نُشر النص الأصلي لهذا الموضوع في موقع "مدى مصر"، وهو منصة إلكترونية تأسست في مصر، ونعيد نشره هنا بالاتفاق مع الموقع. في إطار حملتها المستمرة للتضييق على الصحافة، حجبت السلطات المصرية "مدى مصر"، ضمن مواقع أخرى. والتزمًا منا بمبدأ حرية الصحافة واستقلاليتها، يقوم "السفير العربي" بإعادة نشر نصوص ينتجها "مدى مصر" لمساعدة الموقع في التغلب على إجراءات الحجب والوصول إلى القراء داخل مصر.
أسمهان سليمان ورنا ممدوح
في الوقت الذي قررت فيه المحكمة الدستورية العليا وقف تنفيذ أحكام مجلس الدولة ومحكمة الأمور المستعجلة بشأن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، والتي بمقتضاها تتنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير لصالح المملكة، ووافق عليها البرلمان الأسبوع الماضي، قال مصدر حكومي إن «تصديق الرئيس على الاتفاقية قادم خلال أيام قليلة جدًا».
وأوضح المصدر لـ «مدى مصر» أن الدورة الورقية، التي تتداول فيها الاتفاقية من البرلمان وحتى الرئيس سارية الآن، وجاري إنهاء كل الإجراءات المتعلقة بعملية التصديق. وفيما رفض المصدر تأكيد أن يأتي التصديق قبيل عيد الفطر، لكنه أكد أن المسألة منتهية، وسيوقع الرئيس على الاتفاقية خلال الأيام القليلة المقبلة.
وأضاف أنه بمجرد موافقة البرلمان على الاتفاقية يوم الأربعاء الماضي، خاطبت الحكومة رئيس مجلس النواب لسرعة إرسال الخطاب الرسمي الذي يؤكد موافقته على الاتفاقية، تمهيدًا لإرسالها إلى رئيس الجمهورية للتصديق.
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي قال أمس الثلاثاء على هامش «إفطار الأسرة المصرية» عن اتفاقية التنازل عن الجزر: «ما حدش يقدر يخدع ربنا، أنا بعمل ده أمام الله إن فرطت هيحاسبنى. وفي أول مؤتمر للشباب هنتكلم في الموضوع ده.. الموضوع خلص لكن ما عندناش حاجة نخبيها.. هي الناس عمرها ما شافت ناس شرفاء ولا إيه. في ناس عندها شرف ما بيتباعش، حقوق الناس ترد ليها مش بالحروب».
كان 119 من نواب البرلمان الرافضين للاتفاقية أرسلوا خطابًا لرئيس الجمهورية، الأحد الماضي، يطالبونه فيه بإرجاء التصديق على الاتفاقية لحين إصدار المحكمة الدستورية العليا حكمها في دعوى التنازع المقامة أمامها بشأن الأحكام المتناقضة بخصوص الاتفاقية الصادرة من محاكم مجلس الدولة ببطلانها ومحكمة الأمور المستعجلة بسريانها.
واليوم، قرر رئيس المحكمة الدستورية العليا، المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، وقف تنفيذ كل تلك الأحكام استنادًا لتقرير من هيئة مفوضي المحكمة، «لمظنة الافتئات على اختصاص سلطتى الموافقة والتصديق على الاتفاقية من ممارسة وظيفتها الدستورية فى مراقبة وتقييم أعمال وإجراءات إبرام الاتفاقية وموضوعها، على النحو الذي عينته المادة 151 من الدستور».
وتنص المادة 151 من الدستور على أن «يمثل رئيس الجمهورية الدولة في علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا لأحكام الدستور. ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة. وفى جميع الأحوال لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أى جزء من إقليم الدولة».
وقال المستشار رجب سليم، المتحدث الرسمي باسم المحكمة الدستورية العليا، في بيان صحفي، اليوم، إن قرار رئيس المحكمة الدستورية جاء إعمالاً للفقرة الثالثة من المادة 32 من قانون المحكمة الدستورية العليا، التي تعطي لرئيس المحكمة سلطة وقف تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين بناء على طلب ذوي الشأن حتى الفصل في النزاع، دون أن يحدد موعدًا لذلك.
كانت هيئة قضايا الدولة قد أعلنت في 4 يونيو الجاري، تقدمها بدعوى تنازع أحكام، رقم 12 لسنة 39 نيابة عن مجلس الوزراء ومجلس النواب ووزراء الدفاع والخارجية والداخلية، أمام المحكمة الدستورية العليا، طالبتها فيها بتحديد الجهة القضائية -مجلس الدولة أم الأمور المستعجلة- المختصة بالفصل في صحة إجراءات اتفاقية ترسيم الحدود، وتحديد أيًا من أحكام المحكمتين واجب النفاذ.
ومن جانبه، قال المحامي خالد علي لـ «مدى مصر» إن المحكمة الدستورية العليا قضت بما لم تطلبه الحكومة نفسها، وسارعت لإصدار حكمها بوقف تنفيذ أحكام بطلان الاتفاقية لكي تحصن قرار البرلمان من ناحية، وتمهد لقرار رئيس الجمهورية بالتصديق على الاتفاقية، حتى نكون بصدد أمر واقع.
