أدّى الربيع العربي على العموم إلى تغييرات مهمة، لكنها ليست جسيمة من حيث تحسّن القضايا المتعلقة بالعدالة الاجتماعية في المنطقة. ومن الواضح أن هناك حاجة إلى مزيد من الإصلاح. وحتى في بلدان مثل تونس ومصر، نجد أنَّ الإحباط الناجم عن غياب التغيير قد تصاعد بشكل واضح. ويبدو أن الجماهير العربية تربط كثيرا فشل الإصلاح بضروب النفوذ الدولي.
منذ عهد الاستقلال، كان للصراع الدولي والتدخل الأجنبي تأثيره الكبير في المنطقة. كما كان للصراع مع إسرائيل دور بارز في أيديولوجيات العديد من الزعماء، وقد وفرت للسلطويين منهم المبررات لحرمان مواطنيهم من بعض الحقوق المدنية. وفي هذه الأثناء، عززت المساعدات العسكرية الخارجية جهاز القمع في كثير من البلدان، في تفضيل للاستقرار على النظام الديمقراطي الشامل والمفتوح.
تعتبر الأغلبية الساحقة من مواطني البلدان الواقعة على الحدود مع إسرائيل أن الصراع العربي الإسرائيلي يشكّل عقبة كبيرة أمام الإصلاح السياسي في بلدانهم. ويوافق أكثر من الثلثين في فلسطين (84 في المئة)، ومثلهم في لبنان، و(76 في المئة) في الأردن، و(68 في المئة) في مصر على أن هذا الصراع يجعل الإصلاح السياسي تحدياً أكبر. وعلى الرغم من التغييرات التي نجمت عن الربيع العربي، لم يتغير هذا التصور بشكل كبير في أي بلد على الحدود مع إسرائيل.
في البلدان التي لا حدود لها مع إسرائيل، تقلّ نسبة الذين يرون الصراع عقبة أمام الإصلاح. فهذا التصور أقل انتشاراً في تونس (54 في المئة) واليمن (51 في المئة)، تليهما المغرب (40 في المئة) والجزائر (33 في المئة).غير أنَّ اعتبار الصراع مع إسرائيل عائقاً أمام الإصلاح يتزايد بشكل كبير في هذه البلدان. ومن عام 2011 إلى عام 2013، ارتفع بنسبة 26 نقطة مقدار التونسيين الذين يرونه عقبة في طريق الإصلاح، في حين زادت هذه النسبة 19 نقطة في الجزائر و17 نقطة في اليمن.
تحدثُ الآثار التي يمكن أن يتركها التدخل الأجنبي في آفاق الإصلاح قلقاً لدى مواطني المنطقة يفوق حتى القلق الناجم عن الصراع العربي الإسرائيلي. ففي جميع البلدان، يرى النصف أو أكثر أنَّ التدخل الخارجي عقبة أمام الإصلاح. ولبنان (91 في المئة) هو الأكثر قلقاً حيال القوى الخارجية. ويرى ثمانية أعشار الفلسطينيين هذا الرأي نفسه، الأمر الذي لعله يعكس الدور الكبير الذي تلعبه الجهات الخارجية الفاعلة في السياسة الوطنية.
كذلك يرى المواطنون في بلدان أخرى أنَّ التأثيرات الخارجية تمثّل عقبة أمام الإصلاح. ففي الأردن، يرى 78 في المئة هذا الرأي، شأنهم شأن 72 في المئة في مصر واليمن. وينخفض هذا القلق نوعاً ما في بلديّ المغرب العربي الآخرين، حيث يرى 66 في المئة في الجزائر و51 في المئة في المغرب أنّ النفوذ الخارجي هو عقبة في طريق الإصلاح.
