إصلاح للتعليم في مصر؟

نبش مشروع قديم لمعالجة أزمة التعليم في مصر يرتكز إلى إلغاء تكافؤ الفرص الذي يمثله امتحان البكالوريا العامة، وإحالة القبول في الجامعات إلى امتحانات تجريها هذه الأخيرة.
2017-05-22

إيمان رسلان

صحافية من مصر مختصة بالتعليم


شارك
من الانترنت

"سنغيّر نظام التعليم المصري بأكمله بدءاً من العام القادم 2018"، هذا ما أعلنه وزير التربية والتعليم على هامش لقاءه بوفد من البنك الدولي يزور مصر هذا الأسبوع. وقال أيضاً إن أهم ملامح النظام الجديد هي إلغاء "مكتب التنسيق" والدرجات للقبول بالجامعات.

   

خارج التصنيف
 

في قاعة أنيقة، وقف وزير التعليم الأسبوع الماضي في مؤتمر عنوانه "عن الحلول الابتكارية والإبداعية في التعليم" ليصف نظام التعليم المصري بأنه سيء للغاية، وأنه من الطبيعي أن تخرج مصر من التصنيفات الدولية بعد أن احتلت طوال السنوات الأخيرة مراكز متأخرة.
حديث الوزير أثار دهشة الحضور، وجعله بعد ذلك يتراجع عنه. فاكتفى بالاشارة الى احتلال مصر لمراكز متدنية عالميا في التعليم، والى الحاجة للخروج من النفق المظلم مقترحاً إلغاء شهادة البكالوريا المصرية بشكلها الحالي باعتبارها تمثل امتحان "الفرصة الوحيدة"، واستبداله بنظام تراكمي للدرجات على مدار ثلاث سنوات، فتكون هذه العلامات شهادة نهائية تصلح لدخول سوق العمل، وليست مرتبطة بالالتحاق بالجامعات. فهذه سيكون القبول فيها عن طريق امتحانات تعقدها الجامعات نفسها، وتمنح على أساسها الطالب الاختصاص الذي يستحقه وليس ما يختاره له "مكتب التنسيق" طبقاً للدرجات التي حصل عليها.
بعد تصريح وزير التعليم من على المنصة وكان يجاوره وزير التعليم العالي المسؤول عن الجامعات، ارتبك الناس، واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي في نقاشات حول مشروع الوزير، وغالباً ما كان التحفظ على المشروع هو الرأي السائد. وجرى اتهامه بأنه سيجعل شهادة البكالوريا على ثلاث سنوات ما يزيد من أعباء الأسر المصرية، ولاسيما الطبقة المتوسطة التي تشكو بالفعل من الغلاء ومن ارتفاع تكلفة الدروس الخصوصية التي تجهد لتحملها لعام دراسي واحد.
ولذلك سارع مجلس الوزراء بإصدار بيان يؤكد فيه أن امتحانات البكالوريا التي ستجري الشهر القادم لا تعديل فيها وأن الحكومة ما زالت تدرس مشروعات التطوير المقترحة.
وعلى الرغم من  بيان مجلس الوزراء، إلا أن وزير التربية والتعليم عقب لقائه بمسؤولي البنك الدولي حدد موعداً لإلغاء نظام القبول الحالي ومكتب التنسيق، وقال أنه سيكون عام 2020 كموعد لتطبيق النظام الجديد، لأنه سيبدأ التطبيق على طلاب الصف الثانوي الأول من العام القادم.
 

الالتحاق بالجامعات سيكون عن طريق امتحانات تعقدها الجامعات نفسها، وتمنح على أساسها الطالب الاختصاص الذي يستحقه، وليس ما يختاره له "مكتب التنسيق" طبقاً للدرجات التي حصل عليها.
 

فما هو هذا التطوير الهام الذى يقترحه الوزير، والذي بسببه أصبح يدخل على صفحات المعارضين للمشروع ويكتب رداً عليهم باعتباره "لم يهبط على التعليم بمظلة، بل كان يرأس المجلس الاستشاري للتعليم التابع لرئيس الجمهورية طوال العامين الماضيين"، وأنه "على الرغم من عمله بالخارج وفي المنظمات الدولية، إلا أنه على دراية بالتعليم المصري" الخ.. بل قال إن المناقشات تتم في مجلس الوزراء ولدى الجهات المسؤولة، وليس على صفحات الجرائد ووسائل الإعلام!
وفي الواقع، فما تم اكتشافه هو أن المشروع الجديد قديم، سبق وطرح بالنص منذ عشر سنوات بالضبط، وتم رفضه شعبياً وإعلامياً، وحتى داخل مجلس النواب في ذلك الوقت. ولذلك توقف تماماً ومات في الأدراج. أسباب التحفظ على المشروع عديدة، منها أنه يقوم بتحويل شهادة البكالوريا إلى شهادة منتهية، ومعنى ذلك أن تتساوى مع شهادة "الدبلوم الفني". وخريجو هذا النوع من التعليم يعانون من أعلى نسب بطالة في مصر مقارنة بالحاصلين على درجة جامعية أو حتى بالأميين.
يضاف إلى ذلك أن إعطاء فترة سماح للالتحاق بالجامعات لمدة خمسة أعوام بعد الحصول على الشهادة الثانوية العامة قد يؤثر على مستوى الطلاب. كما أن أولياء الأمور أشعلوا المواقع خوفاً من أن تصبح الدرجات في يد المدرسين أداة لابتزازهم مالياً طوال ثلاث سنوات. ومن جانبهم، تحفظ المدرسون على المشروع وطالبوا أولا بتحسين رواتبهم التي تعوضها الدروس الخصوصية، بينما أثار بعضهم قضية أن تخصيص نسبة 30 في المئة ‏فقط من المجموع طوال الثلاث سنوات كشرط للتقدم لامتحانات القبول بالجامعات أمر غير منطقي ويهدر أهمية التعليم والتقييم للطالب، ويصبح أمر الذهاب إلى المدرسة غير مهم مقابل تخصيص 70 في المئة‏ لامتحانات القبول التي ستعقدها الجامعات.
 

