استفتاء على شعبية القائد

وقف القائد محمياً بجموع شعبه المهول، الذين كانوا جميعاً معه، باستثناء ثلثي الشعب. ولكن ثلثي الشعب ليسوا من الشعب، هم أقلية حقيرة. أما ثلث الشعب المتبقي فكان هو الشعب الحقيقي. هذا ما قالته الصحف ونشرات الأخبار، هم روح الشعب. توقفوا عن الإيمان بالأرقام وآمنوا بروح الشعب. ولكن لو كان ثلث الشعب هو روح مصر، فهناك مشكلة حقيقية في تعريف مصر، لأن هذا الثلث ظل يتصرف بحماقة شديدة، لدرجة أن
2015-10-28

شارك

وقف القائد محمياً بجموع شعبه المهول، الذين كانوا جميعاً معه، باستثناء ثلثي الشعب.
ولكن ثلثي الشعب ليسوا من الشعب، هم أقلية حقيرة. أما ثلث الشعب المتبقي فكان هو الشعب الحقيقي. هذا ما قالته الصحف ونشرات الأخبار، هم روح الشعب. توقفوا عن الإيمان بالأرقام وآمنوا بروح الشعب.
ولكن لو كان ثلث الشعب هو روح مصر، فهناك مشكلة حقيقية في تعريف مصر، لأن هذا الثلث ظل يتصرف بحماقة شديدة، لدرجة أن البعض ظل يتسرب منه وينضم للثلثين الآخرين، على الأقل يتعاطف معهما، ولم يلحظ أحد هذا إلا في وقت متأخر.
بالتدريج أصبحت هناك مشكلة حقيقية في تعريف "ما هو الثلث"، هل هذا حقيقي أن هذا هو الثلث؟ أخذت مكاتب الإحصاء إجازة لأنها وجدت المهمة أصعب من أن تقوم بها. وفي يوم تسرب فيديو لوزير الإحصاء في بيته، لأنه توقف عن الذهاب لمكتبه منذ شهور طويلة، وأعلن أن الثلث لم يعد ثلثاً، وإنما هو ربع الآن، ويتم تجريف ليصل للخُمس قريباً. ولكن هذا لا يعني شيئاً، لأن هذا الربع، أو حتى لنقل، هذا الخُمس، هو من يمثل روح الشعب. هو الأشد إيماناً وصلابة، ولا نعتمد إلا عليه في معركتنا الخالدة.
بعدها بأيام اتضح أن وزير الإحصاء كان شديد التفاؤل، لأن ثمة انتخابات أجريت في البلد، وكان محورها هو شعبية القائد، ولم يحضرها سوى خمسين ألف شخص، وهو ما يمثل واحداً على مئة وستين.
توقف الناس عن حساب النسبة، وجلسوا في بيوتهم جميعاً ليروا عن ماذا ستسفر الأحداث.
وهنا كان لا بد للقدر أن يضع اللمسة الختامية، هطلت السماء بأمطار غزيرة، شديدة الغزارة، جرت في أنحاء البلد كلها وأغرقت البيوت، ومات عدد كبير من الناس، ومنهم ناس، كما هي العادة، كانوا من ضمن الثلث الذي لم يعد ثلثاً، وناس من ضمن الثلثين. الكوارث الطبيعية لا تميّز بين الناس بحسب انتماءاتهم السياسية. سحبت الأمطار معها أيضاً الخمسين ألفاً، وعشرات الآلاف غيرهم.
وهنا بقي القائد وحيداً. ظهر على التلفزيون وقال إنه حتى لو كان هو الوحيد الذي تبقى من بين مؤيديه، فهذا لا يعني شيئاً، لأنه هو الوحيد الذي ما زال يمثل روح الشعب، وقال احمدوا الله أني لم أغرق في الأمطار. وصفّق القائد لنفسه وصفّر لنفسه وخرج مسرعاً من القاعة للبيت ليكتب مقالة في حب نفسه.

نص نائل الطّوخي ورسم مخلوف