لو تجرأ أحد الناس اليوم وقال ألا تُوضع مكبّرات الصوت في المآذن خشية تسبيب الأذى للناس بالعموم، والمرضى والنيام من الأطفال على الأخص، لثارت ثائرة الكثيرين، بل وقد يُرمى بالتهم، ولقالوا كيف يتم الإعلان عن وقت الصلاة، والمدن مترامية الأطراف. الرد أن هناك من الآلات اليوم ما يبيّن الوقت وما نسمع به صوت الأذان، أما المدن الصغيرة والقرى فلا صعوبة في الأمر. فإن قالوا فصوت الأذان بركة للسامعين، يكون الرد بالإيجاب ولكن تقديم رفع الأذى عنهم أولى. مع هذا عالج الأمر الإمام ابن الجوزي البغدادي قبل أكثر من ثمانية قرون، في زمن كان صوت المؤذّن هو الموجود فقط. المئذنة وظيفتها التنبيه على وقت الصلاة فقط لا غير. الأذان يكون بصوت معتدل هادئ وبدون إضافات.. يذكر ابن الجوزي ما يحدث في استعمال المآذن: من المؤذنين من يخلط أذان الفجر "بالتذكير والتسبيح والمواعظ ويجعله وسطاً فيختلط". ومنهم من يقرأ سوراً من القرآن بصوت مرتفع فيمنع الناس من نومهم ويخلط على المتهجّدين (المصلّين) قراءتهم، وكل ذاك من المنكَرات". يقول: "وقد كره العلماء كل ما يُضاف الى الأذان". ثم يذكر فعل القرّاء بالذات: فمنهم من يجتمعون ويقرأون القرآن في منارة المسجد بالليل بالأصوات المجتمعة المرتفعة "فيجمعون بين أذى الناس في منعهم من النوم وبين التعرّض للرياء"، والتعرض للرياء هو أنهم يتظاهرون بالانغماس بالعبادة أمام الناس. ويعلّق ابن الجوزي بقوله إنّ ما مضى من العبّاد كانوا "يسترون عبادتهم".
من نص "الغلو والمغالاة في الدين/العبادة"
شيماء الصراف