آمن الشباب المصريون يوماً ما، من خمس سنوات، بالتغيير، واندفعوا في الشوارع هاتفين به. ركضوا في شوارعهم بسرعة وبإيمان. كانوا شديدي الحماس، والشباب عموماً متحمّس وحركته رشيقة. ولكن حيثما كان الشباب يركضون، كانوا يصطدمون بمجموعات من العجائز ممن لا يؤمنون بالتغيير، ممن نزلت عليهم يد القدر والضربات العشر فأفقدتهم الإحساس وبلّدتهم وسمّكت جلودهم. وكان العجائز واقفين في لامبالاة يبتسمون بسخرية وبعدم اهتمام، وكان ينتج عن هذا الاصطدام سقوط ضحايا من الجانبين. بمرور الوقت، أصبح العجائز يتعمّدون التحرش بالشباب، وكان عنفهم يزيد يوماً بعد يوم، حتى وجد شبابنا الجميل المتحمّس نفسه في الغالب وقد سقط على الأرض، انسحل والتصق بالإسفلت، وأصبح جزءاً منه.
صحيح أن شبابنا بعدها بدأ يقوم شيئاً فشيئاً، ينفصل عن الأرض بالتدريج. ولكن هذا لم يحدث إلا بعد تغيرات جوهرية: ابيضّ شعر شبابنا وظهرت تجاعيد أسفل عيونهم، صارت حركتهم أبطأ بفعل الكروش التي نبتت لهم. هم أيضاً نزلت عليهم ضربات القدر والضربات العشر.
الآن، في مكان آخر من العالم، في مدينة اسمها بيروت، يظهر شباب جدد، يندفعون في الشوارع ويركضون بثقة وإيمان بالغد الجديد الأجمل. يتابعهم شبابنا المصري، في طوره الأخير، بعد أن فقد الإحساس وتبلّد وسمك جلده، ولم يعد يرى في شوارع بيروت سوى اللحم العاري الكثير، مع بسمة ساخرة ولا مبالية على طرف شفتيه.
مدّ شبابنا يده ليحاول أن يطول شباب لبنان، ليحاول حجزهم عن الركض، ليحاول صدمهم فتهدأ حركتهم، ولكن الساحة الراكضة في بيروت كانت بعيدة عن مناله، وهو ما تسبّب في خيبة أمل وإحباط شديد لدى شبابنا. على العموم، ما يزال شبابنا، الذي لم يعد شاباً، يحاول أن يكون هو نفسه ضربات القدر والضربات العشر، لأن السنوات السابقة صوّرت له أن هذا هو الأمر الممتاز والأنسب لـ "كارييره".
نص نائل الطوخي