أعشق هذا الشهر الكريم ولياليه الهادئة المقمرة، حيث يرتفع فيها الأذان لصلاة التراويح التي يحرص عليها الجميع رجالاً ونساءً في المساجد. أحب أن أمارس فيه طقوس جدّتي في تجهيزها وحرصها على استقباله بتقاليد ورثتها هي بدورها.
لن تستطيع أن تتجاهل وأنت تسير في شوارع بنغازي القديمة رائحة القهوة المنبعثة من مطحن بالة والزياني، فهي في أولويّة القائمة الرمضانية: قهوة سادة أو بالمستكة العربية مع نقطة ماء زهر درناوي.
وبعدها تأتي التوابل وتحتلّ الحيّز الأكبر مخلوط مطحون من عود الزنجبيل والبهار والقرفة والشيبه والحبهان، تُطحن كلها ويُطلق عليها "الحرارات"، وهي مهمّة في تحضير طبق الشوربة العربية.
وهذا طبعاً إلى جانب البقيّة مثل الفلفل الأحمر والكركم والكروية والفلفل الأكحل والنعناع المطحون، ونحرص أن تكون طازجة، خاصة في شهر رمضان.
لتأتي "الروينة" في قائمة مشروبات رمضان المهمة للسحور، وهي خليط من المكوّنات المقويّة (سمسم، قصب، كمون حلو، "يانسون"، كمون عريض، حمص، لوز أبيض، قمح). نشتري المكونات حبوباً ويتمّ غسلها وتجفيفها وتحميصها في البيت وطحنها. يُذوّب منها ملعقتان في كوب ماء بارد وتشرب، وبعدها لن تشعر إلاّ وعروقك قد بُثت فيها الحياة. ولا ننسى أنه لا بدّ من "تذويق" الجيران والأحباب منها، وإلاّ لن يكون لها بركة.
رمضان لمّة العائلة والتواصل يجمع الأصحاب والأحباب. تجدهم قادمون من كل أحياء بنغازي، يجمعهم ميدان "سوق الحوت" في وسط المدينة القديمة بالقرب من كورنيش الشابي.
لهذا السوق ذكريات عند البنغازيين، وكم أعتزّ بأني أملك تفاصيل هذا السوق، لأنّ جدي عوض كان من أوائل الوجوه البنغازيّة المعروفة. كان يملك متجراً أو كما يُطلقون عليه بالإيطالى (كبرتيفه).
لا تغيب من ذاكراتي وذاكرة الناس تلك الأيّام الجميلة، كنت تجد كل شيء مكوّماً ومعروضاً بصورة شيّقة وجميلة. سوق شعبي تجد فيه كل ما لذّ وطاب في رمضان، كل أنواع الخبز البيتي المشهي والساخن، المكسرات بأنواعها، الأجبان واللبن الرائب المصنوع في المنزل، العسل الطبيعي، أنواع الحلويات الرمضانية، والمقبلات بأنواعها: الزيتون المخلل مع الهريسة الليبية، منها على سبيل المثال "المصير"، نوع من المقبلات الليبية وهو خليط الفلفل الحار مع قطع الخيار وعصير الليمون والثوم والكسبرة، لذيذ وفاتح للشهية.
رمضان في مدينتي العتيقة له طعم مختلف، طعم مفعم برائحة تقاليدنا الجميلة، مسكون بروح الأجداد، ومزيّن بتواصل الأجيال وتمسّكهم بتلك التفاصيل التي تُعطي نكهة للبنغازيين أينما كانوا.
من مدونة "أحلام البدري" الليبية (15 حزيران/يونيو 2015
من الإنترنت
رمضان في بنغازينا
أعشق هذا الشهر الكريم ولياليه الهادئة المقمرة، حيث يرتفع فيها الأذان لصلاة التراويح التي يحرص عليها الجميع رجالاً ونساءً في المساجد. أحب أن أمارس فيه طقوس جدّتي في تجهيزها وحرصها على استقباله بتقاليد ورثتها هي بدورها.
لن تستطيع أن تتجاهل وأنت تسير في شوارع بنغازي القديمة رائحة القهوة المنبعثة من مطحن بالة والزياني، فهي في أولويّة القائمة الرمضانية: قهوة سادة أو بالمستكة العربية مع نقطة
2015-06-25
شارك