لمصر تاريخ طويل مع التحديث، وتحديداً على مستوى بنية الدولة، بكل ما يفترضه من تعقيد قانوني ومؤسسي وبيروقراطي وأمني. جهاز الدولة المصري من أعقد الأجهزة التي تمتلك تطوراً كبيراً في آليات وأدوات المراقبة، فضلاً عن تشعب المؤسسات القائمة على المراقبة، المدنية: العديد من الأجهزة لمراقبة السوق، والعمل داخل وزارات الدولة، ومراقبة المسؤولين، والمجال الصحي سواء على مستوى الأجساد أو الأوبئة أو المؤسسات الصحية الخاصة والعامة.. والأمنية والعسكرية : المخابرات العامة، أمن الدولة (الأمن الوطني حالياً)، المخابرات العسكرية، الجهاز الأمني التابع لرئاسة الجمهورية، حرس الحدود.. وأخرى شبه عسكرية/ أمنية.
مصر دولة بوليسية وعسكرية وأمنية بأمتياز. ولكن سمتها الأساسية أنها دولة بوليسية، كما أنها شهدت تكثيف لعمليات الأمننة على مستوى الخطاب السياسي والأيديولوجيا والممارسات والأجهزة. وهناك عملية دائمة من العسكرة تختفي أحياناً وتزدهر أحياناً أخرى حسب السياق السياسي والاقتصادي والاجتماعي. والمقصود هنا بالعسكرة ليس فقط استحواذ العسكريين على المناصب المختلفة داخل الدولة وخارجها (محافظين، رؤساء هيئات عامة، رؤساء مجالس إدارات، وزراء، رجال أعمال)، ولكن أيضاً هيمنة الجيش الذي يلحق به الحياة العامة، من اقتصاد وتجارة وأمن واستثمار. وعلى الرغم من هذا كله، فهى دولة تعاني من انفلات وعشوائية شديدة وبالأخص على مستوى المدن، ومعدلات ضخمة من الفساد، وعنف اجتماعي يومي: الاستيلاء على أراضي الدولة، البناء المخالف، البلطجة على الأماكن العامة وتحويلها إلي ريع.. مصر أحدى نقاط الهجرة غير الشرعية لأوروبا عبر البحر المتوسط، وهناك مستويات عالية من التهريب والتجارة غير النظامية، ومستويات عالية من استخدام السلطة البوليسية للعنف الرمزي والتعذيب الجسدي المباشر. وهذه نتائج لا تطابق هذا الكم من المراقبة والأجهزة المعنية بهذا المجال.
لمحاولة فك هذا التناقض وفهمه، وربما فهم أحدى تعثرات الحداثة في مصر من ناحية الترشيد والانضباط الاجتماعي وبناء سلطة ودولة قوية تحت مظلة قانونية فعالة، يجب أولاً توصيف أشكال المراقبة، والنظر ثانياً إلي نقاط التماس بين هذه الأشكال، والكشف ثالثاً عن الثغرات داخل هذه المنظومة (والمقصود منظومة السلطة بشكل واسع وليس فقط جهاز الدولة).
