على الرغم من الاهتمام بأمر المساواة أمام القانون، فإنَّ عدداً قليلاً نسبياً من مواطني المنطقة هو الذي يقول إن أهم سمة من سمات الديمقراطية هي المساواة في الحقوق السياسية بين المواطنين. وما من بلد تعدّت فيه نسبة الذين يفهمون الديمقراطية على هذا النحو خمس السكان. وبالمقابل، يرى ضعف هذه النسبة في معظم البلدان أنَّ الميزة الأساسية للديمقراطية هي توفير العناصر الأساسية لكل فرد.
الفلسطينيون واللبنانيون هم الأميل إلى القول إنّ الديمقراطية تدور في المقام الأول حول المساواة السياسية بين المواطنين، حيث جاءت النسبة 17 في المئة و16 في المئة على التوالي. ويشاطر هذا الرأي 13 في المئة في الجزائر، وبين 8 و10 في المئة في جميع البلدان الأخرى.
في معظم البلدان، يقف المستطلعون على قدم المساواة في النظر إلى الديمقراطية من حيث المساواة في الحقوق السياسية بين المواطنين، وذلك بلا تمييز في السن. غير أنّ هذا النمط يغيب في مصر وتونس. ففي الاخيرتين، يميل المواطنون ممن هم في الخمسين من العمر فما فوق إلى رؤية الديمقراطية على هذا النحو مقارنة مع الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاما. وعلى العموم، فإنَّ الذين تظاهروا في الربيع العربي أقل ميلاً بعض الشيء إلى القول إنَّ الديمقراطية تدور حول المساواة في الحقوق السياسية. ففي تونس، كان المحتجون أقل ميلاً إلى هذا الرأي بـ 10 نقاط، في حين نجد الفجوة ذاتها في الأردن (-9) والمغرب (8-).
مع ذلك، تشير نتائج الباروميتر العربي إلى أن تعريف الديمقراطية من حيث الحقوق السياسية هو اتجاه متنامٍ في جميع أنحاء المنطقة. على سبيل المثال، كان الفلسطينيون الذين أشاروا إلى المساواة في عام 2012 أعلى بـ 14 نقطة منهم في عام 2006. ونجد الزيادة نفسها في الجزائر (+11نقطة)، ولبنان (+10) والأردن (+8).
الكرامة الإنسانية
تتوقف العدالة الاجتماعية أيضاً على قدرة المواطنين على التأثير على حكوماتهم وانتزاع تغييرات إيجابية. ولم تشمل الدورة الثالثة من الباروميتر العربي أسئلة حول نوعية الحكم، لكن الدورتين الأولى والثانية تفسحان المجال لمقارنة المواقف من الحكم قبل الربيع العربي وعند بدايته.
ثمة سؤال أساسي في تحليل العلاقة بين الحاكم والمحكوم هو ما إذا كان المواطنون يشعرون بأن لديهم القدرة على التأثير في سياسات الحكومة. وعلى الرغم من عيشهم في ظل حكم سلطوي مديد في زمن اجراء المسوح (2010-2011)، يعتقد معظم المواطنين في المنطقة أنهم يمكن أن يؤثروا في سياسات الحكومة. لكن هناك أيضاً فجوة كبيرة بين البلدان التي شهدت ثورات ناجحة وتلك التي لم تشهد مثل هذه الثورات. ففي البلدان الثلاثة التي تغيرت فيها القيادة نتيجة الانتفاضات العربية، تعتقد أغلبية واضحة من المواطنين أنهم يمكن أن يؤثروا على سياسات الحكومة. ويقول تسعة أعشار المصريين تقريباً (88 في المئة) إن لديهم مثل هذه القدرة، وكذلك 73 في المئة من التونسيين و61 في المئة من اليمنيين.
في الوقت نفسه، فإنَّ عدداً أقلّ من المواطنين الذين يعيشون في البلدان التي لم تشهد تغييرات جذرية هم الذين يقولون إنهم يمكن أن يؤثروا في سياسات الحكومة. وفي هذه البلدان، فإنّ الجزائريين (55 في المئة) هم الأميل إلى القول إنهم يمكن أن يؤثروا في سياسات الحكومة، يليهم الفلسطينيون (52 في المئة) فالأردنيون (50 في المئة). أما في لبنان، فإنّ أقلّ من نصف المواطنين (40 في المئة) يعتقدون أن لديهم هذه القدرة.
في جميع البلدان التي تتوافر عنها بيانات الدورتين الأولى والثانية، ما عدا بلدين، لا نجد تغيراً مهماً في الاعتقاد بالقدرة على التأثير على سياسة الحكومة بمرور الزمن. الاستثناء الرئيس هو فلسطين، حيث نجد انخفاضاً مقداره عشرون نقطة من عام 2006 إلى عام 2010. والأرجح أنّ هذا الاختلاف يرجع إلى حقيقة أن مسح الدورة الأولى جرى بعد مرور بضعة أشهر على الانتخابات البرلمانية في عام 2006 التي اعتبرها مراقبون دوليون حرّة ونزيهة، في حين جرى مسح العام 2010 بعد الحرب الأهلية الفلسطينية التي أسفرت عن سيطرة حماس على غزة وسيطرة فتح على الضفة الغربية. وفي كلتا الحالتين، كان هناك انخفاض تدريجي في الحريات السياسية والمدنية.
الاستثناء الثاني هو الجزائر حيث زاد بمقدار 8 نقاط عدد الذين يقولون إنهم يمكن أن يؤثروا في السياسات الحكومية في الدورة الثانية مقارنة مع الدورة الأولى. وتُعزى هذه الزيادة على الأرجح إلى حقيقة أن الدورة الثانية جرت في نيسان/ابريل 2011 في وقت كان النظام يقترح إصلاحات هامة من شأنها لبرلة القواعد المفروضة على جماعات المعارضة والصحافة والمجتمع المدني في أعقاب الربيع العربي. ويبدو أنه كان لعملية اللبرلة السياسية هذه – المراد لها أن تتلافى الدعوات إلى تغييرات أكبر- أثرها المطلوب المتمثّل في دفع المواطنين إلى مزيد من الاعتقاد أنَّ بمقدورهم أن يؤثروا في سياسة الحكومة.
* تشارَك في البحث كلٌّ من أماني جمّال من جامعة برنستون ومايكل روبنز من "الباروميتر العربيّ"، وأصدره "برنامج العدالة الاجتماعيّة وسياسات التنميّة" في معهد عصام فارس للسياسات العامّة والشؤون الدوليّة في الجامعة الأميركيّة في بيروت، بالتّعاون مع مركز ممدوحة س. بوبست للسلام والعدالة في جامعة برنستون، بتمويل من مؤسسة إلمِر وممدوحة بوبست في نيويورك. هنا الجزء الخامس.