على الرغم من اعتقاد كثير من العرب أنهم يمكن أن يؤثروا في السياسات الحكومية، فإن القليل منهم يعتقدون أنّ القادة السياسيين يهتمون لاحتياجات المواطنين العاديين. وفي جميع البلدان عدا واحد، لا يتعدى عدد الذين يوافقون أو يوافقون بقوة (في زمن الربيع العربي)، على أنَّ الموظفين الحكوميين يهتمون لاحتياجاتهم النصف. وعلاوة على ذلك، لا يوجد أيضاً أي فرق واضح بين البلدان التي شهدت ثورة وتلك التي لم تشهد، فالتصوّر الطاغي هو أنَّ الحكام يبقون في منأى عن المحكومين.
مصر هي البلد الوحيد الذي يقول فيه أكثر من النصف إنّ القادة الحكوميين يهتمون لحاجاتهم. ويشير المسح الذي أُجري بعد أشهر قليلة على سقوط حسني مبارك، إلى أن التغييرات التي أحدثتها الثورة ربما تفسر هذا التغيير في المواقف. لكن المواطنين في البلدين الآخرين اللذين سقط فيهما الزعيمان، لا يشاركون في هذه القناعة. أقلّ من الثلث (31 في المئة) في تونس و(21 في المئة) في اليمن يقولون إنّ القادة الحكوميين يهتمون لحاجاتهم. بل إنَّ نسبة ميل اليمنيين في عام 2011 إلى القول إنَّ موظفي الحكومة يهتمون لا تختلف عنها في عام 2007.
في البلدان التي لم يسفر فيها الربيع العربي عن سقوط الزعيم، قلّة من المواطنين هي التي تقول إنّ القادة يهتمون لحاجاتهم. نحو أربعة أعشار الأردنيين (42 في المئة) يشاركون هذا الاعتقاد، شأنهم شأن 29 في المئة من الفلسطينيين، وهذان إلى الآن أعلى مستويين بين هذه البلدان. ففي غير مكان، يقل المواطنون الذين يقولون إنّ القادة يهتمون لحاجاتهم عن اثنين من كلّ عشرة، فلا يتعدّون 15 في المئة في الجزائر و10 في المئة في لبنان.
يبدو أنّ المواطنين في معظم البلدان غير الثورية يعتقدون أنَّ القادة الحكوميين يصبحون أبعد عن اهتماماتهم ومشاغلهم. وبين الدورة الأولى والثانية للبحث، انخفض عدد المواطنين الذين يقولون إنّ المسؤولين يهتمون 21 نقطة في فلسطين، و7 نقاط في الجزائر و7 نقاط في لبنان، ولم تبق النسبة على حالها في هذه الفترة إلا الأردن. ويلقي الانخفاض الكبير في فلسطين الضوء على أهمية إعطاء المواطنين حقّ التعبير في انتخابات ديمقراطية. ففي عام 2006، أجري المسح بعد فترة وجيزة من الانتخابات التشريعية ورأى حوالي نصف المواطنين أنّ الحكومة تهتم لحاجاتهم. أمّا المسح الثاني فأُجري بعد حرب أهلية قصيرة بين حماس وفتح، ما جعل احتياجات المواطنين العاديين أقل أهمية من الانقسام الحزبي.
ثمة سؤال ثالث يسأل المواطنين ما إذا كانت الحكومة تأخذ آراءهم بجدية. وقد جاءت الإجابات متشابهة إلى حد كبير في اعتقادها أنَّ الحكومات تهتم لحاجاتهم. واستناداً إلى أحدث البيانات، فإن مصر وحدها هي التي تعتقد فيها أغلبية (59 في المئة) بأن الحكومة تأخذ آراءهم على محمل الجد، الأمر الذي يكاد يكون من المؤكد أنه يرتبط بالثورة المصرية. لكن أقل من النصف في تونس واليمن مرة أخرى يقولون مثل هذا، ما يعزز فكرة مفادها أن التغيير في القيادة لم يكن له أثر يذكر في تصورات المسؤولين الحكوميين في هذين البلدين.
في البلدان التي لم تشهد تغييراً في القيادة، قلّة من المواطنين هي التي تقول إن القادة الحكوميين يأخذون آراءهم بجدية. ومرة أخرى، نجد أن الأردنيين هم الأميل إلى مثل هذا الرأي (42 في المئة)، يليهم الفلسطينيون (27 في المئة). أما في جميع البلدان الأخرى، فيرى مثل هذا الرأي أقل من اثنين من كل عشرة: 19 في المئة في المغرب و17 في المئة في الجزائر و9 في المئة في لبنان.
يبدو، من خلال هذا الإجراء أيضاً، أنّ المواطنين أكثر اغتراباً عن حكوماتهم مما كانوا عليه في السنوات السابقة. ونجد التغير الأكبر في فلسطين (- 23 نقطة) تليها لبنان (- 7 نقاط).
الرضا السياسي
يمكن للعدالة الاجتماعية أن تنعكس أيضاً في النظرة إلى الحكومة والأوضاع في البلد. فالحكومة المستجيبة التي تركز على احتياجات المواطنين من المرجح أن تحظى بالشعبية، خصوصاً إذا كانت تحترم حقوق المواطنين الأساسية. غير أنَّ أقلية فحسب من المواطنين العرب هي التي باتت راضية عن حكوماتها بعد سنوات الربيع العربي.