فما هي أنماط هذه الأشكال الكثيفة والمتعددة من المراقبة وأشكالها وأهدافها ؟ ما هى مستويات التنسيق بين هذه الأشكال وتجلياتها على المجتمع؟ ما مدى كفاءة هذه الأشكال من المراقبة؟
التوصيف
سواء كانت المناطق مترفة أم شعبية، سنجد أن هيكل المراقبة واحد تقريباً، ولكن عناصر هذا الهيكل تزيد أو تقل بحسب اختلاف المنطقة واحتياجات المراقبة فيها. سيراقب البوليس الحي من خلال عدة أشياء: القسم (المخفر) التابع للحي، وهو يمثل شق مؤسسي محض يقوم بتحصيل البيانات والمعلومات عن المنطقة وأهلها، عمل بطاقات للأشقياء والمسجلين خطر، مراقبة النزاعات والصراعات القائمة في الحي من خلال المحاضر المحررة. ولدى القسم أيضاً دوريات المباحث التي تقوم بالتفتيش ومباغتة السكان من حين لآخر من خلال ما يعرف بالحملات الأمنية، سواء لإظهار القوة وممارسة الارهاب المؤسسي أو لمطاردة بعض الخارجين عن القانون. ويلحق بالقسم "شيخ الحارة" (وهو يشبه "المختار" في أماكن أخرى)، وفي المناطق غير المدينية يكون شيخ القبيلة والعمدة، وهذه كلها مناصب رسمية ملحقة بوزارة الداخلية، ولكنها تلعب دور الوسيط بين السلطة والمجتمع أكثر مما هي مناصب تابعة بشكل مباشر للسلطة. ثم يقوم القسم بنشر المخبرين وتجنيد المرشدين لمراقبة المنطقة. بجوار هذا كله، يأتي دور مهم للشبكات الزبائنية، التي كان أغلبها تابعاً للحزب الوطني، وتتم إدارة الأمور محلياً بين المخفر والحزب. وكذلك الحال في المحافظات المختلفة، حيث يحتل المركز (وهو أكبر إدارياً من القسم) هذا الدور.
ولكن العلاقة مع هذه الشبكات الزبائنية تظل حجر الزاوية في مراقبة وإدارة المنطقة. وعلاوة على هذه التشكيلة المتعددة، تلعب شبكات البلطجة دوراً مهماً في مراقبة المنطقة ومراقبة الشبكات الاجرامية غير المسيطر عليها من قبل الداخلية. وبشكل أوسع من الحيز الأمني المباشر، يدخل أفراد اجتماعيون آخرون في أدوار متعددة من المراقبة مثل حارس العقار، الجيران أنفسهم وأطراف المؤسسة الدينية (الرسمية وغير الرسمية). وهذه تقوم بتسليم تقارير عن أية أحداث تقع أو أفراد يثيرون ريبتها، كما تلعب دوراً أخلاقياً وقيميا في ضبط الأجساد والحريات. ومع التطور التقني، أصبحت كاميرات المراقبة أحد أهم الأدوات المعتمدة، وهي موضوعة في المحلات التجارية أو الحرفية والصيدليات والمطاعم والشوارع الرئيسية. وفي بعض المساحات تشارك المخابرات العامة بنصيب من المراقبة هى الأخرى. ومؤخراً أصبحت الداخلية تفرض على العديد من المحلات والأماكن التجارية والمطاعم وضع كاميرات مراقبة كشرط لجديد التراخيص، وهي حالة وسط البلد بالقاهرة، أو تتطوع هذه الأماكن بوضع كاميرات لضمان أمنها.
وكل هذا يثير سؤالاً آخر: لماذا تستخدم الداخلية العنف وتزيد من حدة المراقبة المباشرة؟ لأن هذه الشبكات السابق ذكرها، على الرغم من قوتها، تعاني من عوار كبير. فهي تتطلب ضبطها وقمعها هي ذاتها، وذلك حتى لا تتحول إلى منظومة غير تراتبية يتساوى فيها ال"ميري" (السلطوي او الدولتي) والمدني فيما بينهما، كشركاء مستقلين. فعلى الميري ضرب حلفائه من حين لآخر أو استبدالهم، لكي يتحول إلي مركز التراتبية داخل هذه الشبكة ويحتل المرتبة الاعلى فيها. وهذا ينطبق على شبكات البلطجة، والعائلات الكبرى وكافة أشكال العلاقات الزبائنية مع الدولة.
كما أنه ثانياً ــ وهي إشكالية تواجه الدولة منذ الاستعمار الإنجليزي ــ فهذه الطريقة في نشر شبكات موالية ومرشدين محليين تعاني من نقص في التعاطف الشعبي. ولذا تغض السلطة الطرف عن بعض الفاعلين الذين تراهم مجرمين بسبب اعتبارات اجتماعية معقدة. وكان الإنجليز أثناء سيطرتهم على وزارة الداخلية أول من ألتفت لهذا الأمر كثغرة كبيرة في النظام الأمني، مما أستدعى الدفع بدوريات متحركة بشكل دائم وبالأخص بعد 1919. وهو ما يحدث حتى الآن حيال بعض الشباب داخل المناطق الشعبية أو حتى بعض الأشقياء والبلطجية.
