الشخص الأحمق والمحامي الغاضب

كان هناك شخص قال مرة كلاماً أحمق، كلاماً أحمق ويمينياً ومؤيداً للنظام. وانهال عليه الناس سخرية وضحكاً وتنكيتاً، ونوعوا على الكلام الأحمق بما هو أحمق منه. وكان هناك أيضاً محام غاضب، يجلس أسفل شجرة ويفتح الإنترنت على تليفونه ويشاهد فيديو الشخص الذي يقول كلاماً أحمق، ويحمر وجهه من الغضب تحت الشجرة. المحامي كان معارضاً للنظام، ولكنه لم يكن مثل سائر المعارضين التافهين الذي يكتفون بالضحك.
2015-09-17

شارك

كان هناك شخص قال مرة كلاماً أحمق، كلاماً أحمق ويمينياً ومؤيداً للنظام. وانهال عليه الناس سخرية وضحكاً وتنكيتاً، ونوعوا على الكلام الأحمق بما هو أحمق منه. وكان هناك أيضاً محام غاضب، يجلس أسفل شجرة ويفتح الإنترنت على تليفونه ويشاهد فيديو الشخص الذي يقول كلاماً أحمق، ويحمر وجهه من الغضب تحت الشجرة.
المحامي كان معارضاً للنظام، ولكنه لم يكن مثل سائر المعارضين التافهين الذي يكتفون بالضحك. أصلاً لم يستجب للضحك، بل لم تصدر عنه أدنى علامة على الابتسام حتى. كان يسير في الشوارع، ويرى موجات الضحك تنفجر، فيحتفظ بوجهه جامداً كالحجر. وبشكل ما فقد كانت هذه مهارته التي يفخر بها.
قرر المحامي رفع دعوى قضائية على الشخص الذي قال كلاماً أحمق، فالاكتفاء بالضحك على هؤلاء الأشخاص كفيل بتمييع القضية، كما قال. المحامي الغاضب طول الوقت يشير إلى القضية بوصفها القضية، ولكنه أبداً لم يضع لها مضافاً إليه. لم يقل أبداً قضية كذا أو كذا.
ورفع المحامي الغاضب دعوى بالفعل، وأثبت في دعواه بالأدلة أن الكلام أحمق، وقال إن مستوى الجهل في مصر بلغ حداً غير مسبوق، وأنه يجب التصدي له، ويجب عدم الاستخفاف به، ويجب عدم الضحك عليه، واستعمل كلمة "يجب" حوالي خمسين مرة في عشرة أسطر.
وفي المرافعة، وهذا ما رآه المحامي الغاضب بعينيه، ظل الناس من حوله يضحكون، وظل هو غاضباً، بسبب تفاهة العقل العربي الذي لا يأخذ هذه المواضيع بجدية، ولأنه ما يزال أمامنا ألفا عام حتى يتقدم العقل العربي. قبل دخول قاعة المحكمة كان قد حسب تاريخ تقدم العقل العربي على الآلة الحاسبة وتأكد أنه لا يزال باقياً عليه ألفا عام.
ظل يتكلم في هذه المواضيع في المحاكمة عندما أدرك فجأة أن الناس توقفوا عن الضحك على الرجل الذي قال كلاماً أحمق وأنهم يضحكون عليه هو نفسه الآن. في هذه اللحظة حدثت لحظة التنوير، وعرف المحامي الغاضب أخيراً أن عدوه ليس الشخص الذي قال كلاماً أحمق وإنما الناس الذين يضحكون على الشخص الذي قال كلاماً أحمق. عرف المحامي الغاضب عدوه أخيراً وانسحب من المرافعة وعاد للبيت ليبدأ كتابة دعوى جديدة.

نص نائل الطوخي ورسم مخلوف