وأضاف علي أنه توجه إلى المحكمة الدستورية العليا فور معرفته بالقرار، لكي يطلع على تقرير المفوضين الذي صدر قرار رئيس المحكمة بموجبه، أو يلتقي برئيس المحكمة لمعرفة ملابسات القرار، إلا أنه فوجئ بعدم معرفة الموظفين بهيئة المفوضين أي معلومات عن التقرير أو موعد صدوره وعرضه على رئيس المحكمة.
وأوضح علي المراحل التي مرت بها القضية أمام «الدستورية العليا»، قائلًا: «أُدرجت دعوى تنازع الأحكام، المقامة من هيئة قضايا الدولة، في أول يونيو، وتلقينا خطاب من قلم المحضرين في 11 يونيو الجاري تخبرنا فيه المحكمة الدستورية بتلقيها دعوى قضائية من الحكومة، وتطالبنا بتقديم ما لدينا من مستندات خلال 15 يومًا حتى يتسنى لقلم المحضرين عرض القضية على هيئة المفوضين بالمحكمة لإعداد تقريرًا بشأنها، ورغم عدم انتهاء مدة الـ 15 يومًا، وعدم دعوتنا لحضور أي جلسات تُحضر للدعوى أمام هيئة المفوضين بالمحكمة، وعدم إخبارنا بإعداد الهيئة لتقرير بشأن النزاع، فضلًا عن عدم مطالبتنا بالرد على ما ورد بتوصية هيئة المفوضين، أو تقديم دفاعنا ومستنداتنا عن القضية، فاجئنا رئيس المحكمة بهذا القرار».
وشدد على أن هيئة قضايا الدولة طالبت في دعواها، أولًا بوقف تنفيذ أحكام بطلان الاتفاقية، ثم بعدم الاعتداد بأحكام محكمة القضاء الإداري ودائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا ببطلان توقيع رئيس الوزراء على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، وثانيًا الاعتداد بحكمي الأمور المستعجلة بسريان الاتفاقية، لكن المحكمة الدستورية العليا قررت من تلقاء نفسها وقف تنفيذ الأحكام الأربعة، وهو ما لم يطلبه أحد، بدون الاستماع لأية مرافعات أو دفاع.
وأصدرت محكمة القضاء الإداري في 21 يونيو من العام الماضي حكمًا ببطلان توقيع رئيس الوزراء على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، لتضمنها التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، وهو ما أعقبه إصدار محكمة الأمور المستعجلة في 29 سبتمبر و31 ديسمبر الماضيين حكمين بوقف تنفيذ حكم القضاء الإداري، وسريان الاتفاقية، ثم أصدرت المحكمة الإدارية العليا حكمًا في 16 يناير الماضي بتأييد حكم القضاء الإداري وبطلان الاتفاقية، وتلاه حكم من الأمور المستعجلة في 2 أبريل الماضي، ببطلان حيثيات حكم المحكمة الإدارية العليا وسريان الاتفاقية، وهو ما تقدمت هيئة قضايا الدولة في أول يونيو الجاري على أثره، بدعوى تنازع أحكام أمام «الدستورية العليا»، وطالبتها فيها بتحديد أيًا من تلك الأحكام واجب النفاذ.
يقول نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا الأسبق، المستشار محمد الشناوي، إن ما صدر عن المحكمة اليوم هو «قرار وليس حكمًا قضائيًا»، موضحًا لـ «مدى مصر» أن هيئة المفوضين أوصت المحكمة بوقف تنفيذ الأحكام المتضاربة بشأن الاتفاقية لحين البحث والدراسة في طبيعة المنازعة، وحدود صلاحيات الجهتين القضائيتين.
وأضاف أن المحكمة من المقرر أن تحدد لاحقًا موعد أولى جلسات نظر القضية، والاستماع إلى طرفي الخصومة، لافتًا إلى أن قانون المحكمة لم يلزمها بموعد معين للنظر في الشق الموضوعي من القضية، وإصدار حكمها النهائي في النزاع.
وقال بيان المتحدث باسم المحكمة الدستورية العليا إن تقرير هيئة المفوضين بشأن القضية، أكد على توافر ركن الجدية ورجح أن تقضى المحكمة الدستورية بعدم الاعتداد بالحكمين المتناقضين، لعدم اختصاص القضاء الإدارى بنظر صحة توقيع ممثل الدولة المصرية على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، لأن التوقيع على المعاهدات الدولية من أعمال السيادة الخارجة عن رقابة القضاء، في حين قضى حكم الأمور المستعجلة بعدم الاعتداد بحكم صادر من جهة القضاء الإداري، وهو الأمر المحظور عليها بنص 190 من الدستور.
في تعليقه على قرار «الدستورية العليا»، قال وكيل لجنة الشؤون التشريعية والدستورية بمجلس النواب، أحمد الشريف، إن «قرار المحكمة جاء ليؤكد على صحة موقف مجلس النواب منذ اليوم الأول لإبرامها».
وأضاف الشريف: «قلنا من اليوم الأول أن البرلمان وحده المسؤول عن الموافقة على الاتفاقية أو رفضها، ولا معنى لأي أحكام قضائية تخالف ذلك، وها هي المحكمة الدستورية تؤكد صحة إجراءتنا».