مع مرحلة الاقتصاد الخدمي
بانهيار التجربة الناصرية، أصبح المجتمع المصري يعاني من أمرين: 1- توحش الاقتصاد الخدمي، وسيولة حركة العمالة، 2- غياب أي أشكال جادة للتنظيم الاجتماعي والسياسي، سواء جماهيرية مستقلة أو تابعة للدولة (وهو أمر كانت الدولة راغبة فيه، للتحرر من أي مسؤلية اجتماعية او سياسية)، وفشل "الحزب الوطني" في القيام بهذا الدور وبالأخص منذ الألفية الثالثة، حيث تحول إلى حزب زبائني فقط (في الفترة الناصرية كان "الاتحاد الاشتراكي" يلعب الدورين) وصار صاحب مشروع ضيق يستهدف شريحة قليلة من السكان.
تشير الاحصائيات إلى أن 40 في المئة من الاقتصاد المصري غير نظامي، كما أن أغلب الشباب هم في حالة ترحال دائم للبحث عن فرص عمل في القطاعات الخدمية ذات الدخول المنخفضة، أو هم عاطلون عن العمل. وعلى المراقبة بالتالي أن تصبح أكثر سيولة لمواكبة هذه التحولات
وهكذا تطلب الأمر أن تتحول المراقبة إلى حالة شبكية بالكامل، مستعينة بتراث قديم في هذا المجال. ففي الفترة الناصرية وربما حتى نهايات تسعينات القرن الماضي، عند استكمال الخصخصة، كانت الأجهزة الأمنية تجد أمامها بنى (بيرواقرطية، شركات عامة، اتحاد العمال، المصانع الحكومية..) تصلح لاختراقها بشكل مؤسسي وبالتالي اختراق الأنسجة الأجتماعية من خلالها. ولكن في المراحل الأخيرة، لم يتبق غير البيروقراطية، وهى مسيطر على أغلبها من قبل "الداخلية" إذ تقع أغلب الأجهزة البيروقراطية تحت سيادتها مؤسسياً. والاحصائيات تشير إلي أن 40 في المئة من الاقتصاد المصري غير نظامي، كما أن أغلب الشباب هم في حالة ترحال دائم للبحث عن فرص عمل في القطاعات الخدمية ذات الدخول المنخفضة، أو هم عاطلون عن العمل، وبالتالي ولمواكبة هذه التحولات، فعلى المراقبة أن تصبح أكثر سيولة.
ومن هنا تفهم مثلا ما يُعرف ب"حملات الازالة" وما يصحبها من عنف شديد وتوتر في الشارع داخل المدنية. بل ربما يتطلب الأمر قرار سيادي من رئاسة الجمهورية مثلما حدث مع حي "العتبة" في نهاية ثمانينات القرن الماضي، أو مع منطقة رمسيس ووسط البلد في 2014. كذلك الحال مع الأسواق المستقرة تاريخياً. فالداخلية تفشل في إيجاد صيغ من الضبط الثابت بعيداً عن الحملات أو مرور رئيس المباحث أو الأمناء. ويلعب الفساد دوراً مهماً في فشل المراقبة وفي تكثيفها في الوقت نفسه. فالفساد والاختراق المتبادل بين الداخلية والشبكات الزبائنية يجعل هذه الاخيرة غير قادرة على مراقبة أفرادها. فإذا أراد ضابط مباحث مثلاً القيام بحملة جادة على بعض تجار المخدرات، فسيتطلب الأمر سحب جميع أجهزة الاتصالات من معاونيه، وتحديداً من أمناء الشرطة. وربما تطلب الأمر تنسيق خفي مع مديرية الأمن أو مأمور القسم بعيداً عن زملائه. أضف إلى ذلك، وجود أعداد كبيرة من الناس خارج هذه الشبكات أو على أطرافها. فمصر مجتمع ضخم سكانياً، وهذه الشبكات وحدها غير كافية بدون عنف شرطي يومي.
