في اجتماع لأعضاء مجلس إدارة "قناة السويس"، بمناسبة نجاح حفر قناة السويس الجديدة، تجري مناقشة سؤال: "كيف سنستثمر النجاح الباهر؟". يبدأ العضو عاشق الحضارة الفرعونية القول بأن عليهم حفر قناة سويس ثالثة، فكما أن هناك أهرامات ثلاثة فعلى قنوات السويس أن تكون ثلاثاً. يُعجبون بالاقتراح ويبدأون بالتصويت. ولكن العضو عاشق الفلسفة الإغريقية له رأي آخر يقوله بعد تردد: "شوفوا يا شباب، عناصر الكون أربعة، الماء والنار والهواء والتراب، صح؟ ألا يجدر بنا أن ترتبط قنوات السويس بعناصر الكون كله"؟
يُعجبون بالاقتراح ولكن العضو الطبيب يرفع كفه. يَطلب منه رئيس المجلس عرض اقتراحه فيظل رافعاً كفه لخمس دقائق، عندما يملون يرجعون للتصويت على قناة السويس الرابعة فيقول الطبيب: "أنا أرفع كفي لتروا أن بها خمسة أصابع". يتأمل كل واحد من الحضور كفه ويكتشف أن فيها خمسة أصابع هي الأخرى. ينظرون لبعضهم ثم يقررون التصويت على حفر قناة السويس الخامسة.
يظهر العضو التافه فجأة ويهتف: "ستة يا ريس". وعندما يسأله الرئيس عما يميز الرقم ستة، يقول إنه لا يعرف وإنه ظنهم يقولون الأرقام بترتيبها. يرفضون، فينطلق العضو الشيخ بصوت رخيم: "الله يخبرنا أن السماوات سبع والأراضي سبع". فيقولون: "صح والله جداً". ولكن العضو التافه يهتف: "الثامنة يا ريس".
ولأن أحداً لم يعد يثق في العضو التافه، يقاطعه العضو عاشق الفلك: "كواكب المجموعة الشمسية تسعة. تصويت على القناة التاسعة"؟ فيرد عليه العضو التافه: "منذ لم يعد هناك كوكب بلوتو والكواكب ثمانية، نصوت على الثامنة"؟ يفتح رئيس المجلس باب التصويت على القناة الثامنة فيرفع الطبيب كفيه كاملين أمامهما، فيبدأون التصويت على العاشرة. لولا أن العضو الشيخ يقول: "إخوة يوسف كانوا أحد عشر". فيرد عليه العضو التافه الذي اكتسب ثقة بنفسه ولم يعد تافهاً: "ولكن يوسف بإخوته كانوا اثني عشر". يبدأون التصويت على القناة الثانية عشرة ويغتاظ الشيخ قليلاً. ثم يخلع العضو الطبيب حذاءه ويرفع قدميه أمامهم على الطاولة، جنباً إلى جنباً مع كفيه، ويغتاظ الشيخ أكثر. يصوتون على رقم عشرين، ويوافقون جميعاً، باستثناء الشيخ الذي يفكر ملياً ثم يقول بصوت خاشع: "أسماء الله الحسنى يا أساتذة".
ينظرون لبعضهم، فيقول الشيخ بابتسامة نورانية: "لم تفكروا أبداً في أسماء الله الحسني، صح؟". يفتحون باب التصويت على حفر 99 قناة للسويس. تمتد من البحر المتوسط للبحر الأحمر، ومن فرع دمياط لفرع رشيد، ومن القليوبية للدقهلية للمنيا للسنبلاوين، ومن قنا للغردقة، ومن الواحات إلى عمود السواري في الإسكندرية، وغيرها وغيرها من المتنزهات والمنتجعات والمواقع السياحية المميزة.
نص نائل الطّوخي ورسم مخلوف