سمعت في الراديو المذيع يقول إنه لا بد من الاصطفاف لأننا في حالة حرب. بيني وبينك، ارتعبت. أنا مثلاً لا أريد لمصر أن تُهزم، هذا آخر شيء أتمناه. ولكن في نفس الوقت كانت لدي مشاكل قوية مع الاصطفاف. ذهبت للدكتور. سألته كيف يمكن الاصطفاف؟ قلت له إن الأمر لاإرادي. أقف هكذا، وأضع يديّ بجانب خصري، ثم فجأة، من عند الله، أتذكر شيئاً، مثل أنني نسيت الشاي على النار، أو أنني جائع، فأتوقف عن الاصطفاف. قال إن الموضوع مهم فعلاً، لأن الاصطفاف الآن ضروري، ويتعلق به مصير الوطن. وفكر قليلاً ثم قال إن الحل الأمثل هو أن يشغّل لي بعض الأغاني الوطنية، وكل ما علي هو أن أكون على طبيعتي وأنا أسمعها، ووافقته بحماس.
بدأ في تشغيل بعض الأغاني، وتحمست فعلاً. قفزت عيناي من محجريهما، احمر وجهي ونفرت عروق رقبتي وبدأت أرقص. أخذني الحماس حتى أني مددت يدي للدكتور ليشاركني الرقص. نظر لي ببرود ورفض القيام من على الكرسي، فقررت أن أعلّي إيقاعي كي يشاركني. تقافزت في العيادة ومضيت أخبط برجلي على الأرض بقوة وأتشقلب على الأرض. انتهت الأغنية فجأة وأنا واقع على الأرض.
سألته عن رأيه في أدائي، فقال بفتور إن هذا لا يسمى اصطفافاً، وسألني بغضب، لماذا لم أتصرف على طبيعتي وأنا أسمع الأغنية؟ قلت له بصوت خافت إن هذه هي طبيعتي، كنت خجلان بعض الشيء من نفسي ومن طبيعتي. مضى يزعق فيّ وهو يقول إن طبيعتي هذه ليست أمراً أفعله بمزاجي.. مَن الدكتور هنا، أنا أم أنت؟ من يعرف طبيعتك، أنا أم أنت؟ شعرت بالخجل من نفسي أكثر، ولكنه كان بدأ يتهور. أخرج مسدساً من درج مكتبه وضربني بالرصاص. مت في لحظتها فقام من على كرسيه وأوقف جثتي ومضى يثبتها بالمسامير في الحائط. مسح عرقه ونظر إلي بإعجاب وقال لي إن شكلي وأنا مصطف جيد جداً، وسألني إن كنت أشعر بتحسن الآن، ولم أرد عليه طبعاً لأنني مت. فعاد لمكتبه وكتب في تقريره أنني تمكنت أخيراً من الاصطفاف، ولكن ما تزال لديّ مشاكل في النطق. وقال إن هذا جيد لأن لا شيء يأتي دفعة واحدة، ولكن المهم الآن هو تحسن الحالة بشكل ملحوظ.
كتب نائل الطوخي ورسم مخلوف