كما تقوم الداخلية بعمليات من الإدخال عنوة في دائرة المراقبة. هناك ممارسة تتم في أغلب المناطق الشعبية وهى عمل "كارتات" لما يعرف قانونياً وشعبياً بالأشقياء.
وهى ممارسة قديمة وتم تعقيدها قانونياً عبر مراحل مختلفة أبرزها جرى في أربعينات القرن الماضي. تجعل هذه الممارسة قطاعات كبيرة من الشباب تحت وطأة المراقبة والاستدعاء الدائم إلى القسم الذي يتبعون له. وتهدف هذه المراقبة إلى أمرين: بسط النفوذ الشرطي على أكبر قدر من الشباب وأسرهم، والضغط على قطاع كبير من الشباب للعمل كمرشدين للداخلية. وهذه الممارسة هي بمثابة تقييد كامل لحرية الحركة والاختيار، فالمرء مجبر دوماً على الانصياع لرئيس المباحث وهو تحت وطأة التهديد الدائم. إضافة إلى هذا، يفرض على كل مسجون جنائي سابق، وأحياناً حتى على السياسيين المعتقلين، ما يعرف ب"تأدية المراقبة" أي الحضور الى القسم لعدة ساعات يومياً، كما حدث مع أحمد ماهر المنسق السابق لحركة 6 ابريل. وهذه الممارسة يتم استغلالها مع الشرائح الأفقر، حيث يفرض عليهم تنظيف حمامات القسم أو العمل لساعات طويلة وشاقة وفق مزاج السادة الضباط والأمناء. الغرض من ذلك ليس ترشيد الحركة وضبطها، بل لمنعها وتقييدها.
في الحيز العام: تدابير مختلفة
هذه الترتيبات من الضبط والمراقبة والتحكم هي ذات طابع شديد المحلية، ويمكن القول أنها إدارة للحيز الخاص. فإذا خرجنا إلي ما يمكن مجازاً تسميته بالحيز العام ،أي الشوارع الرئيسية التي تربط المدن ببعضها البعض، أو نقاط الخروج والدخول، سنجد ما يعرف بالكمائن، وأنتشار كثيف للأمناء والمخبرين. وسنجد أيضاً أن الداخلية بدأت تحاصر المناطق والمدن من الخارج. فمنطقة كبيرة مثل المقطم بالقاهرة، لها مدخلين فقط، على أحدهما (القادم من السيدة عائشة وطريق القلعة) كمين ونقطة شرطة عسكرية، وعلى الطرف الآخر (الطريق الدائري والطرق المؤدية للقاهرة الجديدة) ستجد قسم المقطم نفسه، وعنده كمين ثابت أيضاً وتحديداً ليلاً. وتنتشر في المدن ليلاً، سواء الآن أو سابقاً، عدة كمائن ثابتة وحملات أمنية خفيفة متحركة.
يلعب الفساد دوراً مهماً في فشل المراقبة وفي تكثيفها في الوقت نفسه. فالفساد والاختراق المتبادل بين الداخلية والشبكات الزبائنية يجعل هذه الاخيرة غير قادرة على مراقبة أفرادها. فإذا أراد ضابط مباحث مثلاً القيام بحملة جادة على بعض تجار المخدرات، فسيتطلب الأمر سحب جميع أجهزة الاتصالات من معاونيه، وتحديداً من أمناء الشرطة.