يبلغ الرضا عن الحكومة أعلى مستوياته في الجزائر والأردن، وهما البلدان اللذان لم يتأثّرا بحوادث الربيع العربي إلا بالحدّ الأدنى. ويكاد نصف الجزائريين (48 في المئة) أن يكون راضياً عن أداء الحكومة، في حين يرى الشيء ذاته 43 في المئة من الأردنيين. أمّا في البلدان الأخرى التي لم تشهد تغييراً لقيادتها، فنجد أنَّ الرضا عن الحكومة متدنٍ نسبياً. ففي فلسطين، يُظهِر الرضا ثلاثة أعشار مقابل 21 في المئة في المغرب و8 في المئة فقط في لبنان.
كما ينخفض الدعم تماماً في البلدان التي تأثرت بالربيع العربي بشكل كبير، حيث عبّر 27 في المئة من التونسيين عن رضاهم مقابل 22 في المئة من اليمنيين، و13 في المئة من المصريين. ولعلّ هذه النتائج تعكس بدرجة ما التوقيت الذي جرت فيه المسوح. ففي مصر، جرى المسح في حزيران/ يونيو 2013 قبل وقت قصير من الانقلاب على الرئيس محمد مرسي. وفي تونس، جرى المسح في شباط/ فبراير 2013، في فترة اغتيالات سياسية كانت بمثابة الحضيض في انتقال البلاد من حكم بن علي.
انخفض الرضا عن الحكومة في الآونة الأخيرة في معظم بلدان المنطقة. وكان الانخفاض الأشد في مصر، حيث كانت نسبة الراضين 51 في المئة عام 2011 وباتت 13 في المئة عام 2013 (ــ 38 نقطة) تليها فلسطين بين عامي 2006 و2012 (ــ 16). ونجد انخفاضات مشابهة في لبنان (ــ 14)، والمغرب (ـــ 13)، وتونس (ــ 9).
لكننا نجد اتجاهاً معاكساً في الجزائر واليمن. ففي الأولى، يرتفع الرضا من 21 في المئة في عام 2006 إلى 48 في المئة في 2013. ولعل هذا الارتفاع الكبير يعود إلى عدد من العوامل المتعلقة بالربيع العربي. فما إن سقط الرئيس زين العابدين بن علي في تونس المجاورة حتى سارع النظام الجزائري إلى زيادة الإنفاق الحكومي وإجراء سلسلة من الإصلاحات السياسية. وبالمقارنة مع الفوضى السياسية والتدهور الاقتصادي في تونس، ربما بدا النظام الجزائري أفضل نسبياً من ذي قبل.
في اليمن، ارتفع الدعم قليلاً من 16 في المئة في عام 2007 إلى 22 في المئة في 2013. ومع أنَّ هذه الزيادة الطفيفة لا تزال منخفضة للغاية، فهي ربما تعكس رضاً أكبر عن عملية الحوار الوطني التي كانت تجري وقت إجراء المسح.
الديمقراطية وحقوق الإنسان
لا يعتبر معظم المواطنين العرب حال الديمقراطية وحقوق الإنسان في بلادهم حالاً جيداً أو جيداً جداً. والملاحظ في معظم الحالات أنّ الفارق ضئيل جداً بين البلدان التي شهدت تغييرات واسعة نتيجة الربيع العربي وتلك التي لم تشهد ذلك.
إنَّ الأردن وحده هو الذي يتعدى فيه الذين يقولون إن حال الديمقراطية وحقوق الإنسان جيدة نسبة نصف المواطنين (57 في المئة). أمّا في سائر الاماكن، فلا تتعدى نسبة من يرون هذا الرأي الأربعة من عشرة أو أقلّ. فعلى الرغم من العنف المتواصل، يقول 40 في المئة من الفلسطينيين إنّ الديمقراطية وحقوق الإنسان محلّ احترام، ومثلهم 32 في المئة من الجزائريين. وبالمقابل، فإنّ من يرون هذا الرأي من التونسيين هم 27 في المئة فقط، و25 في المئة من اليمنيين، و18في المئة من المغاربة، و16 في المئة من اللبنانيين و13 في المئة من المصريين.
عموماً، على الرغم من الحوادث الجسام التي ترافقت مع الربيع العربي، لم تشهد حال الديمقراطية وحقوق الإنسان سوى تغييرات طفيفة. كان الفارق الجوهري في مصر، حيث قيّم 57 في المئة حال الديمقراطية وحقوق الإنسان بأنّها جيدة في الشهور التي تلت الثورة، بالمقارنة مع 13 في المئة بعد عامين فحسب (ــ 44 نقطة). بالمقابل، يقول الجزائريون إنَّ احترام حقوق الإنسان والديمقراطية تحسن كثيراً خلال هذه الفترة وارتفعت نسبة هؤلاء من 8 في المئة إلى 32 في المئة (+24). كما شهدت هذه الفترة ذاتها زيادة طفيفة في فلسطين (+8).
* تشارَك في البحث كلٌّ من أماني جمّال من جامعة برنستون ومايكل روبنز من "الباروميتر العربيّ"، وأصدره "برنامج العدالة الاجتماعيّة وسياسات التنميّة" في معهد عصام فارس للسياسات العامّة والشؤون الدوليّة في الجامعة الأميركيّة في بيروت، بالتّعاون مع مركز ممدوحة س. بوبست للسلام والعدالة في جامعة برنستون، بتمويل من مؤسسة إلمِر وممدوحة بوبست في نيويورك. هنا الجزء السادس.
الجزء الأول
الجزء الثاني
الجزء الثالث
الجزء الرابع
الجزء الخامس