زواج "الكونترا" بالمغرب.. قاصرات للإيجار أم للرهن؟

ظاهرة مثيرة وصادمة تعيشها بعض المناطق الفقيرة والمهمشة في المغرب تشكل في تجليّاتها أحد مظاهر النخاسة التي عاشتها البشرية في العصور الغابرة، إنها ظاهرة زواج "الكونترا" (العقد، والكلمة من الفرنسية) الذي أصبح متداولاً خلال الآونة الأخيرة بعد ما اهتمت به منابر إعلامية وطنية وأخرى دولية، مكتوبة[1] ومرئية[2]، كما سلطت عليه الضوء بعض الجمعيات الحقوقية التي كانت سباقة لدق ناقوس الخطر. إنه
2015-07-21

شارك
خديجة مصطفى - مصر

ظاهرة مثيرة وصادمة تعيشها بعض المناطق الفقيرة والمهمشة في المغرب تشكل في تجليّاتها أحد مظاهر النخاسة التي عاشتها البشرية في العصور الغابرة، إنها ظاهرة زواج "الكونترا" (العقد، والكلمة من الفرنسية) الذي أصبح متداولاً خلال الآونة الأخيرة بعد ما اهتمت به منابر إعلامية وطنية وأخرى دولية، مكتوبة[1] ومرئية[2]، كما سلطت عليه الضوء بعض الجمعيات الحقوقية التي كانت سباقة لدق ناقوس الخطر. إنه الرقيق الأبيض الذي عاد بأبشع تجلياته في القرن الواحد والعشرين، بأشكال وصور جديدة.
فما هو زواج "الكونترا"، هل يعتبر صورة من صور الاتجار بالبشر؟ ما هي أسباب انتشاره؟ وما هي آليات مواجهته؟ وإلى أي مدى تكفي المقاربة الزجرية لمواجهته؟

ماهية زواج "الكونترا"

إذا كان القانون يعتبر الزواج "ميثاق تراض وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام، غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة، برعاية الزوجين طبقا لأحكام المدونة"[3]، فإن بعض الآباء تضطرهم أسبابهم الخاصة إلى ضرب عرض الحائط بكل المقتضيات التي جاءت بها مدونة الأسرة[4]، فيعمدون إلى التحايل عليها من خلال تزويج فتياتهم القاصرات عن طريق شكل جديد من الزواج يتم على غير الشكل المنصوص عليه قانونا.
إنه زواج "الكونترا"، شكل من صور الالتزام المدني[5]، الذي يكون موضوعه منصبّاً على الإنسان، وهي الفتاة القاصر. فتعمد بعض الأسر المغربية إلى تزويج فتياتها القاصرات دون سلوك المسطرة المنصوص عليها في القانون والتي تستلزم صدور حكم قضائي معلل[6]، وذلك بالاكتفاء بإبرام زواج الفاتحة مقابل قيام الزوج بإبرام اعتراف بدين لفائدة ولي الزوجة القاصر. ووفق هذا الإقرار، يقوم الزوج بالاستمتاع بالزوجة القاصر خلال مدة معينة. وإذا ما رأى عدم الاستمرار في هذا الزواج، يُرجع الفتاة إلى عائلتها، ويقوم بدفع المبلغ المالي المتفق عليه في عقد الالتزام لفائدة ولي القاصر. والذي يتراوح ما بين 20 و 60 ألف درهم.

عقد زواج صوري يخفي عقوداً أخرى

قد لا يكون الهدف من عقد هذا الزواج الصوري هو الزواج في حدّ ذاته، وإنما قد تتعدد الدوافع التي تجعل بعض الأشخاص يفضّلون إبرام زواج بهذا الشكل وبهذه الشروط. ومن أهم الحالات، الآتية:
- شباب مهاجرون يرغبون في الارتباط بفتاة من أجل قضاء عطلة الصيف، وتركها وراءهم بعد مغادرتهم إلى بلدان المهجر،
- سياح أو أجانب مقيمون بشكل مؤقت يرغبون في إبرام زواج متعة عابر بغطاء من الشرع.
- بعض سكان الأرياف، الذين يجلبون الفتاة الصغيرة إلى بيت العريس من أجل استغلالها جنسيا، وأيضا اقتصاديا للعمل كخادمة في البيت وكعاملة في المجال الزراعي من دون أجر.
- آباء تحت ضغط الحاجة والفقر أحيانا، والجشع أحيانا أخرى، يقدمون بناتهم القاصرات كرهائن لدى أشخاص يفعلون بهن ما يشاؤون، يستغلونهن جنسيا، أو يتخذونهن خادمات، مع إمكانية إعادتهن إلى عائلاتهن متى رغبوا في ذلك، محملات بأبناء ولدوا من هذا الرهن، وبالكثير من العار.
- وسطاء وجدوا في هذا النوع من "الزواج" وسيلة للاغتناء السريع، بعيدا عن نظر القانون.

