في أواخر آب/ أغسطس من العام 2012 بدأت هذه الزاوية مع صديقي وزميلي مخلوف. لأكثر من ثلاث سنوات كنت أكتب، مصحوباً برسوم مخلوف، حول الوضع في مصر، بالطريقة التي أحبها، أدفع الأشياء لحدودها القصوى، وأنجح مرة وأفشل مرة.
عندما سمعت عن "السفير العربي" للمرة الأولى، تساءلت: كيف يمكن إصدارمطبوعة عن العالم العربي، دون أن تتحول هذه المطبوعة لمانيفستو لأفكار قوموية عنصرية تمجد المشترك وتمحو المختلف، على نحو ما رأينا في مشاريع سياسية عروبية تنحو للفاشية؟ وأصلاً وأصلاً، هل يمكن الكلام عن عالم عربي واحد الآن؟
نعم، ولكن بشكل مختلف عن التصور السائد. علمتني ثورات الربيع العربي هذا. ما الذي جعل المصريين يتابعون مشاهد الثورة التونسية فيتعاطفون معها ويغارون منها ويهبون ليصنعوا ثورتهم بتأثير منها، ما الذي دفع سوريين شاهدوا بدورهم الثورتين المصرية والتونسية إلى الشوارع لإسقاط النظام؟ واليمنيين، والبحرينيين، وغيرهم. بغض النظر عن مآلات الثورات والفشل الراهن، ولكن الربيع العربي أظهر شيئاً يربط بين الشعوب العربية، تأثير وتأثر وحب وغيرة وفهم. وحدة اللغة ربما؟ كوننا نفهم بعضنا؟ على العموم، وهذه ظاهرة كثيراً ما أتأمل فيها، كان أحد التعريفات الأولى لسؤال "من هو العربي؟" أنه "من يتحدث اللغة العربية". أميل لهذا التعريف، الإنسان العربي، لا بوصفه إنساناً أعلى ولا أدنى، يفهم أخاه، الإنسان العربي، أي جاره متحدث العربية، الآخر.
من هذه الناحية، بجانب نواح أخرى، فـ"السفير العربي" شديد القرب من تجربة الثورات العربية. يكتب فيه كتاب من جميع الأقطار العربية عن بلدانهم. يتحدث الكاتب العراقي، أو التونسي أو الجزائري، لا عن العروبة ولا عن الأمة الواحدة ذات الرسالة الخالدة، وإنما عما هو أقرب إليه، عن بلده أو مدينته. ويقرأه آخرون يعيشون في بلدان عربية أخرى فيعرفون أكثر عن المساحات الأكبر لمنطقتهم. هناك شيء يربط المواطن العربي بأخيه العربي. هذا ما لا يراه أعداء القومية العربية، ولا يبالي به أنصارها الزاعقون الذين أرادوا البدء من فوق، من النخب السياسية والعسكرية في فترات ما بعد الاستقلال. للتذكير: الربيع العربي بدأ من تحت. من إنسان أحرق نفسه في سيدي بوزيد. و"السفير العربي" بدأ بالشباب. قالت بفخر أمامي مرة نهلة الشهال أن الغالبية الساحقة لمن يكتبون في الملحق لا تتجاوز أعمارهم الثلاثين عاماً. سألتني، وانت قديه عمرك؟ قلت لها، 35، فقالت لي ضاحكة إنني تجاوزت الحد الذي تحكي عنه.
أنا شديد الفخر لكوني جزءاً من تجربة "السفير العربي". وهذا أمر لا حيلة لي فيه، فالالتزام بنص أسبوعي في حد ذاته أصبح يضجرني. نفدت طاقة الالتزام بالكتابة، مؤقتاً ربما. وأنا أحب أن تبقى علاقتي بالسفير العربي علاقة حب، لا التزام أسبوعي. ولهذا رأيت أنه من الأفضل التوقف عن الكتابة في هذه الزاوية، والكتابة فقط عندما تخطر على بالي فكرة جديدة.
شكرا لكل من أحبوا "الزاوية الحمرا"، شكرا لمخلوف، وشكراً لنهلة الشهال، شكرا لجميع فريق السفير العربي.
(نص نائل الطوخي ورسم مخلوف)