كنا مارين بالصدفة فرأينا الفلسطينيين محبوسين في القفص. قلنا لهم لا تتحركوا، انتظروا قليلاً، نريد أن نصور فيديو لكم. وشغّلنا الكاميرا ثم ذهبنا لننام. عندما عدنا وجدناً أحدهم قد ثنى ساقه، فقلنا له يا حبيبي، الفلسطيني عليه أن يبقى صامداً إلى الأبد، لم تفكر لحظة في شكل الفيديو عندما تثني ساقك؟ وفرد الفلسطيني ساقه. وواصلت الكاميرا عملها.
بعد قليل بدأنا نتثاءب. كان الموضوع مملاً. سألني صديقي ماذا لو أدخلنا عليهم بعض الحشرات؟ الحشرات توّحد بين الفلسطيني والطبيعة، طبيعة بلاده يعني. ووافقته وبدأت الحشرات تهجم عليهم ورأيناهم يهرشون في أذرعهم، فقلنا لهم إن الفيديو لن يكتمل بهذا الشكل، لم يَحْكِ لنا كتابُ التاريخ أن هناك فلسطينياً يهرش. وحاول أحدهم قتل ناموسة بيديه، فقلت له إن الفلسطيني لا يقتل الحشرات لأنه إذا كان قاسياً لهذا الحد، فما الفارق بينه وبين الإسرائيلي؟ وضحك زميلي وقال، تظن أن هناك فارقاً؟ أنت ساذج يا صديقي! ثم بدأنا نرمي عليهم حجارة عقاباً لهم ونصرخ فيهم أن من يتحرك منهم لن نرمي له عشاءه الليلة. ولأنهم لم يأكلوا من يومين فقد اضطروا للوقوف ثابتين. وبالفعل أخذنا نقذفهم ببعض الأرغفة اليابسة، فجلسوا على الأرض ومضوا يأكلونها. بيني وبينك، اندهشنا جداً، هل نسوا أنهم في قفص؟ هل تطبعوا مع حياة القفص ونسوا كل شعاراتهم الثورية؟ وعاودنا قذفهم بالحجارة عقاباً لهم على خيانتهم لقضية شعبهم، حتى صرخ أحدهم: "طَلْعونا" من هنا.
هنا بالتحديد بلغ السيل الزبى، كانت هذه أكبر طعنة تلقيناها في حياتنا. نظرنا كلنا إليه في ذهول، "طلعونا" من هنا؟ يعني نحن نتعب أنفسنا ونصور لكم فيديو حتى نكسب تعاطف العالم مع قضيتكم وأنتم تريدون الخروج من هنا؟ لا انتماء أبداً؟ لا إخلاص للوطن؟ قال لي زميلي: إننا الغلطانون لأننا اهتممنا بأمرهم من الأصل. وأخذنا نكهرب أسوار القفص حتى لا يفكر أحدهم في الخروج، وأغلقنا الباب ثم خرجنا وتركنا الكاميرا تعمل، إذ ربما ينفعنا الفيديو لإثبات أية نظرية نريد إثباتها في ما بعد.
كتب نائل الطوخي ورسم مخلوف