تستعد الأحزاب السياسية في الجزائر لخوض غمار الانتخابات التشريعية في الرابع من أيار/ مايو. ويميّز هذه الدورة ترشح رجال أعمال وأصحاب مال في أحزاب موالية للسلطة، كحزب جبهة التحرير الوطني وحزب التجمع الوطني الديمقراطي. وكانت طرأت على هذه الأحزاب تغييرات، كانضمام أكثر من ستة وزراء إلى "حزب جبهة التحرير الوطني" منحت لهم مباشرة عضوية اللجنة المركزية في المؤتمر العاشر الأخير. كما انخرط عدد من الوزراء مؤخراً في "حزب التجمع الوطني الديمقراطي" الذي يرأسه مدير ديوان رئاسة الجمهورية أحمد أويحي. الحزبان اللذان رشحا في العديد من ولايات ومحافظات الجزائر وزراء، تنافسا على استقطاب شخصيات تنشط في الأعمال الحرة وتدير مؤسسات. وقد وُجهت بعض قوائم حزب جبهة التحرير الوطني في المحافظات بالغضب من قبل مناضلي الحزب وصلت إلى حرق إحدى المقرات، بينما يعتبر الحزبان أن الاستعانة برجال الأعمال في العمل السياسي حالة صحية وإيجابية.
من جهة أخرى تنتقد أحزاب معارِضة في البلاد، تجمعت في "مجموعة الانتقال الديمقراطي"، الوضع السياسي الراهن وتراه غير محفز على المشاركة في العملية الانتخابية، بسبب السماح بتوظيف المال، أو ما يسمى هنا "الشكارة"، مما يسمح بتغول رجال المال. بالمقابل تشارك بعض الأحزاب التي تصنف نفسها ضمن هذه المجموعة السياسية المعارضة، في الانتخابات التشريعية. ويتعلق الأمر بأحزاب التيار الإسلامي التي تكتلت في قوائم مشتركة بالمحافظات.
بعض هذه الشخصيات المرشحة للانتخابات منخرطة في تكتل "أرباب المؤسسات" الذي يرأسه رجل الأعمال علي حداد الذي يبدو أنه يتنقل بين المحافظات بالجزائر لتنشيط الحملة الانتخابية لصالح جبهة التحرير الوطني متحدثاً عن سياسة الحكومة ومقيّماً أداء مؤسسات الدولة.. على الرغم من أنه يكرر دائماً أن تنظيم أرباب المؤسسات لا يمارس السياسة ولا علاقة له بالعمل السياسي، وهو تكتل لرجال الأعمال والمؤسسات الخاصة في الجزائر.
ويبدو أن اتجاه الحزبين المواليين للسلطة الاعتماد على ترشيح عدد من رجال الأعمال يطرح تساؤلاً عن علاقة ذلك بإعادة ترتيب الحياة السياسية في الجزائر ولما بعد الانتخابات التشريعية اليوم.. أي إلى تلك الرئاسية عام 2019.
ما يقارب 320 شخصية من رجال الأعمال مرشحون، بعضهم كان منتخبا في مجالس بلديات أو ولايات.
بلغ عدد القوائم الانتخابية للأحزاب المشاركة في الانتخابات التشريعية 53 قائمة بحسب رئيس الهيئة المستقلة لمراقبة الانتخابات التشريعية. ومن بينها أحزاب التحالف الرئاسي السابق التي اجتمعت على دعم برنامج رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة وافترقت بعدها لتشارك في الانتخابات متنافسة على استقطاب أكبر عدد من الأصوات، وهي تتخوف من عزوف المواطنين. ومن هذه الأحزاب "حركة مجتمع السلم" الذي تكتل مع أحزاب إسلامية التوجه للمشاركة في الانتخابات البرلمانية بقوائم موحدة، وهو ينتقد توظيف المال في السياسة.
هل حقاً يملك رجال الأعمال هؤلاء المساهمة في التخفيف من تبعية الاقتصاد الجزائري لقطاع المحروقات، كما يروج علي حداد، رئيس منتدى أرباب المؤسسات، في أحاديثه الأخيرة للإعلام الجزائري؟
بينما قال قادة أحزاب أخرى أنه لا مانع من ممارسة رجال المال والتجارة العمل السياسي فهم يشكلون وبطبيعة الحال ثقلاً هاماً في العمل التنموي مما يزيد من قوة الأحزاب.. خصوصاً في هذه المرحلة الاقتصادية الصعبة بسبب شح الأموال وزوال عهد البحبوحة التي عجت بها الخزينة العمومية بمليارات عائدات البترول والمحروقات.
ومع نهاية الحملات الانتخابية للأحزاب ودخولها مرحلة الصمت الانتخابي قبل موعدها في 4 أيار/ مايو، يستعرض عدد من متصدري قوائم المترشحين من رجال الأعمال والمال "إمكانياتهم الخاصة" لإنجاح حملاتهم الانتخابية "الجوارية". ويبدو من أولويات الحكومة دفع أكبر عدد من الناخبين للمشاركة في التصويت، وهي كثفت عبر الإعلام العمومي من "حملات التوعية" بهذه الغاية.
وليس أمر الوصول إلى نسبة تصويت عالية متعلق بالإمكانات المالية فحسب، بل بعدم إلمام الكثير من رجال المال والأنشطة الحرة الكبيرة بالانشغالات الاجتماعية والسياسية المطروحة، على غرار حراك "الجبهة الاجتماعية" وتدهور القدرة الشرائية للناس ولا يمكن لمشاركة رجال الأعمال أن تخدم العمل السياسي أو تضيف له شيئاً.
ثم هل حقاً يملك رجال الأعمال هؤلاء المساهمة في التخفيف من تبعية الاقتصاد الجزائري لقطاع المحروقات، كما يروج علي حداد رئيس منتدى أرباب المؤسسات، في أحاديثه الأخيرة للإعلام الجزائري؟