قالت لي أمي ألا أعلق على أحكام القضاء، ودرست في المدرسة أن التعليق على أحكام القضاء أمر غير جيد، وفي الجامعة عرفت أن من يعلق على أحكام القضاء هم أسوأ البشر، وفي عملي زاملت أشخاصاً هم جميعاً لا يعلقون على أحكام القضاء، وعندما قررت الزواج اخترت عروسة هي أيضاً لا تعلق على أحكام القضاء، ونحن قريباً ننتظر طفلاً لا يعلق على أحكام القضاء. هذا لتعرف من أية خلفية جئت منها.
ولكن الموضوع كان صعباً من كم يوم. ذهبت للعمل ووجدت الزملاء كلهم يتحدثون عن براءة مبارك. فقلت لهم إنه من الأفضل لنا جميعاً ألا نعلق على أحكام القضاء، هل نسيتم يا جماعة؟ ثم مشيت من العمل. ولكن حتى زوجتي كلمتني عن براءة مبارك. وبيني وبينك كنت ضعفت قليلاً، الحديث كان شيقاً والموضوع كان صعباً، فقررت أن أكلم رقم دار الإفتاء المصرية لأسألهم ماذا لو علق الواحد تعليقاً بسيطاً على أحكام القضاء. ولكنهم قالوا لي إن هذا ممنوع تماماً. فسكتت.
في آخر الليل، وأنا أتفرج على التلفزيون كنت قد انهرت، بدأت أرتعش وأحك ذراعي ويسيل ماء من أنفي وعيوني. حتى انفجرت وعلقت على أحكام القضاء. صحيح أن زوجتي لم ترني الحمد لله، ولكن بعدها أصابني اكتئاب رهيب، لأنه حتى وإن لم ترني زوجتي فأكيد الله يراني. ولهذا جئت إليك يا دكتور، أعني أني حكيت لك ما حدث هذا لأنني أثق بك، وأرجو أن يظل هذا سراً، لا أريد فضائح أرجوك. هل هناك شيء يمكنني أخذه من أجل الاكتئاب، وطبعا، أنا أريد أن أنسى أني علقت على احكام القضاء أصلاً، هل اخترع العلم الحديث شيئاً مثل هذا؟
(كتب نائل الطوخي ورسم مخلوف)