وهذه الآليات من المراقبة والسيطرة تقع لأسباب عديدة منها فلش الدولة البوليسية على المجتمع وفرضها عليه، كما تقع للتغطية على عوار الأشكال المحلية من المراقبة. وهو ما يضع السلطة والأفراد في تناقض مستمر، والتضييق وربما أحياناً العنف مع أشخاص غير مستهدفين. هناك مثال كثيراً ما يحدث على كمائن بعض المدن، وهو أن احد أفراد هذه التشكيلة جاء ليقضي سهرة مع بعض الاصدقاء في الإسكندرية، وهو من البحيرة - وربما يدخن الحشيشة ليلاً مع مأمور المركز نفسه - وبما أنه قادم لزيارة الأصدقاء فيحمل معه بعض القطع منها (ليس للاتجار ولكن للوجاهة والزيارة)، فيتم تفتيشه عند أحد الكمائن التي تسمى في العرف الشرطي ب"الحدودية". وهنا يقع صدام بين نمطين من الترتيبات. فإذا لم يستطع هذا الرجل اثبات انتسابه للشبكات الزبائنية وعلاقته الوطيدة بالداخلية فربما يتعرض لمأزق جاد، وأحياناً يكون الأمر معرض لبعض المشاحنات والتباهي الذكوري، بالأخص إذا كان الضابط من الرتب الصغيرة. ولكن جزءاً من هذه العملية بكل تناقضتها مرغوب من الميري. فهي تخدم دوماً علوه في تراتبية العلاقات، وأن لا أحد خارج هيمنة الدولة البوليسية، وأن تفعيل القانون يمكن أن يتم إنفاذه في دقائق. ينطبق الحال نفسه على البناء المخالف وعلى أمثلة أخرى. فإذا أراد الميري إخضاع أحد حلفائه يقوم بالتلويح بفرض القانون. وهو ما يجعل من القانون أداة أخرى شديدة القوة للضبط والهيمنة، ولكنه دوماً "مستدعى" وليس موضع تطبيق دائم. وبشكل عام، فالمنظومة الأمنية في القلب منها بيروقراطية، يجب عليها تحقيق عدة أهداف في محصلة نهاية العام. ومن هنا تكون كل هذه السجلات من المراقبة مفيدة لاختيار ضحايا العام.
خلاصات
لا يمكن فهم المراقبة في مصر بدون ربطها عضوياً بتعقيدات الدولة البوليسية والاغراق في أساليب الاخضاع المحلي داخل كل منطقة، وبالتالي فهم هذا المستوى من التركيب والتناقض بين أنساق مختلفة المراقبة والعلاقات المتبانية مع الذوات المتعددة التي تختلف طبيعتها من حيز لآخر. تركيب مستويات المراقبة وتكثيفها، ليس ناتج عن تناقض أو فشل في التنسيق بين المستويات المختلفة، بل هو ضرورة بنيوية لاستكمال حلقات الإحكام. ولكن هذه ستعاني بالضرورة من فشل كبير، لأن التكثيف غير بنّاء، ولو أنه ناجح على مستوى الارهاب الجمعي ووضع الميري في تراتبية أعلى من شبكاته الزبائنية. ولكن من هم داخل هذه الشبكات سيجدون طريقهم عبرها وفي دهاليزها. وهكذا نصبح أمام تكثيف للمراقبة لا يستقوي الا على الأطراف الأضعف.
يطرح سؤال المراقبة مأزق منهجي. فمن ناحية هى مراقبة ذات طابع حداثي وتعقيد قانوني، ولكنها وأن اتفقت في الأدوات والآليات مع الحداثة، فهي تختلف جذرياً معها في الأهداف والغايات. والمراقبة تميل لتكون شيئاً غير مرئي، ولكنها معلومة وحدوثها أمر متحقق يعرفه الجميع. في مصر، على المراقبة أن تلعب الدورين المرئي وغير المرئي، لأن مساحات كبيرة يتم أخضاعها بالعنف المباشر، كما أن غياب حركة انتاج منضبطة تجعل من ظهور واستعراض الدولة البوليسية لنفسها ضرورة وظيفية. من المفترض نظرياً أن تكون المراقبة أكثر رشداً وأن يكون هدفها هو ترشيد الحركة والانتاج، وأن تقوم باستبدال العنف لصالح الضبط الذاتي. الإ أن التناقضات في طبيعة الحكم والإدارة البوليسية تجعل منها أكثر عنفاً وهدفها الأساسي هو المنع والتقييد، وليس الانتاج والترشيد.