جلست مع زميلي في نوبة الحراسة. قال لي إنه أحياناً يتعاطف مع المعتقلين المحبوسين في الزنزانة، وأكد على أن هذا يحدث ليس لأنهم طيبون ولكن لأنه هو الطيب، وهذا فارق كبير. حسدته على طيبة قلبه، ولكني ذكرته بأن الطيبة أحياناً تنقلب إلى سذاجة. فهؤلاء متعصبون جداً، والدليل أنهم لم يقوموا بالنقد الذاتي لأفكارهم ولا مرة. ألا يحتمل أنهم خطأ؟ كيف يملكون كل هذا اليقين مع أن الحقيقة نسبية. سألني بدهشة إن لم يكونوا قد قاموا بأي نقد ذاتي من قبل؟ قلت له، أبداً وحياتك، ولا مرة.
قام من على كرسيه وفتح باب الزنزانة وسأل المعتقلين إن كانوا يقومون بالنقد الذاتي. وعندما لم يجبه أحدهم زعق قائلاً، أنا أسأل عن النقد الذاتي، من فيكم قام بالنقد الذاتي؟ لم يرد أحد باستثناء معتقل واحد بنظارة قال بتردد إنه يقوم أحياناً بالنقد الذاتي. سأله الشاويش متى يفعل هذا، فقال إنه لا يعرف، وإن هذا لا يأتي في ميعاد محدد. جلس الشاويش على أرض الزنزانة ووضع وجهه بين كفيه ثم نظر لي وقال إنه محبط جداً، فحتى الوحيد الذي يقوم بالنقد الذاتي يفعل هذا بين الحين والآخر. لا أفهم، جميع المعتقلين يأكلون في وقت الأكل، ويشربون في وقت الشرب، ويتبولون في وقت التبول، ولكن النقد الذاتي، في أي وقت يأتي النقد الذاتي؟
مرت دقيقة قبل أن يتغلب على إحباطه ويقوم ممسكاً بعصاه ويبدأ في ضربهم، وأنا أقف خلفه ممسكاً بسلاحي لحمايته. مضى يضربهم على رؤوسهم وظهورهم ومؤخراتهم وهو يصرخ: "النقد الذاتي يا بقر، النقد الذاتي، النقد الذاتي مهم، الحقيقة متعددة، الحقيقة نسبية يا بهائم". وعندما سقط جميع المعتقلين وهم يتلوون من الألم، خرجنا وأغلقنا باب الزنزانة. أخذ يلهث ثم قال لي إنه لا يضمن نجاح التجربة، ولكنه على الأقل حاول، وإنْ لم يكن المعتقلون قد تعلموا الآن أهمية النقد الذاتي فهذا يعني أنه لا أمل فيهم مطلقاً. حسدته مرة ثانية على طيبة قلبه وأشعلت له سيجارة.
كتب نائل الطوخي ورسم مخلوف