طبعاً "جماعة أميركا" حاولوا منذ البداية الإيحاء بأن الاحتجاجات كانت تستهدف تقوية نفوذ القوى المرتبطة بالتيار الثوري الإيراني، وحصل لديهم خلط بين محاولة بعض هذه القوى ركوب الموجة وبين محركات الحركة الاحتجاجية. أما "جماعة إيران" فهم يلمحون ان ما حصل هو من فعل "ناشطين درَّبهم الأميركيون"، والغاية الانتقام من الأحزاب الاسلامية التي دفعت الأميركيين الى الانسحاب من العراق. أعتقد أننا سنسمع الكثير من هذه القصص في المرحلة المقبلة وبعد ان تنتهي موجة ركوب الموجة، وتبدأ الجماعتان بمحاولة صناعة خطاب أكثر تماسكا وتبدأ مرحلة الهجوم المضاد (...) وقليل من الناس مقتنعون بالقصص التي تسربها الجماعتان، لأنهم - الناس- يرون بل ويسهمون الى حد كبير في التأثير على المشهد السياسي (...) برأيي أن ما حصل يناقض تماما التصور الأميركي حول العراق، وهو تصور قائم على المعادلة التوافقية (شيعة، سنة، كرد)، والأميركيون نادراً ما يتفهمون إمكانية أن يتصرف العراقيون أو جزء منهم كمواطنين وليس مجرد شيعة وسنة وكرد. ولذلك فالإيحاء بأن ما جرى مدعوم أميركياً، وأن هناك "اجندة خفية" للانتقام من الأحزاب الاسلامية هو إيحاء غريب (وبصراحة اكبر، سخيف). وبالمقابل فإن الاحتجاجات ونتائجها ما زالت تجري بغير ما يميل إليه الإيرانيون - وتحديداً التيار الثوري الإيراني الذي يبشر بتعاظم سيطرة القوى الشيعية المرتبطة به.
حتى الآن، لا الأميركيين ولا الإيرانيين ربحوا شيئا مما حصل، بل إن الطرفين لا يفهمان ما حصل لأنه لا ينسجم مع الفهم المختزل لكليهما حول ما تجب ان تكون عليه الأوضاع في العراق. وبنفس الوقت، فإن الطرفين لم يخسرا الكثير بعد، والاحتجاجات لم تصطدم مباشرة بمصالح أي منهما، وإصلاحات العبادي لم تُحدث حتى الآن خللا في توازنات نظام المحاصصة، وفي التوازن الذي أرسته الهدنة الأميركية - الإيرانية في العراق.
الاحتجاجات خلقت قوة جديدة، لكنها بحاجة الى أن تتعرف على نفسها اكثر، وتفهم ما تريد والى أين ستمضي، وإلا فإنها لن تصمد طويلا أمام قدرة التوازنات القائمة على صياغة الهجوم المضاد.
من صفحة Harith Hasan على فايسبوك