تسييس كل شيء

وقع زلزال كبير في البلد، وقتل على إثره مئات الأشخاص. واحتارت السلطات. في البداية قررت تجاهل الاتهامات بالإهمال، وعدم الاستعداد لمثل هذه الكوارث الطبيعية. وفي المؤتمر الصحافي المنعقد بمناسبة الكارثة الطبيعية، عزّى المتحدث باسم السلطات أهالي الضحايا وقال إن السلطات متألمة مثل أهالي الضحايا بالضبط. ساد التأثر المؤتمر الصحافي. ساد وسيطر حتى كاد المتحدث الرسمي يبكي، لولا أن صحافياً وقف وسأل
2015-10-01

شارك

وقع زلزال كبير في البلد، وقتل على إثره مئات الأشخاص. واحتارت السلطات. في البداية قررت تجاهل الاتهامات بالإهمال، وعدم الاستعداد لمثل هذه الكوارث الطبيعية. وفي المؤتمر الصحافي المنعقد بمناسبة الكارثة الطبيعية، عزّى المتحدث باسم السلطات أهالي الضحايا وقال إن السلطات متألمة مثل أهالي الضحايا بالضبط.
ساد التأثر المؤتمر الصحافي. ساد وسيطر حتى كاد المتحدث الرسمي يبكي، لولا أن صحافياً وقف وسأل المتحدث عن استعدادات السلطات لمواجهة هذا الحادث، وقال إنه صحيح لا يمكن منع كارثة طبيعية كهذه، ولكن على الأقل كان من الممكن التقليل من أثارها والاستعداد لها. ارتعشت نبرة المتحدث الرسمي للسلطات، وهو يقول للصحافي إنه يحاول تسييس كل شيء. وقالها بحدة وغضب لدرجة أن الجميع غضبوا من نبرة صوته، وانفض المؤتمر الصحافي.
ولكن عندما عاد المتحدث الرسمي إلى بيته، بدأ يفكر في كلام الصحافي، وبشكل ما بدا له أن الحق معه. كان المتحدث الرسمي أستاذاً بكلية "سياسة واقتصاد"، وعليه فقد كان يعرف أن السياسة حاضرة في كل الأشياء. وأنه ليس هناك كارثة طبيعية مئة في المئة. يمكن القول إن المتحدث الرسمي مرّ بلحظات من الندم على اتهامه للصحافي بـ "تسييس كل شيء". المتحدث الرسمي يشرح لطلابه في الجامعة أن الحياة لا تستقيم بغير سياسة، فكيف له أن يتهم الصحافي بالتسييس؟
وعليه، فقد كانت أول زيارة يقوم بها في الصباح التالي إلى المخابرات العامة للسلطات. هناك جلس مع مدير المخابرات وقال إن السياسة حاضرة في كل شيء في حياتنا، وإن تصور أن كل شيء هو قضاء وقدر هو تصور شديد السذاجة. ثم توجه إلى مدير المخابرات بسؤال صريح: هل تعتقد يا محمد بيه أن الزلزال أمر طبيعي؟ منطقتنا لم تشهد زلازل منذ خمسين عاماً، فلماذا الآن بالذات؟
ارتبك محمد بيه قليلاً، ولكن المتحدث باسم السلطات وقف بحسم وقال: يا محمد بيه، احصر لي أسماء من تسببوا في وقوع الزلزال في بلدنا. هذا أمر من رئيس الجمهورية.
في اليوم التالي ستصدر جميع الجرائد وعليها مانشيتات عريضة بأن المعارضة هي السبب في الزلزال، وبدأت حملات قبض على قادة المعارضة. ونام المتحدث الرسمي باسم السلطات سعيداً أخيراً بتناسقه مع نفسه كمسؤول رسمي وكأستاذ أكاديمي.

نص نائل الطوخي ورسم مخلوف