سجن الجلمة كذبة واحدة كبيرة، كل شيء فيه مسرحيّة، وكل شيء فيه على الإطلاق خدعة. مركز التحقيق الأخبث والأحقر، والذي نُقل إليه مروان البرغوثي منذ بدء الإضراب، مُهندَس كله، من أوله حتّى آخره، لكسر المعتقلين وانتزاع اعترافاتهم بواسطة الخداع والفبركة والاحتيال. هناك حقيقة يعرفها كل فلسطيني عنده ذرّة وعي: أي حرف ينطق به أي كائن حي غيرك في مركز تحقيق (كان محققاً أو أسيراً، أو حتى أبوك وأمّك) هو كذب ثم كذب ثم كذب يهدف لكسرك ودفعك للاستسلام - هذه، بالمرّة بالمرة، ليست مبالغة.
إسا في هون نقطتين مثيرات جداً، مع إنه للوهلة الأولى ببينوا مفهومات ضمناً. الأولى، هي كيف الإضراب عن الطعام برجّع الأسرى لمرحلة التحقيق وتكتيكاته - المرحلة المفصليّة والحرجة الي بتحدد من خلالها قربهن وبعدهن عن الحريّة والحياة، المرحلة الي فيهاش روتين، فيهاش عادة، فيهاش ولا أي نوع من أنواع التصالح مع وجودك في هذا المكان الي أسمه سجن. كيف بصفّي الشاباك عم بستعمل ضدّك فيلم، بستعمل ضدك تسجيل، بستعمل ضدك اعتراف رفيق، بستعمل ضدك صوت أمك عشان يكسرك.
النقطة الثانية، والأهم، هي قدّيش إحنا الي برّا، بلا ما نحس، خاضعين بالضبط لنفس تكتيك التحقيق والكذب والاحتيال والخدعة. إنه بنهاية المطاف حياتنا تحت الاستعمار مش أكثر من سجن واحد كبير متأقلمين نعيش معه، بالوقت الي الأسرى بالسجن الأصغر عم بفرضوا علينا وبوجّهولنا دعوة نرفض روتين السجن الكبير. بعرف إنه الي عم بقوله مفهوم ضمناً، بس الفيديو الي انتشر عم بخلّي المقاربة هلقد قويّة وحرفيّة.
بنهاية المطاف في إشي واحد مهم: كلشي بالجلمة كذب، وإحنا اليوم زي أي معتقل قاعد بغرفة تحقيق: منعرفش إشي، بدناش نعرف إشي، كلشي مفبرك وكلشي كذب، لحد ما ننتصر ونكسر المحقق والسجّان.
الكلب الي طلع يورجي فيديو مروان البرغوثي، نفسه الكلب الي طلع يورجي فيديو يعقوب أبو القيعان. تفاهة وغباء وسخافة وسطحية الشر والفاشية بتفكّر إنه الحريّة والحياة، إنها المطالب والحق وجمع الناس وقرارهن وكرامتهن، شغلات بتنكسر إذا استخفّوا بشخص، إذا لفّقوا تهمة، إذا فبركوا صورة، وإذا اغتالوا قائد.
المهم: راح ينكسروا.
من صفحة مجد كيال عن الفيسبوك (فلسطين)