية تيران وصنافير ولذا لا أعتقد أن هناك أي شك في استمرار حكمه لفترة تالية».
كان السيسي قد صَدَّقَ على اتفاقية تعيين الحدود البحرية مع السعودية، والتي قضت بتنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة، وذلك بعد إقرار البرلمان لها رغم الرفض الشعبي، وحكم الإدارية العليا ببطلانها.
يدعو مؤنس لتأسيس جبهة جديدة تضم من هم في الفصيل الديمقراطي، الذين يمكنهم التجمع حول مشروع سياسي يبني ولا يتوقف عند معارضته للوضع الحالي، على حد تعبيره. بينما يدعو حرب لتأسيس حركات احتجاجية أقرب لحشد منضبط حول الخطر المعيشي والخطر القومي المحيط٬ حشد لا يسهل الهجوم عليه أو اتهامه بالعشوائية.
في سياق آخر ولكنه متصل تكتب المؤرخة الفلسطينية شيرين صيقلي، بشكل يتلاقى مع حديث صادغي، عن الأمل كفعل سياسي. فتعتبره صيقلي فعلًا يجب أن يستمر في مواجهة الفشل. يُعلق توقعات التغيير والانتصار. أمل لا يرى اليأس نقيضًا، بل رفيقًا لا حيلة في رفقته.