زواج لا يعترف به القانون

بعد انتهاء الأجل الذي حددته مدونة الأسرة لمعالجة ظاهرة الزواج غير الموثق، وفي غياب أي تمديد لهذا الأجل، يبقى مستحيلا في نظر القانون الاعتراف بشرعية العلاقة التي تمت في إطار زواج "الكونترا". وتبعا لذلك، سيعاني الأبناء المزدادون عن هذه العلاقة الأمرّين قبل أن يتم تسجيلهم في سجلات الحالة المدنية. وتضطر أمهاتهن إذَّاك لتسجيلهم على اعتبار أنهم مزدادون من آباء مجهولين. ويبقى الاستثناء أن يقوم الأب الطبيعي بإبرام اقرار بالنسب يعترف فيه بنسب الابن المزداد عن هذه العلاقة.
وفي ظل انتشار الجهل والفقر والأمية تفضل أغلب الأمهات عدم اللجوء إلى القضاء خوفا من المساءلة القانونية.
عنف جنسي وجسدي واقتصادي
كشف تقرير صادر عن "الشبكة الوطنية لمراكز الاستماع إلى النساء ضحايا العنف" مؤخّراً أنّ العديد من الزوجات القاصرات يتعرّضن للعنف الجنسي في المقام الأول، ويأتي بعده العنف الجسدي. وأشار التقرير إلى تزايد عدد الزوجات القاصرات اللاتي تعرّضن للعنف المبني على النوع الاجتماعي، إذ صرحت 28 في المئة من الحالات الواردة على مراكز الاستماع، بأنهن تعرضن للعنف الجنسي، ويليه العنف الاقتصادي (28 في المئة)، والعنف الجسدي (21 في المئة).
وأكد التقرير أن الزوجة القاصر تكون غالباً الحلقة الأضعف في دوامة عنف تنتهي بالطلاق أو بمأساة تكون هي ضحيتها.
في السياق نفسه، كشفت جمعيات حقوقية مغربية عن معطيات صادمة بخصوص تزويج القاصرات في المغرب في إطار حملة "ها علاش" التحسيسية التي أطلقتها بهدف الوقوف في وجه العنف ضد النساء، مؤكّدة تفشي زواج "الكونترا" الذي تعمد من خلاله عائلات إلى بيع بناتهن القاصرات لرجال لمدة زمنية محدودة مقابل مبالغ مالية.

وزارة العدل والحريات تدخل على الخط

بعدما تفجر ملف تفشي ظاهرة زواج "الكونترا" على إثر تداول القضية على نطاق واسع إعلامياً، فضلا عن دخول جمعيات المجتمع المدني والجمعيات النسائية على الخط، قام وزير العدل والحريات بتعميم منشور[7]على كافة المسؤولين القضائيين من أجل اتخاذ كافة التدابير القانونية لمواجهة الظاهرة وإشعار الوزارة بالصعوبات التي تواجههم في هذا الصدد. وبغض النظر عن قيمة المنشور الوزاري الذي يأتي في مرحلة ترتفع فيها درجة حساسية جهاز القضاء من تدخّلات وزارة العدل، فإن المنشور يؤكد تنامي الوعي الرسمي بخطورة هذه الظاهرة التي أصبحت تشكل نوعاً من التمييز القائم على النوع الاجتماعي، وتخفي مظاهر استغلال بشع لفتيات مغلوبات على أمرهن، تعاني أسرهن من العوز المادي، كما تشكل من الناحية الحقوقية اعتداء على حق من حقوق الإنسان للمرأة والطفل على حدّ سواء، فيها اغتصاب للحقوق الطبيعية للفتاة، كالحق في اللعب والدراسة والحق في حياة حرة، وهو ما يترتب عليه جرح في شخصيتها ونفسيتها. وقد اعتبر المنشور أن الظاهرة تشكل مسّا خطيرا بكرامة القاصرات وبحقوقهن الانسانية، وقد تشكل جريمة اتجار بالبشر وفق المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب.

[1] - يمكن الرجوع إلى الملف الذي خصصته جريدة أخبار اليوم لزواج "الكونترا"، وكذا موقع اليوم 24.
[2] - أنظر حلقة من برنامج بدون حرج على قناة ميدي1 تي في سات المخصصة لهذا الموضوع، متوفرة على الموقع الرسمي للقناة.
[3] - المادة الرابعة من مدونة الأسرة.
[4] - قانون رقم 70.03 بمثابة مدونة الأسرة، والذي صدر بتنفيذه ظهير رقم 1.04.22 بتاريخ 3 فبراير 2004، منشور بالجريدة الرسمية عدد 5184، بتاريخ 1 فبراير 2004، ص 418.
[5] - يلاحظ أن الزواج المدني غير معترف به في المغرب سوى بالنسبة للأجانب، أو المغاربة المقيمين بالخارج، طبقا للمادتين 14 و15 من مدونة الأسرة، أما غالبية عقود الزواج فتبرم طبقا للشكل العدلي .
[6] - تخضع الأحكام المتعلقة بزواج القاصرات في القانون المغربي للمقتضيات التالية المنصوص عليها في مدونة الأسرة:
- تكتمل أهلية الزواج بإتمام الفتى والفتاة المتمتعين بقواهما العقلية ثماني عشرة سنة شمسية. (المادة 19).
- لقاضي الأسرة المكلف بالزواج، أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية المنصوص عليه في المادة 19 أعلاه، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي.
مقرر الاستجابة لطلب الإذن بزواج القاصر غير قابل لأي طعن. (المادة 20).
- زواج القاصر متوقف على موافقة نائبه الشرعي.
- تتم موافقة النائب الشرعي بتوقيعه مع القاصر على طلب الإذن بالزواج وحضوره إبرام العقد.
- إذا امتنع النائب الشرعي للقاصر عن الموافقة بت قاضي الأسرة المكلف بالزواج في الموضوع. (المادة 21 ).
[7] - يتعلق الأمر بالمنشور عدد 56 س 2 بتاريخ 2 يونيو 2015 .

عن المفكرة القانونية من 7 تمّوز/يوليو 2015