تكافؤ الفرص
 

لكن النقطة الأهم هي إهدار مبدأ تكافؤ الفرص بعقد امتحانات للقبول بكل جامعة . وهي حتى لو تمت الكترونياً إلا أنها تفتح الباب إلى الوساطة والمحسوبية والتدخل بل وتوريث التعليم نفسه داخل التخصصات المختلفة. وإلغاء مكتب التنسيق لن يحل أي أزمة من أزمات التعليم لأنه عبارة عن أداة عمياء و"وسيلة مواصلات"  توزع الطلاب طبقاً لدرجاتهم في امتحان البكالوريا، وهي القضية التي  يكرهها وزير التعليم ويفضل نظام التقدير العام مع أن كليهما أدوات قياس، وإن كانت الدرجات أكثر دقة. بجانب أن أزمة البكالوريا المصرية ليست فقط في "الفرصة الوحيدة" التي تمثلها، وإنما هي في أن الاماكن المتاحة للقبول بالجامعات محدودة جداً ولا تتناسب مع الشريحة العمرية 18- 23 سنة، ومصر من أقل الدول في نسبة المقيدين بالتعليم العالي، التي لا تتجاوز 30 في المئة.
وقد رفض عدد كبير من أساتذة الجامعات مقترح امتحانات القبول، واقترح عدد منهم أن تعقد امتحانات موحدة لاختبار القدرات الخاصة للطلاب للقبول بالجامعات، مثل بقية دول العالم التي لديها جميعاً شهادة وطنية في نهاية المرحلة الثانوية وتعتبرها معياراً هاماً للقبول بالجامعات. أما إهدار قيمة التعليم والشهادة فأمر غير مقبول وسيعمل على هروب الكثيرين أصلاً من القيد والالتحاق بالمدارس الثانوية الحكومية، وسيعتبر الثانوي العام ميزة فقط لطلاب المدارس الخاصة والدولية.
يبدو أن الأزمة الاقتصادية كما قال أحد رؤوساء الجامعات الحكومية، وعدم وجود موازنات للصرف على التعليم، وحتى لتنفيذ مواد الدستور المصري الخاصة بذلك، هي من يقف وراء إعادة اخراج المشروع القديم من الأدراج. ويضاف إلى ذلك مقترح وزير التعليم الحالي بأن تقتصر المجانية على المتفوقين ومن يستحق.. حتى إنه ضرب مثالاً طابعة استهلاكي وتجاري قائلا بأن "من يريد المرسيدس فعليه أن يوفر ثمنها أولاً"، وكان ذلك في معرض رده على شكاوى أولياء الأمور من ارتفاع تكلفة التعليم والمدارس.
المشروع الجديد أصبح القضية الأولى الآن في كل بيت مصري ولاسيما ابناء الطبقة المتوسطة التي ما زالت تجهد لتعليم ابنائها، والتي يبدو أن أبواب الجامعات وتكافؤ الفرص سوف تغلق في وجهها!

مقالات من مصر

العاصمة المصرية في مفترق طرق..

رباب عزام 2024-11-21

على الرغم من الأهمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بالنسبة إلى المواطنين، للمنشآت والمباني المقامة حالياً على أراضي "طرح النهر"، خاصة في العاصمة القاهرة، إذ يشمل أغلبها كثيراً من الأندية الاجتماعية التابعة...

للكاتب نفسه

مصر: المندوب السامي التعليمي؟

مدراء مشروع "المعلمون أولاً" الذي ترعاه وزارة التربية ويهدف الى تطوير وتدريب مليون ونصف معلم مصري.. كلهم أجانب: لم يُعرَف للمشروعات  التعليمية بمصر مدير أجنبي إلاّ فى عهد الاحتلال الانجليزي.

المعلمون في مصر: الحرامية الشرفاء

وزير التعليم وصف المعلمين بالحرامية، ما أثار ضجة كبيرة غطى عليها ارتفاع رسوم التسجيل في المدارس الرسمية بنسبة 50 في المئة وقلق المعلمين على وظائفهم بعدما اعتبرهم الوزير فائضون عن...

فقراؤك يا وطن

قصة مريم وعبد الراضي، الشابان الآتيان من عائلات موغلة في الفقر، واللذان حصلا على مجموع تام في شهادة البكالوريا هذا العام، وسؤال مصيرهما لولا وجود مجانية التعليم التي يُسعى لإلغائها...