لا تؤشر تقارير المنظمات المالية الدولية ولا الأرقام الأخيرة التي أعلن عنها محافظ بنك الجزائر إلى تحسن الوضع المالي للبلاد التي خسرت منذ سنة 2014 نصف مداخيلها المالية بسبب التدهور المفاجئ لأسعار المحروقات. وحسب محافظ بنك الجزائر، فإن احتياطي الصرف قد سجل انخفاضاً سريعاً خلال السنوات الثلاث الأخيرة ليصل إلى حدود 100 مليار دولار، وهو رقم يبعث على القلق في نظر الاقتصاديين، ويؤكد من جهة أخرى عجز الحكومة في الحفاظ على التوازنات المالية على الرغم من إطلاقها لسياسة تقشف واسعة أدت إلى تجميد مشاريع تنموية هامة.
تآكل احتياطي الصرف وعودة الحكومة إلى الاستدانة من الخارج يلقيان استياءاً واسعاً من شرائح سياسية ومن النقابات التي تحمل القائمين على الجهاز الحكومي مسؤولية الانكماش الذي يعرفه الاقتصاد بسبب اعتماده الكلي على تصدير المحروقات بعد الفشل في تنويع صادرات البلاد إلى الخارج.
وتملك الجزائر مؤهلات فلاحية وسياحية لا تستغل لحد الآن. ويرى هؤلاء أن المشكل يكمن أيضاً في عدم وجود إرادة سياسية للنهوض بالاقتصاد وتحريره من البيروقراطية ومركزية القرار والارتهان للريع النفطي والغازي.
وليس واضحاً إن كانت الحكومة قد اتخذت تدابير معينة للحد من استغلال احتياطي الصرف، لأن الخطاب الرسمي لها يركز على مسائل محددة، وهي مواصلة الحكومة بترشيد الإنفاق العمومي، وتقليص الدعم المالي للبلديات والجماعات المحلية، وتشجيع الاستثمار عبر تخفيف الإجراءات الإدارية دون المساس بالتقديمات الاجتماعية والدعم المباشر للطبقات الاجتماعية الهشة في البلاد.
أعطاب الإدارة الاقتصادية خلال الأزمة
وقد خيم الوضع المالي الصعب الذي تعيشه البلاد على الانتخابات التشريعية التي نظمت في ظل دستور جديد، تصفه الحكومة بالتوافقي ولأنه يعبر عن خصوصية الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي. أما بنظر النقابات المستقلة فإن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة ــ كتأخير رفع أجور بعض الموظفين في قطاع الوظيف العمومي وإلغاء التقاعد النسبي ــ تمس بالقدرة الشرائية للمواطنين.
وتحاول بعض الأحزاب التي تواجدت في الحكومات المتعاقبة وفي الهيئة التشريعية أن تدعو الى الحفاظ على المكاسب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تحققت على مدار ال 15 سنة الفائتة، وأن الوضع المالي الصعب ليس إلا حالة عابرة ويمكن للدولة أن تتكيف معه دون المساس بالدعم المالي للجبهة الاجتماعية.
بينما يرى اقتصاديون أن هامش المناورة الحكومية لمواجهة الوضع الاقتصادي والمالي الحرج يتقلص بشكل واضح، وأن التدابير المتخذة لم تحقق النتائج المرجوة. وقد صدم أحد وزراء التجارة السابقين الجزائريين عندما قال ''إن ثمن الواردات إلى الجزائر يزيد بنسبة 30 في المئة عن سعرها الحقيقي، وهذا بسبب تضخيم الفواتير التي تسمح للمستوردين بتهريب العملات الأجنبية ورؤوس الأموال إلى الخارج". وقد عكس هذا التصريح الفوضى التي يتخبط فيها الاقتصاد الجزائري وهشاشته فضلاً عن الفساد الذي ينخر التعاملات التجارية.
وزير سابق: "ثمن الواردات إلى الجزائر يزيد بنسبة 30 في المئة عن سعرها الحقيقي، وهذا بسبب تضخيم الفواتير التي تسمح للمستوردين بتهريب العملات الأجنبية ورؤوس الأموال إلى الخارج"
وعلى الرغم من اتجاه الحكومة إلى رفع الضرائب في بعض الأنشطة التجارية وسعيها المستمر للقضاء على التهرب الجبائي والرفع من عائدات الجباية المحلية. فقد أقرت الحكومة زيادات في قانون المالية الجديد رفعت بموجبها الضرائب على استغلال الكهرباء والانترنت وقسيمة السيارات. إلا أن المتحصل عليه من وراء هذه الزيادات المالية ــ التي يتحملها في الأخير المواطن الجزائري البسيط ــ لن تغطي العجز المالي في المنظور القريب، وإذا لم تتحسن أسعار المحروقات، وإمكانه هو موضع شك وجدال. كما سرت تساؤلات عن الفائدة من وراء إلغاء الجزائر لديون 16 دولة، تصل قيمتها إلى 1402 مليون دولار.
ويبدو أن مواجهة السياسة المصرفية المعتمدة، وتحرير النشاط الاستثماري، وتمكين المؤسسات والهيئات المحلية من استغلال ثروات البلاد في قطاعات عدة، ومراجعة سياسة التوظيف، والاعتماد على الإنتاج المحلي والوطني لتقليص فاتورة الاستيراد.. تمثل إجراءات استعجالية يلزم اتخاذها بشكل حازم خشية التبعات الخطيرة على الاستقرار السياسي والسلم الاجتماعي للبلاد.