على الرغم من نهج إدارة أوباما الذي يقوم نسبياً على عدم التدخل في حوادث الربيع العربي، فإن القلق حيال التأثيرات الخارجية آخذ في الارتفاع في جميع أنحاء المنطقة. ونسبة الجزائريين الذين يرون التدخل الأجنبي عائقاً أمام الإصلاح هي أعلى بـ 25 نقطة في 2013 منها في 2011. ونجد زيادة مشابهة في تونس (+18) واليمن (+13). والأرجح، أنَّ معظم هذه الزيادات هو بسبب جهات فاعلة إقليمية مثل قطر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وإيران.. التي تلعب دوراً في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
الاستثناء الرئيس لهذا الاتجاه هو مصر حيث انخفضت نسبة الذين يرون هذا الرأي 12 نقطة. ونظراً للدعم القوي الذي كانت تقدمه الولايات المتحدة لنظام مبارك، ومناهضتها إجمالا لأي تغيير، فإنَّ مقاربتها القائمة نسبياً على رفع اليد في السنوات الأخيرة ربما تفسّر هذا الانخفاض. غير أنَّ الخوف من أن تكون الولايات المتحدة تعمل وراء الكواليس، ومن تزايد نشاط الفاعلين الإقليميين الآخرين يعني أنه، على الرغم من التغييرات التي أحدثتها الثورة المصرية، فإن الغالبية العظمى من المصريين (72 في المئة) ما زالوا يخشون من أن يكون التدخل الخارجي عقبة أمام الإصلاح.
خاتمة
تكشف استطلاعات الباروميتر العربي أنه كان هناك بعض التحسن في مستويات المساواة المدرَكة بعد الربيع العربي، لكن التحديات الكبرى باقية على حالها. وعلى الرغم من إبراز الربيع العربي احتياجات المواطنين وجلبها إلى الواجهة، يبقى على الحكومات أن تواصل أخذ هذه المطالب على محمل الجد. وسوف تكون الإصلاحات الناجحة التي تعالج ضروب عدم المساواة سيرورة طويلة، لكنها ضرورية لتحقيق الحكم الرشيد والاستقرار المديد في المنطقة.
قبل كل شيء، على الأنظمة أن تبدأ بمحاولة إعادة بناء الثقة بين الحكام والمحكومين. ومن الضروري أن يكون انعدام الثقة هذا – الناجم عن عدم اكتراث المسؤولين بالاحتياجات الفردية، وبناء أجهزة فاسدة – دافعاً إلى مزيد من الإصلاحات المهمة. كما إنّ إعطاء المواطنين دوراً أكبر في ما يتعلق بالكيفية التي يُحكَمون بها هو خطوة أولى مهمة في هذه السيرورة. ومن حسن الحظ أنّ كثيرين يعتقدون بالفعل أنَّ بمقدورهم التأثير في حكوماتهم. غير أن تمرير هذا التأثير عبر القنوات الرسمية يمثّل تحدياً أساسياً.
بعد الانتفاضات العربية، أعطى بعض الأنظمة مواطنيه دوراً من خلال المشاركة في انتخابات حرة ونزيهة. ولا بد أن يحذو المزيد حذو المثال التونسي في احترام نتائج الانتخابات، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى تحسّن في آفاق العدالة الاجتماعية. وعلى سبيل المثال، فإنَّ إقامة الأنظمة لمؤسسات حكومية فعالة هو ما يكفل تمكنها من البدء على نحو أكثر فعالية بمعالجة المشاكل الاقتصادية المديدة التي أدت إلى الركود الاقتصادي وعدم وجود فرص لكثير من المواطنين، خاصةً الشباب.
* تشارَك في البحث كلٌّ من أماني جمّال من جامعة برنستون ومايكل روبنز من "الباروميتر العربيّ"، وأصدره "برنامج العدالة الاجتماعيّة وسياسات التنميّة" في معهد عصام فارس للسياسات العامّة والشؤون الدوليّة في الجامعة الأميركيّة في بيروت، بالتّعاون مع مركز ممدوحة س. بوبست للسلام والعدالة في جامعة برنستون، بتمويل من مؤسسة إلمِر وممدوحة بوبست في نيويورك. هنا الجزء السابع والأخير.
الجزء الأوّل
الجزء الثّاني
الجزء الثّالث
الجزء الرّابع
الجزء الخامس
الجزء السّادس